استمع إلى الملخص
- وثق الباحث قدري يونس العبد في كتابه "سيناء في مواجهة الممارسات الإسرائيلية" السياسات الاستيطانية الإسرائيلية، حيث طردت إسرائيل المزارعين المصريين واستغلت الأراضي والموارد الطبيعية مثل بحيرة البردويل.
- منذ 2013، قامت الحكومة المصرية بعمليات هدم وإخلاء قسري في شمال سيناء، مما أدى إلى نزوح أكثر من 100 ألف شخص، مما يعكس سياسة تفتقر إلى الاهتمام بسلامة ورفاهية السكان.
بعد أن احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء في سنة 1967، أقامت إسرائيل 10 مستوطنات في شبه الجزيرة. وبعد هزيمة دولة الاحتلال في حرب 1973، لم تثنها الهزيمة عن بناء المزيد من المستوطنات، فأقامت ثماني مستوطنات اضافية في شمال سيناء. وخلال عامي 77 - 1978 فقط، وهي الفترة التي تزامنت وزيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس المحتلة، أقامت سبع مستوطنات جديدة، أي ما يقرب من 50% من المستوطنات التي أقامتها سابقا.
وبعد أسابيع قليلة من انتهاء الحرب، كلفت الحكومة الإسرائيلية في أغسطس 1967 فريقا من علمائها المتخصصين بإجراء مسح شامل لشبه جزيرة سيناء، لاكتشاف أفضل الأماكن الواعدة للبدء في إقامة المستوطنات الزراعية والسياحية والصناعية.
استعمار إسرائيلي استيطاني في سيناء
في كتاب، سيناء في مواجهة الممارسات الإسرائيلية، الصادر عن دار المعارف في 1986، وثق الباحث السيناوي قدري يونس العبد، قيام إسرائيل بتنفيذ سياسات استيطانية استعمارية واسعة في سيناء، تدل على ذخرها بالخيرات وتفضح إهمال تنميتها المتعمد من الحكومات المصرية المتعاقبة.
في بداية الاحتلال، استخدمت إسرائيل تكنولوجيا الري بالتنقيط في زراعة 500 فدان بمحاصيل الفول السوداني والفراولة والغوافة والخوخ والزهور والمانغو، في منطقة جنوب شرق مدينة رفح، بعد طرد الأهالي منها وتعويضهم، وقامت بتوفير المياه من ثلاثة مصادر هي، الأمطار، الآبار الجديدة، ومياه بحيرة طبرية التي نقلتها للمنطقة عن طريق أنبوب للمياه أقامته لهذا الغرض.
وفي منطقة ساحل الشيخ زويد، قامت إسرائيل بالتوسع في زراعة أكثر من 1000 فدان، كان يمتلكها 300 مزارع مصري قامت بطردهم وتعويضهم، ونشرت زراعة الخضروات بأنواعها وأشجار الغوافة والزيتون والنخيل في المنطقة، وجلبت 300 ماكينة لرفع المياه من الآبار.
وقامت إسرائيل بحفر آبار المياه العذبة في المنطقة بين القسيمة وسد الروافعة لزراعة 300 فدان بطريقة الري بالتنقيط، ونشطت مديرية الزراعة الإسرائيلية في تزويد المستوطنين في المنطقة بالإرشادات الزراعية، وتوفير المبيدات اللازمة لمقاومة الآفات الزراعية والبذور المنتقاة والأسمدة، والآلات الزراعية بأسعار منخفضة لتصبح في متناول الجميع.
أقامت إسرائيل مستوطنة ناحال سيناي على بعد ثمانية كيلومترات شرق مدينة العريش، على مساحة ثلاثة كيلو مترات مربعة على أنقاض مزرعة ناصر النموذجية التي أنشأتها مؤسسة تعمير الصحاري المصرية قبل حرب 1967، لأبناء المنطقة واستغلتها في تربية الدواجن، وزراعتها بالخضروات وأشجار الزيتون والموالح.
وأقامت مستوطنة ناحال يام، على مشارف بحيرة البردويل في موقع مزرعة أسماك مصرية. وقام المستوطنون بتصدير الأسماك من بحيرة البردويل في شمال سيناء بما قيمته ألف جنيه إسترليني يوميًا. وفى عام 1968 أسهمت الوكالة اليهودية في تطوير هذه المستوطنات، وأمدتها بمعامل لتحلية مياه البحر لاستعمالها للشرب والري، وقد تفرغ كثير من العسكريين الإسرائيليين للزراعة في المنطقة.
وأقامت إسرائيل مستوطنة دكله على بعد 11 كيلومترا غرب مدينة رفح بالقرب من الشيخ زويد في موقع شركة مصرية تابعة لمؤسسة تعمير الصحاري، وقام المستوطنون بزراعتها بالطماطم في بيوت زجاجية، وتبلغ مساحة هذه المستوطنة 300 فدان. وقامت الزراعة فيها على ثلاثة مصادر للمياه هي، الأمطار وعشر آبار مياه، ومياه منقولة من بحيرة طبرية في أقصى شمال فلسطين، حبا في الزراعة على أراضي سيناء.
وأقامت إسرائيل مستوطنة أوفيرا على خليج العقبة بجوار شرم الشيخ لتكون نواة لمدينة جديدة خططت إسرائيل لإقامتها في منطقة شرم الشيخ، كي تصبح عاصمة لجنوب سيناء، الذى أطلقت عليه اسم إقليم سليمان، على أن تستوعب هذه المدينة عام 1980 حوالى 20 ألف نسمة، وأن تتحول إلى ميناء إسرائيلي، وفي عام 1977 قامت إسرائيل بمد خط أنابيب لنقل المياه العذبة للمنطقة بطول مئات الكيلومترات.
وأقامت بجوارها مستوطنة ذي هاف، أو دهب، لاحتلالها موقعا استراتيجيا، حيث تقع في مفترق الطرق بين شرم الشيخ في الجنوب ودير سانت كاترين في الغرب.
وأقامت دولة الاحتلال كذلك مستوطنة أسدوت على مشارف رفح بمساحة 1500 دونم، وقامت 25 عائلة من المستوطنين بزراعتها بالطماطم والزهور والمانغو. وكذلك أقامت مستوطنة نفيعوت على بعد خمسة كيلومترات جنوب مدينة أم الرشراش، التي تسميها إسرائيل إيلات، مركزا سياحيا على مساحة 2500 دونم.
وأقامت مدينة ياميت على بعد سبعة كيلومترات من مدينة رفح، وهي من أهم المستوطنات الإسرائيلية في سيناء، وخططت الحكومة الإسرائيلية لإنشاء 1500 وحدة سكنية بها تستوعب 6000 مستوطن، وتم إعداد شاطئها على البحر المتوسط للسياحة، وأقيمت بالمنطقة ورش عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي، ومدرسة الحماية البيئة والمجتمع.
وتمثل هذه المستوطنة مركزا لإمداد بقية المستوطنات والجيش الإسرائيلي بالخدمات، ومركزا سياحيًا محاطًا بالخضروات والأشجار والزهور. وشكلت زارة الدفاع الإسرائيلية هيئة خاصة بالتعاون مع إدارة التخطيط بوزارة الداخلية، لإنشاء مشروع ميناء ياميت لتصدير الفوسفات للخارج.
وأنشأت مستوطنة أفشلوم على مشارف مدينة رفح، تشمل محطة للغاز ومركزا للمحال التجارية والخدمات، ويقطنها مهاجرون قادمون من الاتحاد السوفييتي. وبنت مستوطنة نيتف ها أشره بالقرب من رفح، على مساحة 200 دونم لزراعة الطماطم والزهور. وأقامت بجوارها مستوطنة سوفا سكوت الاقتصادية على مساحة 2000 دونم تزرع فيها المحاصيل، وبها مزرعة مانغو على مساحة 100 دونم، وبيوت زجاجية لزراعة الطماطم والفلفل والباذنجان، ومزرعة لديوك الرومي وبعض الصناعات الزراعية.
هذه الأراضي كانت ملكا لأهالي سيناء، وكانوا يستزرعونها باللوز والخوخ والزيتون، وانتزعتها إسرائيل منهم بعد حرب أكتوبر 1973، وتعتمد مستوطنة حروفيت التي أقامتها إسرائيل على بعد 17 كيلومترا فقط من مدينة العريش على زراعة الخضار والطماطم وصيد الأسماك من بحيرة البردويل. وساهم الصندوق القومي اليهودي في توسيع الموقع الذي تشغله هذه المستوطنة.
وأقامت إسرائيل مستوطنة أوجدا بالقرب من حروفيت، وقام المستوطنون بزراعة الطماطم في بيوت زجاجية، وخصصت لكل أسرة مساحة قدرها 8 دونمات وبيتين زجاجيين وأمدتهم بالمياه اللازمة للشرب والري على مدار العام. أما مستوطنة تالمى يوسف، والتي أقامتها إسرائيل بالقرب من رفح لمستوطنين هاجروا من جنوب أفريقيا، فقاموا بزراعة الطماطم في بيوت زجاجية. كذلك الحال بالنسبة لمستوطنة برتيل ونير افراهام بالقرب منها.
وبنت إسرائيل مستوطنة حوليت على مساحة 100 دونم فخصصتها لزراعة المانغو والطماطم. وأقامت مستوطنة کادیش بارينا على أطلال واحة أثرية بالقرب من حدود فلسطين، وقام مستوطنوها بزراعة منطقة تبلغ مساحتها 300 دونم بالطماطم والزهور. وأقامت مستوطنة حروفيت (ب) على بعد 10 كيلومترات من مدينة العريش، فقام المستوطنون بزراعتها بالخضروات والطماطم إلى جانب صيد الأسماك. وبالقرب منها مستوطنة زحاروف وهي مستوطنة سياحية بالدرجة الأولى.
تدمير مصري ممنهج
في مقابل استعمار إسرائيل سيناء واستغلال خيراتها بتوسع، وكسب ود سكانها المصريين بمكر المحتل، وثق جو ستورك، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش عمليات طرد وتهجير الحكومة المصرية بشكل غير قانوني عشرات آلاف السكان في شمال سيناء على مدى سبع سنوات بداية من منتصف سنة 2013، ودمر منازلهم ومزارعهم وسُبل معاشهم.
وقال إن عمليات الهدم والإخلاء تعكس عقلية رسمية مسيئة لا تهتم بعافية وسلامة سكان سيناء، وهو أمر أساسي لأمن المنطقة واستقرارها. وبدلا من تعميرها، أصدرت الحكومة المصرية قرارا بإخلاء السكان من منطقة تبلغ مساحتها 79 كيلومترا مربعا، وبحلول منتصف إبريل/نيسان 2018، انتهى الجيش من هدم مدينة رفح بأكملها وضواحيها حيث كان يعيش أكثر من 70 ألف شخص.
ولم تصدر الحكومة أية إحصاءات رسمية، لكن هيومن رايتس ووتش تقدر أن أكثر من 100 ألف من سكان شمال سيناء البالغ عددهم 450 ألفا نزحوا أو غادروا المنطقة منذ 2013، نتيجة هدم المنازل.
وفي الفترة بين أواخر 2013 ويوليو/تموز 2020، وثق تقرير المنظمة تدمير الجيش المصري ما لا يقل عن 12 ألفا و350 مبنى، معظمها منازل، في رفح المصرية وبئر العبد وفي منطقة العريش. وفي منتصف 2016، جرف الجيش، وأفسد، ومنع الوصول إلى ما لا يقل عن 14 ألف فدان من الأراضي الزراعية المنتجة.
وفي مدينة العريش التي تبعد 50 كيلومترا عن مدينة رفح، هدم الجيش 5500 منزل، ودمر وجرف 6250 فدانا من الأراضي الزراعية في مدينة العريش وما حولها. وجدت هيومن رايتس ووتش قوائم رسمية في يوليو/تموز 2020 تشير إلى هدم 7460 مبنى على الأقل داخل منطقة رفح وحدها.
عمليات هدم المنازل والإخلاء القسري من قبل الحكومة المصرية هي من المظالم الرئيسية لسكان شمال سيناء، التي تعرضوا لها، بين انتهاكات خطيرة أخرى وجرائم حرب على أيدي الجيش. وقالت إن الجنرال عبد الفتاح السيسي نفى في أكتوبر/تشرين الأول 2019 عمليات التهجير بقوله "مهجرناش حد.. إدينا فلوس للناس وأزلنا المباني والمزارع لأنه أمن قومي".
وهو عذر لا يبرر الجريمة، لأن الأمن القومي يقتضي تعمير سيناء وتثبيت ملايين السكان وليس العكس. وهو مبرر لا يعفي من المسؤولية عن إهمال تنمية سيناء وأهلها لعقود حتى أصبحت مطمع للقاصي والداني، ولا يرقى لمستوى السياسات الاستعمارية التي انتهجتها إسرائيل بمكر تجاه الأهالي والقضايا التنموية في هذا الجزء الغالي من الوطن.