سورية توحّد الرسوم الجمركية والشارع غاضب

13 يناير 2025
الجهود متسارعة لإنقاذ الاقتصاد السوري (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت المدن السورية الشمالية الغربية احتجاجات بسبب قرار الحكومة الانتقالية بتوحيد الرسوم الجمركية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار وفوضى في الأسواق، خاصة في المناطق المعتمدة على المعابر التركية.
- تباينت ردود الأفعال بين المناطق، حيث استاء سكان الشمال من ارتفاع الأسعار، بينما رحب سكان المدن الأخرى بتوحيد الرسوم. وتدرس الحكومة إعادة النظر في الرسوم المرتفعة.
- يهدف القرار إلى حماية المنتج المحلي ودعم القطاع الزراعي، لكن ارتفاع الرسوم أثار جدلاً حول توقيته وتأثيره، مع دعوات لاستثمار العائدات في تحسين الأجور.

لم تزل ردود الأفعال الغاضبة تسيطر على بعض المدن السورية، خاصة في الشمال الغربي، عقب قرار الحكومة الانتقالية بدمشق قبل يومين بتوحيد الرسوم الجمركية على البضائع والمنتجات المستوردة عبر جميع المنافذ الحدودية. ورافق القرار رفع الرسوم الجمركية على المنتجات الداخلة من معابر الشمال مع تركيا بنسب تراوحت بين 250% و600% مقارنة بالرسوم القديمة، مما تسبب في حالة من الفوضى في الأسواق، وارتفاع كبير في الأسعار، خاصة في المناطق التي كانت تعتمد على استيراد السلع من هذه المنافذ.

وتباينت ردود الأفعال بشكل كبير، ففي المناطق الشمالية مثل إدلب وريف حلب، أعرب السكان عن استيائهم الشديد من القرار بسبب الارتفاع المفاجئ في الأسعار، في حين أبدى سكان المدن السورية الأخرى، خاصة تلك التي كانت خاضعة سابقًا للنظام، ارتياحهم لتوحيد الرسوم وتراجع أسعار السلع المستوردة في تلك المناطق. وتدرس الحكومة الانتقالية إعادة النظر في بعض الرسوم المرتفعة، وفقًا لمصادر خاصة نقلت عنها صحيفة "العربي الجديد"، والتي أشارت إلى احتمال صدور قائمة جديدة للرسوم الجمركية الموحدة قريباً.

وصرح مازن علوش، مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، بأن نشرة الرسوم الجمركية الموحدة تُطبق الآن على جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية. وأكد في تصريحات لوكالة الأنباء السورية "سانا" أن القرار يهدف إلى حماية المنتج المحلي من خلال تخفيض الرسوم على المواد الأولية، مع تطبيق رزنامة زراعية لدعم القطاع الزراعي. كما أوضح أن الرسوم الجديدة جاءت مخفضة بنسبة تتراوح بين 50% و60% على العديد من السلع الأساسية، مما يعزز القدرة الشرائية للمواطنين ويساهم في تحسين مستوى المعيشة.

ولكن في محافظة إدلب وريف حلب، ارتفعت أسعار العديد من السلع بشكل ملحوظ. وأشار عصام جميل، تاجر مواد أولية ومستلزمات التدفئة في إدلب، إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة 10% إلى 15% في الأيام القليلة الماضية بسبب زيادة الرسوم الجمركية. وذكر في حديثه لـ "العربي الجديد" أن رسوم استيراد طن الحديد ارتفعت بمقدار 60 دولاراً، بينما قفزت رسوم السراميك من 50 إلى 300 دولار. كما شملت الزيادات مواد التدفئة مثل القشور المستوردة التي بلغت رسومها 100 دولار، والبنزين الذي ارتفعت رسومه من 30 إلى 210 دولارات لكل ألف لتر. ولم تقتصر الزيادات على المواد الأساسية؛ إذ ارتفعت رسوم استيراد الطحين من 2 إلى 20 دولاراً، والبسكويت التركي بنسبة 300%.

أما محمود عبد الرحمن، تاجر مواد غذائية، فقد أوضح لـ "العربي الجديد"، أن متوسط ارتفاع الأسعار بلغ نحو 20% خلال يومين فقط، مع توقعات بزيادة إضافية في المستقبل. وأشار إلى أن رسوم استيراد العديد من السلع الأساسية، مثل البرغل والأرز والسكر، ارتفعت بشكل كبير، حيث وصلت رسوم السمنة من 10 إلى 110 دولارات، والزيت النباتي من 10 إلى 85 دولاراً، والمعلبات من 50 إلى 500 دولار.

في المقابل، يرى بعض رجال الأعمال مثل عمر عرابي أن التوقيت الحالي لرفع الرسوم الجمركية غير مناسب نظراً للفقر ومحدودية الدخل في المناطق الشمالية. وأكد لـ "العربي الجديد" أن سكان تلك المناطق، وخاصة في المخيمات، بحاجة إلى دعم لإعادة بناء منازلهم وترميم البنية التحتية المتضررة.

وفي حلب، يرى بعض السكان أن توحيد الرسوم يحقق العدالة بين المناطق. وقال علي حسن خيرو، عامل في قطاع النقل، لـ "العربي الجديد"، إن الأسعار في إدلب كانت أقل بنسبة 200% مقارنة بحلب قبل تنفيذ القرار. وأشار إلى أن توحيد الرسوم أدى إلى تقارب الأسعار بين المناطق، مما يوفر حلاً لعدم المساواة السابقة.

وفي سياق آخر، أوضح الصناعي السوري محمد صبّاغ أن توحيد الرسوم الجمركية ضروري لحماية الصناعة المحلية التي تعرضت لأضرار كبيرة خلال السنوات الماضية. وشدد، في حديثه مع "العربي الجديد" على أهمية الحفاظ على الإنتاج المحلي من الإغراق بالسلع المستوردة، مشيرًا إلى أن الرسوم المخفضة على المواد الأولية هي خطوة إيجابية لدعم الصناعات السورية.

من جهة أخرى، يرى خبراء ماليون مثل فراس شعبو أن توحيد الرسوم يساهم في تعزيز إيرادات الدولة، لكنه يزيد الأعباء على المستهلكين في بعض المناطق. وأكد، في حديثه مع "العربي الجديد" على ضرورة استثمار العائدات لتحسين الأجور ومستوى المعيشة، معتبراً أن رفع الرسوم على السلع المستوردة يحمي الاقتصاد من الاعتماد المفرط على الاستيراد.

وكانت الحكومة الانتقالية قد أجرت مشاورات مع قطاعي الصناعة والتجارة قبل إصدار القرار. وصرح وزير التجارة الداخلية ماهر خليل الحسن بأن الهدف الرئيسي هو تحقيق العدالة بين المناطق المختلفة، مع التركيز على دعم الإنتاج المحلي. وأضاف أن القوانين الجمركية قابلة للتعديل وفقاً للظروف الحالية لتحقيق مصلحة الشعب السوري.

وعلى الرغم من الجدل الدائر حول القرار، يبقى الهدف الأساسي هو تحقيق التوازن بين حماية الاقتصاد المحلي وتلبية احتياجات المواطنين، مع العمل على تحسين الظروف المعيشية في جميع المناطق السورية.

المساهمون