سياسات ترامب تدفع السائحين الدنماركيين إلى وجهات أوروبية بدلاً من أميركا
استمع إلى الملخص
- تأثير السياسات الأمريكية على الزوار الأوروبيين: تعرض الأوروبيون لمعاملة قاسية من السلطات الأمريكية، مما أدى إلى تزايد القلق وإصدار إرشادات سفر تحذر من مخاطر الاحتجاز.
- استهداف الباحثين والطلاب الأوروبيين: امتدت السياسات المتشددة لتشمل الباحثين والطلاب، مما أثر سلباً على العلاقات الأكاديمية بين الولايات المتحدة وأوروبا.
يقدم النموذج الدنماركي صورة حول تراجع الرغبة الأوروبية في التوجّه السياحي والبحثي والدراسي نحو أميركا منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ بدأت مؤشرات ذلك التراجع تتضح، وبلغت في المتوسط نحو 30% تراجعاً في نسبة الدنماركيين الراغبين في السفر إلى الولايات المتحدة وفقاً لأرقام الوكالات الدنماركية المتخصصة.
ولم تشهد سوق السفر الدنماركية تراجعات كهذه منذ فترة جائحة كورونا، وفي الأيام القليلة الماضية بيّنت الأرقام الدنماركية أنه مقابل تراجع رغبة السفر وإلغاء البعض تذاكرهم إلى أميركا، زادت التذاكر إلى إيطاليا بـ24%، بينما شهدت رغبات السفر إلى بريطانيا زيادة بنسبة 53% وإلى البرتغال 33%.
وتساهم أخبار تعامل السلطات الأميركية مع القادمين إليها من أوروبا، وغيرها، في تراجع جاذبية أميركا السياحية لدى كثيرين.
ووفقاً للأرقام الدنماركية المتابعة لحركة سياحة المواطنين قبل موسم الصيف القادم، فقد تطورت عبر السنوات الأخيرة رحلات الدنماركيين إلى أميركا لتقفز من نحو 199 ألفاً في 2022 إلى 318 ألفاً في العام الماضي 2024، وتلك الأعداد تعتبر كبيرة مقارنة بعدد شعب الدنمارك (نحو 5.6 ملايين نسمة)، وخلال الأسبوع الماضي أصدرت السلطات الدنماركية إرشادات جديدة بشأن السفر إلى أميركا، محذرة من زيادة مخاطر الاحتجاز والترحيل.
وشددت وزارة الخارجية في كوبنهاغن على أنه "قد تتعرض لخطر رفض دخولك أو طردك من البلاد"، وذلك استناداً إلى نماذج تعرض فيها بعض الأوروبيين وغيرهم إلى معاملة قاسية وتصفيد بالسلاسل لمن منعوا من دخول الولايات المتحدة، قبل الترحيل إلى بلادهم التي أتوا منها. واللافت في الإرشادات الدنماركية توجيهها نصيحة لمن يعتبرون أنفسهم "مثليي الجنس" أو من يحمل جواز سفر إكس حول الجنس بألّا يغامروا ويسافروا قبل التواصل مع سفارة واشنطن في كوبنهاغن.
استهداف الزائرين في أميركا يؤثر سلباً على السياحة
ويأتي التراجع الدنماركي عن السياحة في أميركا ليقدم نموذجاً حول تأثير سياسات ترامب في علاقة الأوروبيين بحليفهم الأميركي، فقد شهدت الأسابيع والأيام القليلة الماضية استهداف مواطنين أوروبيين من سلطات الهجرة في أميركا، ومن بينها تعرض في السابع من الشهر الحالي المواطن الألماني فابيان شميت، الذي يملك تصريح إقامة دائمة أو "غرين كارد"، ولديه زوجة وأطفال في أميركا، لاحتجاز في رود آيلاند.
وبحسب وسائل إعلام أوروبية فإن شميت عانى من انهيار خلال فترة الاحتجاز القاسية، إذ جرى تجريده من ملابسه واستجوابه ومنعه من الحصول على أدويته المضادة للقلق والاكتئاب، كذلك تعرض الشاب الألماني لوكاس سيلاف للاحتجاز على الحدود الأميركية المكسيكية، وأبقي في زنزانة لمدة يومين وهو مصفد اليدين والكاحلين، ثم طُرد وأُعيدَ إلى ألمانيا.
و احتُجزت الرحالة البريطانية بيكي بورك لعدة أسابيع، ثم رُحّلت بعد احتجازها أثناء رحلتها عبر الولايات المتحدة، إذ إنها خلال رحلتها أقامت مع عائلة، وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي فقد "ساعدت في أعمال المنزل"، وهو ما تعتبره السلطات الأميركية انتهاكاً لقواعد تأشيرة السياحة فيما يتعلق بالعمل القانوني أثناء التواجد في البلاد، وخلال فترة احتجازها، جرى تكبيل بورك بالأصفاد والأغلال أثناء نقلها، وقال والداها بول وأندريا بيرك لبي بي سي إن بيكي أصيبت "بصدمة نفسية" بسبب الاحتجاز.
ليست أخبار استهداف السائحين وحدها ما يثير قلق الأوروبيين من السفر إلى أميركا في عهد ترامب، فالأخبار المتعلقة باستهداف طلاب جامعات وباحثين أوروبيين أصبحت تساهم في انتشار النظرة السلبية الأوروبية لأميركا، وفي أشهر استهداف لباحثين تعرض في التاسع من الشهر الحالي باحث فرنسي للتفتيش ومصادرة وفحص هاتفه وحاسوبه في هيوستن بولاية تكساس.
واعتبرت السلطات أن مواقفه الشخصية من ترامب "تعبر عن كراهية ويمكن وصفها بالإرهاب". وجرى اتهامه بالتآمر، لكن أسقطت لاحقاً، واحتجز حتى رُحّل في اليوم التالي إلى فرنسا، التي لقي فيها ترحيباً رسمياً وأكاديمياً. وأدانت خارجية باريس الاعتقال والترحيل، موقفاً ضدّ سياسات أميركا الجديدة في فرض قيود على عالم البحث العلمي أيضاً، وليس السياحة فحسب.
وكانت ألمانيا من أوائل الدول الأوروبية التي حذرت بإرشادات سفر جديدة مواطنيها من تعرضهم للاحتجاز، إذ عبر المتحدث باسم مكتب وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك لمجلة دير شبيغل بأن الأحداث التي تتعلق بمواطنين ألمان في الولايات المتحدة تؤخذ على محمل الجد للغاية، وبعد ألمانيا مباشرة، قررت وزارة الخارجية البريطانية تعديل نصائح السفر إلى الولايات المتحدة بتأكيدها "إنك تخاطر بالاعتقال أو الاحتجاز إذا خالفت القواعد".
عمليات الاحتجاز خلال الأيام الماضية، بعد تشديد واشنطن إجراءاتها، تظهر أن سلطات الهجرة فيها أصبحت تحتجز وترحل لأبسط الأسباب. وعلى سبيل المثال تعرضت الأستاذة اللبنانية في جامعة بروان، رشا علوية، وتحمل تأشيرة صالحة، لتوقيف بقصد ترحيلها إلى لبنان. بل حتى الجار الكندي لأميركا بات في مرمى الإجراءات الأميركية، إذ ذاعت قصة المستشارة التجارية الكندية جاسمين موني (35 عاماً) حين كانت تسافر بداية مارس/آذار الحالي إلى أميركا بعد تلقيها عرض عمل، لكن جرى رفضها واحتجازها للترحيل أيضاً.
وذات الأمر انسحب على المهندسة المعمارية الهندية رانجاني سرينيفاسان، التي كانت تعمل على أطروحة الدكتوراه المعمارية في جامعة كولومبيا في نيويورك، إذ احتجزت لفترة وجيزة العام الماضي فيما يتصل بالمظاهرات ضدّ حرب غزة في الجامعة، وألغي تصريح إقامتها في الولايات المتحدة وطردت من الجامعة بقصد الترحيل قبل أن تفرّ إلى كندا بعد اتهام وزارة الأمن الداخلي الأميركية لها بـ"الترويج للعنف والإرهاب".
ببساطة، يبدو أن السياسات الترامبية باتت تنغص ليس في السياسة فحسب، بل على مستوى علاقة أميركا ككل بدول العالم وشعوبها من خلال تصرفات متشدّدة جداً على مستوى إخافة حتى السائحين والباحثين والصحافيين والتجار والطلاب وغيرهم، لكي يبقوا بعيداً عن الولايات المتحدة.