استمع إلى الملخص
- السيناريو المتفائل: يتوقع ارتفاع الناتج المحلي بنسبة 19.6% في 2025، معتمدًا على إعادة إعمار غزة، مما يعزز القطاعات الاقتصادية ويقلل البطالة، بشرط رفع القيود الإسرائيلية.
- السيناريو المتشائم: يتوقع انخفاض الناتج المحلي بنسبة 5.5% في حال عودة الحرب، مما يؤدي إلى ركود تضخمي وزيادة البطالة، ويعمق الأزمة الاقتصادية.
مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، تُزيح التوقعات السيناريو الأكثر تشاؤماً للتنبؤات الاقتصادية في فلسطين لعام 2025، وهو السيناريو الذي يتوقع، حسب جهاز الإحصاء المركزي، تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5% مقارنة بعام 2024، وتراجع كل المؤشرات الاقتصادية من صادرات وتحويلات خارجية وإيرادات وغيرها.
إلا أن تجاوز السيناريو المتشائم في حال التزام الاحتلال بتوقف العدوان على غزة لا يعني بالضرورة الانتقال إلى سيناريو التعافي المتفائل. فالمشهد الاقتصادي يعتمد إلى حد كبير على ما سيحدث بعد وقف إطلاق النار، وخاصةً على طبيعة عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة، بالإضافة إلى القيود الاقتصادية المفروضة على غزة والضفة الغربية.
وأعلن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أول من أمس الأربعاء، رسمياً، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي. وقال: "يسر قطر وأميركا نجاح جهود الوساطة بوقف إطلاق نار دائم بين الطرفين".
السيناريوهات المرتقبة
بعيداً عن السيناريو المتشائم، تنقسم توقعات جهاز الإحصاء الفلسطيني إلى سيناريو متفائل وسيناريو أساسي يميل للتحفظ. السيناريو الأساسي مبني على افتراض بقاء الوضع السياسي والاقتصادي دون تغيير كبير، مع توقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، لكنه يتضمن قيوداً مشددة على الحركة التجارية والمعابر، وتوقفاً شبه كامل للأنشطة الاقتصادية في غزة نتيجة الدمار الهائل، بالإضافة إلى تعطل كبير في حركة العمالة الفلسطينية إلى إسرائيل، واستمرار الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال الضرائب الفلسطينية، وتراجع الإيرادات، وثبات مستوى المساعدات الخارجية.
هذا السيناريو، الذي يُعتبر امتداداً للوضع الاقتصادي في عام 2024، يتوقع ثباتاً في الناتج المحلي الإجمالي مع ارتفاع طفيف بنسبة 0.6% خلال عام 2025، مقارنة بانكماش حاد بلغ حوالي 28% في عام 2024.
ومع ذلك، يؤكد جهاز الإحصاء أن هذا الارتفاع الطفيف لا يعكس تحسناً جوهرياً، بل يُعزى إلى تأثير قاعدة المقارنة مع عام شهد انكماشاً غير مسبوق.
ورغم التوقعات بتوقف العدوان، فإن استمرار القيود الاقتصادية وعوائق نقل البضائع وطبيعة المواد المسموح بدخولها إلى غزة، بالإضافة إلى غياب عملية إعمار حقيقية، قد يؤدي إلى بقاء الاقتصاد ضمن حدود السيناريو الأساسي.
تقديرات متحفظة حول الاقتصاد الفلسطيني
في هذا الإطار، يصف الباحث الاقتصادي في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني- "ماس"، مسيف مسيف، هذه التقديرات بـ"المتحفظة". ويقول إن الاقتصاد يتباطأ بشكل سريع، وإن ارتفاع الناتج المحلي بنسبة 0.6% فقط لا يكفي لمواكبة النمو السكاني، الذي يقدر بـ2-2.5%. واعتبر أن ثبات الناتج المحلي دون نمو إضافي يغطي التضخم وارتفاع الأسعار يعد نقطة سلبية للاقتصاد.
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي ثابت أبو الروس، أن الاقتصاد في عام 2025 سيكون في مرحلة إدارة الأزمات، حتى لو بقي في حدود السيناريو الأساسي. ويضيف أن الاقتصاد الفلسطيني، بفضل طبيعته العائلية (93% من النشاط الاقتصادي)، يمتلك مرونة أكبر في إدارة الأزمات مقارنة بغيره من الاقتصادات، حيث تتميز العائلات بسرعة اتخاذ القرار واللامركزية.
أما القائم بأعمال وزارة الاقتصاد الوطني طارق المصري، فقد أبدى تفاؤله بأن يكون الوضع الاقتصادي أفضل في المرحلة المقبلة. ووصف السيناريو الأساسي بأنه "غير متفائل وغير متشائم"، مشيراً إلى أن الحكومة وضعت سبع مبادرات اقتصادية ضمن برنامجها الوطني للتنمية، تشمل التحول للطاقة المتجددة، توطين الخدمات الصحية، تعزيز نظام الحماية الاجتماعية، تطوير التعليم من أجل التنمية، تعزيز الهيئات المحلية، التحول الرقمي، وتحسين الخدمات الحكومية. وأكد أن هذه المبادرات ستنعكس إيجاباً على الاقتصاد والمواطن.
الحل السحري
يعتقد الباحث مسيف مسيف أن إعادة إعمار قطاع غزة قد تكون "الحل السحري" للاقتصاد الفلسطيني، شريطة أن تكون عملية الإعمار حقيقية وخالية من القيود التي تعيقها.
في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، والمعروف بسيناريو "التعافي وبدء الإعمار"، يتوقع جهاز الإحصاء الفلسطيني ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 19.6% خلال عام 2025 مقارنة بالعام السابق. كما يتوقع ارتفاع نصيب الفرد بنسبة 16.9%، وارتفاع إجمالي الاستهلاك بنسبة 24.6%، وزيادة كبيرة في نشاطات اقتصادية مثل الإنشاءات (74.2%)، الزراعة (58%)، والخدمات (7.7%). ويتوقع أيضاً انخفاض معدل البطالة إلى 43.3% مقارنة بـ51.2% في العام الماضي بالضفة وغزة.
ويوضح مسيف أن عملية إعادة الإعمار ستسهم في تشغيل القطاعات الاقتصادية كافة، مما سيؤدي إلى امتصاص جزء كبير من البطالة. وفي حال توفير تسهيلات تجارية تسهم في استثمار المصانع الفلسطينية بمستلزمات الإعمار، فإن الطاقة الإنتاجية ستصل إلى مستويات مرتفعة.
أما وكيل وزارة الاقتصاد طارق المصري، فقد أكد أن سيناريو التعافي سيعزز نشاطات اقتصادية متعددة، مثل الإنشاءات، والزراعة، والصناعة، وسيسهم في تعافي الاقتصاد الفلسطيني إذا ما عادت الحركة التجارية والاقتصادية ورفعت القيود الإسرائيلية على حركة الأفراد والبضائع.
السيناريو المتشائم
رغم التفاؤل النسبي، إلا أن السيناريو المتشائم لا يزال احتمالاً قائماً، خاصة إذا عادت الحرب من جديد. ووفقاً لهذا السيناريو، يتوقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5% مقارنة بالعام الماضي، مع تراجع كبير في قطاعات اقتصادية وخروج بعضها عن العمل بشكل شبه كامل.
ويرى مسيف أن هذا السيناريو سيؤدي إلى انخفاض إضافي في القوة الشرائية وتراجع الاستهلاك العام، مما يدخل الاقتصاد في مرحلة ركود تضخمي تتسم بارتفاع الأسعار، زيادة البطالة، وتراجع الإنتاج. ووفقاً لجهاز الإحصاء، يتوقع انخفاض نصيب الفرد بنسبة 7.6%، وتراجع نشاط الإنشاءات بنسبة 21.4%، والصناعة بنسبة 14.5%، مع ارتفاع معدل البطالة في الضفة وغزة إلى 53%.
وأحدثت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة والتي أطلقها الاحتلال رداً على طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، أضراراً هائلة وغير مسبوقة في مختلف القطاعات الاقتصادية في غزة والضفة. وتركزت الخسائر في القطاعات الإسكانية والصناعية والتجارية والزراعية والترفيهية والفندقية، فيما طاولت قطاعات الاتصالات والإنترنت والنقل والمواصلات والكهرباء والخدمات والبلديات، علاوة على القطاعات الصحية والتعليمية والدينية والحكومية والإعلامية.