شبكات تتلاعب بغذاء التونسيين... وانعدام السلع المدعومة بالأسواق

شبكات تتلاعب بغذاء التونسيين... وانعدام السلع المدعومة بالأسواق

26 يوليو 2022
ارتفاع قياسي للتضخم في الأسعار (مراد مجيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يزيد اختفاء سلع أساسية من مصاعب عيش التونسيين الذين يعانون من غلاء قياسي وتضخم يقترب من الرقمين، حيث ينشّط الصيف وموسم الإجازات كل المناسبات العامة والخاصة المحفزة على الاستهلاك.
وتغيب عن أسواق تونس منذ أشهر مواد أساسية ومنها السكر والزيت والأرز، بينما يزيد ارتفاع معدل الاستهلاك الناتج عن الطلب السياحي والاستهلاك الأسري في ندرة التموين من المضاربة وسط غياب شبه تام للدور الحكومي في حلّ الأزمة.
في المقابل، يتواصل الإنكار الرسمي لوجود نقص حقيقي في المواد الأساسية، حيث تواصل السلطة تحميل وسطاء وتجار مسؤولية اختفاء سلع أساسية من السوق متهمة شبكات توزيع الغذاء بالتلاعب بقوت التونسيين.
بينما حذّر مهتمون بالشأن الاقتصادي من مخاطر تعويم قضية ندرة المواد الأساسية في البلاد، في وقت تسارع كل الدول إلى تأمين غذاء شعوبها على وقع الحرب الأوكرانية الروسية وتداعياتها.
ويجد التونسيون صعوبة كبيرة في الحصول على الزيت المدعوم الذي اختفى تماما من الأسواق، كما برزت في الأسابيع الأخيرة أزمة تزود بالسكر، بينما تحضر في المساحات التجارية بدائل بأثمان عالية ومنها زيت عباد الشمس والذرة وكذلك السكر المعلّب والسكر البني، وهي مواد غير متاحة للطبقات الضعيفة والمتوسطة.

ويؤثر نقص التموين بالمواد الأساسية مباشرة على النفقات الأسرية التي ترتفع بسبب تحمل كلفة المقتنيات البديلة، في المقابل يلجأ صغار الحرفيين وأصحاب المهن المستهلكة للسكر والزيت إلى السوق السوداء لتأمين المواد الأساسية لنشاطاتهم.
وتقول مديرة مشغل صغير لصناعة الحلويات التقليدية، نور المغراوي، إنها تواجه صعوبة كبيرة في توفير السكر والزيت، مؤكدة أن نقص المواد الأساسية يضطرها إلى رفض طلبيات كثيرة لزبائنها، ويحرمها من دخل إضافي في أهم موسم شغلها.
وتؤكد نور لـ"العربي الجديد" أن الصيف وموسم الأفراح العائلية من أبرز مواسم الاستهلاك في تونس التي يحقق فيها أصحاب المهن الصغرى أرباحا جيدة، مشيرة إلى أن اختفاء المواد الأساسية من الأسواق يكبح قدرتهم على العمل.
وتنتقد المتحدثة إصرار السلطات الرسمية على مواجهة الأزمة بتوجيه أصابع الاتهام للمحتكرين وسط غياب الدور الحكومي، معتبرة أن الوفرة هي الحل الوحيد الناجع لمن ينهبون جيوب التونسيين بحسب تعبيرها.
وتتواتر في السوق التونسية أزمات نقص في مواد أساسية لموائد التونسيين، ولا سيما منها الدقيق والمعجنات والزيوت النباتية والسكر والأرز وهي مواد تدعمها الدولة في إطار سياسة اجتماعية تعتمدها البلاد منذ أكثر من 5 عقود.
وأخيرا، نشرت وسائل إعلام محلية أخبارا عن عودة باخرة كانت تحمل على متنها 6 آلاف طن من الزيت النباتي أدراجها بعد انتظار دام أكثر من أسبوعين في أحد المرافئ التجارية التونسية بسبب عدم قدرة الدولة على توفير الاعتمادات الخاصة لدفع ثمن شحنة الزيت.
غير أن وزارة التجارة أنكرت ذلك وقالت إنه تم رفض شحنة الزيت القادمة من إسبانيا بسبب عدم مطابقتها للمواصفات.
ويفسر مصدر موثوق به من وزارة الصناعة، فضل عدم الكشف عن اسمه، أزمة السكر بسببين رئيسيين أولهما تقادم مصنع السكر الحكومي الذي يؤمن سنويا ما بين 150 و180 ألف طن من مجموع استهلاك يقدر بنحو 360 ألف طن.
وقال المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" إن آخر عملية تجديد لمعدات الشركة التونسية لصناعة السكر تعود إلى أوائل التسعينيات، معتبرا أن تقادم تجهيزات المصنع أصبح يؤثر في قدرته على الإنتاج وتلبية حاجيات السوق المحلية.

وأضاف أن تونس مستورد رئيسي للسكر من البرازيل، التي توجه جزءا من إنتاج القصب السكري نحو صناعة البترول البيولوجي عند ارتفاع أسعار النفط، ما يؤثر بشكل مباشر على وفرة السكر في السوق العالمية ويزيد من أسعاره.

وأشار إلى أن الحرف والمهن الصغرى والأسر تستهلك نحو 180 ألف طن سنويا من السكر بينما توجه الـ50 بالمائة المتبقية للإنتاج الصناعي، مؤكدا أن الأسر والحرف والمهن هي الأكثر تضررا من أزمة التموين.
وتنكر السلطة الرسمية في تونس وجود أزمة ناتجة عن ضعف المخزونات الاستراتيجية من المواد الأساسية أو تأثير أزمة المالية العمومية على تأمين واردات الغذاء والطاقة التي قد تكلف الموازنة نفقات إضافية ستضاف إلى عجز بنحو 9 مليارات دينار في موازنة العام الحالي.
وفسّر وزير التجارة السابق محسن حسن أزمة اختفاء المواد الأساسية، بتفكك منظومات الغذاء على مدى السنوات الماضية وغياب سياسات حكومية لدعم الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي.
وقال حسن في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن أزمة المالية العمومية انعكست بصورة واضحة على المؤسسات الحكومية المكلفة بشراءات المواد الأساسية ومنها القمح والطاقة والدواء، معتبرا أن تونس التي تستورد 84 بالمائة من القمح اللين الذي يصنع منه الخبز ليست في مأمن من الناحية الغذائية.

فسّر وزير التجارة السابق محسن حسن أزمة اختفاء المواد الأساسية، بتفكك منظومات الغذاء على مدى السنوات الماضية وغياب سياسات حكومية لدعم الإنتاج

ومنذ إعلان سعيد لتدابير استثنائية في يوليو/تموز الماضي، شّن حربا على شبكات المضاربة والاحتكار ووعد بخفض الأسعار، غير أن وعوده لم تتحقق بعد بسبب تواصل الغلاء وتسجيل التضخم نسبة قياسية بلغت 6.6 بالمائة، وفق أحدث البيانات التي نشرها معهد الإحصاء الحكومي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتصاعدت ما بعد 25 يوليو/ تموز الماضي، معركة كسر العظام بين السلطة وكارتلات الغذاء التي دخلت في مواجهة غير مباشرة مع الرئيس قيس سعيد، بسبب إعلانه ما وصفها بـ"حرب التصدي للمحتكرين والمضاربين"، بهدف حماية قوت المواطنين من الغلاء القياسي الذي يعيش على وقعه التونسيون.
ونهاية يونيو/ حزيران الماضي، صرف البنك الدولي لفائدة تونس تمويلا بقيمة 130 مليون دولار، من أجل مساعدة البلاد على مجابهة مصاريف توريد الغذاء وتخفيف آثار الحرب الروسية الأوكرانية على موازنة الدعم ونفقات استيراد القمح المخصص للخبز خاصة.
وقال البنك الدولي إنه جرى منح تونس التمويل الاستثنائي لدعم شراء القمح والزيت الموجه للاستهلاك الأسري.
وأكد أنه يسعى عبر مشروع التمويل إلى تجنب اضطرابات على مستوى إمدادات الخبز في الربع الثالث من عام 2022، من خلال تمويل الشراء العاجل للقمح اللين، بما يعادل شهراً ونصف الشهر من الاستهلاك.

المساهمون