سوق سوداء للماء في اليمن: الدفع مقابل قطرات الحياة

سوق سوداء للماء في اليمن: الدفع مقابل قطرات الحياة

26 ديسمبر 2021
مواطن يحمل غالونات فارغة لتعبئتها بالمياه من صهريج في صنعاء (فرانس برس)
+ الخط -

 

تحولت المياه إلى سلعة رئيسية في السوق السوداء في اليمن، إذ أضحت وسيلة للتربح، ليس فقط ممن يمتلكون محطات وصهاريج المياه، بل من كثير من مالكي العقارات، الذين يلزمون المستأجرين بتسعيرة خاصة مقابل قطرات الحياة.

قرر المواطن محسن المقبلي، من سكان العاصمة اليمنية صنعاء، تخفيض الاستهلاك المنزلي من المياه، بعدما لاحظ ارتفاع تكاليف الاستخدام والمبلغ الذي يدفعه شهرياً بشكل تدريجي منذ بداية العام الحالي، والذي وصل في إبريل/ نيسان إلى 12 ألف ريال (20 دولاراً وفق سعر الصرف في مناطق نفوذ الحوثيين)، ثم 16 ألف ريال في أغسطس/ آب، بينما كان لا يتخطى 10 آلاف ريال بداية عام 2021.

يقول المقبلي لـ"العربي الجديد"، وهو عامل بالأجر اليومي ويعيل أسرة مكونة من 6 أفراد، إنّ تكاليف المياه أصبحت تشكل عبئاً كبيراً على الأسر المتوسطة والكبيرة، في ظل ارتفاعها المتواصل، والأهم تحكّم ملاك العقارات في توفير المياه من المضخات التجارية لخزانات عقاراتهم ووضع الفواتير الخاصة بالاستخدام ومطالبة المستأجرين بالدفع شهرياً مع الإيجار.

وفي تعز يشكو مواطنون ارتفاع تكاليف صهاريج المياه المحملة على الشاحنات بصورة قياسية تتجاوز 20 ألف ريال (20.6 دولاراً وفق سعر الصرف في مناطق سيطرة الحكومة) للصهريج، وهو مبلغ لا يستطيع كثير من الأسر والمستهلكين توفيره بشكل دوري.

انخفاض استهلاك مياه الشرب

ويتفاوت سعر صرف العملات الأجنبية بشكل كبير بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وغيرها من مناطق نفوذ الحوثيين، إذ يبلغ سعر الدولار في صنعاء 601 ريال، بينما يصل في عدن التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة (جنوب) 970 ريالاً، وفق تعاملات، أمس السبت، فيما تجاوز 1700 ريال في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعد أن كان متوسط سعر الدولار 215 ريالاً قبل اندلاع الحرب قبل نحو سبع سنوات.

 يواجه أكثر من نصف سكان اليمن مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، ويعيش حوالى 20.5 مليون مواطن دون مياه آمنة وصرف صحي

وتراجعت قدرات اليمنيين على تغطية تكلفة المياه مع انقطاع الرواتب وتدهور الحالة المعيشية للمواطنين، وارتفاع تكلفة إنتاج المياه وضخها للسكان.

ويكشف تقرير حديث صادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي في اليمن، الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، عن انخفاض كمية استهلاك مياه الشرب بشكل كبير في اليمن من 99.3 مليون متر مكعب عام 2013، إلى حوالى 76 مليون متر مكعب عام 2017، بنسبة انخفاض بلغت 23.5%.

كذلك انخفضت كمية المياه المنتجة من 151.1 مليون متر مكعب عام 2013 إلى 124.9 مليون متر مكعب عام 2017، بتراجع بلغت نسبته 17.3%.

وأرجع التقرير هذا التراجع إلى عدة أسباب، أهمها تداعيات الحرب التي أدت إلى تدهور البنى التحتية لقطاع المياه، وانقطاع الإمدادات بالمشتقات النفطية الضرورية لمحطات الضخ والتوزيع، وعدم توافر الإمكانات الضرورية للصيانة والترميم، وصعوبة توافر النفقات التشغيلية.

واليمن من أكثر الدول التي تواجه أزمة خانقة في المياه، كذلك إن موارد المياه العذبة تتضاءل بسبب الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية، وسوء إدارة الموارد المائية، فيما فاقمت الحرب الدائرة في البلاد، الظروف المعيشية للمواطنين، وسبّبت نقص مياه الشرب النظيفة، مع انتشار واسع للمحطات العشوائية في مختلف مناطق البلاد.

الحرب دمرت مشاريع المياه

ودمرت الغارات الجوية وقذائف المدفعية طوال سنوات الحرب، الكثير من المرافق الخدمية في مختلف المحافظات، ومنها مشاريع المياه.

ووفق تقرير دولي حديث، فإنّ جميع أطراف الحرب استخدموا التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، إذ عرقل سلوكهم بشكل كبير وصول المدنيين إلى الغذاء والماء، وقد قاموا بذلك على الرغم من علمهم الواسع بالوضع الإنساني المزري في اليمن، إذ كان الناس، بمن فيهم الأطفال، يموتون من الجوع.

ووفق تقديرات أولية لوزارة المياه والبيئة، تُقدَّر خسائر قطاع المياه في اليمن بسبب الحرب بنحو 5 مليارات ريال، تشمل تخريب وتدمير وقصف شبكات وخزانات ومنظومات ومحطات الضخ للمياه في العديد من المدن والمحافظات اليمنية، ما أدى إلى أضرار كبيرة أثرت بوصول الخدمة إلى المواطنين بشكل متفاوت.

وحسب تقارير دولية، تصنف اليمن ضمن مؤشّرات البلدان الأكثر فقراً عالمياً في حصة الفرد من المياه، والمقدرة سنوياً بـ120 متراً مكعباً، مقارنة بـ7500 متر مكعب في دول العالم و1250 متراً مكعّباً لدول أفريقيا والشرق الأوسط.

في المقابل، يقاسي اليمنيون في مختلف المحافظات أوضاعاً معيشية صعبة، هي الأقسى منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد قبل ما يزيد على ست سنوات، مع وصول جهود إحلال السلام إلى طريق مسدود واستمرار المعارك الطاحنة في مختلف الاتجاهات العسكرية والسياسية والاقتصادية.

وتشير تقديرات صادرة عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية (حكومي) إلى أنّ 20.7 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية عام 2021، منهم 12.1 مليوناً بحاجة ماسة إلى المساعدة العاجلة، فيما يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، ويعيش حوالى 20.5 مليون يمني دون مياه آمنة وصرف صحي.

انحسار المساعدات الإغاثية

وتشير تقارير متخصصة إلى أنّ هناك انحساراً ملحوظاً وتراجعاً كبيراً في التمويل الخارجي والمساعدات الإغاثية، في الوقت الذي تزداد حدة الأزمات الاقتصادية والإنسانية في اليمن. وتتزايد أهمية المساعدات الخارجية والدعم الدولي والإقليمي بمختلف أشكاله الإنسانية والتنموية والخدمية لتخفيف وطأة الأزمة الإنسانية التي طاولت 80% من السكان.

 الوضع المائي الحالي يظهر أنّ هناك استنزافاً للمياه الجوفية من خلال هبوط المناسيب بمقدار 4 إلى 8 أمتار سنوياً

ولا يبدو أنّ السوق السوداء للمياه ستقتصر على مشرب المواطنين، بل حتى غذائهم، إذ تتصاعد مؤشرات شح المياه المخصصة للزراعة.

ويؤكد المستشار السابق في وزارة المياه والبيئة عبد الرحمن النقيب لـ"العربي الجديد" أنّ اليمن يعاني من معضلة مزمنة في المياه، تحولت خلال سنوات الحرب إلى قنبلة موقوتة يصعب تلافيها في ظل التغيرات التي تشهدها البلاد على المستويات المناخية، والتي عمقت هذه الأزمة إلى جانب الهدر المتواصل للمياه وتدهور الأحواض المائية وانخفاضها إلى مستويات كارثية.

وتعاني الأحواض المائية في مناطق البلاد المختلفة من إجهاد مائي يراوح بين 23% و89%، فيما يعتبر القطاع الزراعي المستخدم المهيمن للمياه بنسبة 90%، في حين أن القطاعين، المنزلي والصناعي، يستهلكان 8% و2% على الترتيب من مصادر المياه.

الاستثمارات الزراعية لا تصمد

وبسبب نقص المياه، فإن أكثر من نصف الاستثمارات الزراعية والصناعية لا تصمد أكثر من خمس سنوات. ويقول الخبير الجيولوجي عمر سعيد لـ"العربي الجديد"، إن خطورة الوضع المائي في اليمن وصعوبة الحصول على المياه زادتا كثيراً مع توسع الفجوة بين الكمية المستهلكة والمصادر المتجددة المتاحة، إضافة إلى العوامل الطبيعية وارتفاع درجة الحرارة في اليمن خلال السنوات الماضية.

  الغارات الجوية وقذائف المدفعية دمرت طوال سنوات الحرب، الكثير من المرافق الخدمية في مختلف المحافظات، ومنها مشاريع المياه

ويظهر الوضع المائي الحالي في اليمن أنّ هناك استنزافاً للمياه الجوفية من خلال هبوط المناسيب بمقدار 4 إلى 8 أمتار سنوياً، وحفر عشوائي متزايد بشدة إلى أكثر من 100 ألف بئر، وهي من المخاطر المتعلقة بالمياه ذات التهديد الشديد، فمع مرور الوقت يزيد الإجهاد المائي، خصوصاً مع تزايد الطلب على المياه بسبب ارتفاع أعداد السكان والتغير في أنماط الاستهلاك.

من ناحية أخرى، تتزايد الاحتمالات في أن يساهم تأثير تغيرات المناخ في تغير مستوى توافر المياه في المستقبل، وفق الخبير الجيولوجي اليمني.