استمع إلى الملخص
- التسويات والانتقادات: أثارت التسويات مع رجال الأعمال المستفيدين من النظام السابق انتقادات واسعة، حيث يطالب المواطنون بمزيد من الشفافية ومحاسبة الفاسدين، مع مخاوف من هروب المستثمرين الجيدين.
- التأثير الاقتصادي: شكل الفاسدون شبكة اقتصادية أضرت بالاقتصاد السوري، وهناك دعوات لعودة رجال الأعمال المغتربين للمساهمة في إعادة الإعمار، مع التركيز على المسؤولية الاجتماعية لتحسين الأوضاع المعيشية.
تواصل الحكومة السورية الجديدة توسيع عمليات البحث عن رجال الأعمال الفلول والفاسدين المتغلغلين في الاقتصاد السوري، بهدف ملاحقتهم بتهم الفساد والاحتكار والتربح والسطو على المال العام.
وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد" عن عمليات بحث متواصلة في السجلات التجارية عن رجال الأعمال الفاسدين الذين كان لهم ارتباطات مباشرة مع نظام بشار الأسد المخلوع، وحققوا ثروات غير مشروعة طوال سنوات.
لكن في المقابل حذر اقتصاديون ورجال أعمال من التوسع في سياسة الملاحقة لرجال الأعمال لخطورة ذلك على الوضع الاقتصادي والأحوال المعيشية واستقرار الأسواق، كما حذروا من غياب الشفافية في تناول هذا الملف الشائك، وخاصة في ظل تردد أنباء عن تسويات مالية مع رجال أعمال تابعين لشبكة عائلة الأسد.
في هذا الصدد، يؤكد نائب رئيس غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، في تصريحه لـ"العربي الجديد" أنه سمع أحاديث عن إجراء مثل هذه التسويات دون أن يكون لديه معلومات فعلية عن ذلك أو حقائق ملموسة، مطالباً الحكومة الجديدة بأن تكون شفافة في هذا الأمر، لافتاً إلى أن الحكومة أصدرت قوائم بأسماء تجار ورجال أعمال، وطلبت منهم أن يتقدموا إلى وزارة التجارة الداخلية عن طريق غرف التجارة، ليحصلوا على وثيقة تسمح لهم بتحريك حساباتهم المصرفية، أشبه بوثيقة "اللامانع"، وبناء على ذلك كان لدى وزارة التجارة أسماء معينة لم تمنحها هذه الوثيقة، فصدر قرار بتجميد حساباتها، وإلى الآن ما تزال هذه الأموال عبارة عن أرقام موجودة بالمصارف، ولم يتم طلب تحويلها.
بحث عن الفلول في السجلات التجارية
واعتبر الحلاق في حديثه لـ"العربي الجديد" أن رجال الأعمال الفاسدين عدة أنواع، منهم من كان لهم مصالح معينة مرتبطة مع النظام البائد ولكن كان لديهم منشآت صناعية وتجارية وسياحية كانت تؤدي إلى حركة نقدية جيدة بالأسواق، أما النوع الثاني فيتمثل برجال الأعمال الذين سرقوا من أموال السوريين وأذوا الاقتصاد الوطني، لذلك يجب على الجهات المعنية أن تنظر بكل حالة على حدة، ولفت إلى ضرورة إصلاح الوضع الاقتصادي لتسهيل الطريق أمام التاجر المحلي لتشجيع التاجر المغترب على القدوم ليحقق أرباحاً محتومة.
من جانبه أشار رجل الأعمال السوري عصام تيزيني، إلى أن الحكومة تجري حاليا تقييمات وتبحث بالسجلات التجارية والشركات التي تضم رجال أعمال داعمين لنظام الأسد ومعروفين بذلك، بل كانوا شركاء غير مباشرين للسلطة، ويعملون بحمايتها وظلها لتذهب عائدات تجاراتهم لعائلة الأسد، متوقعاً أن توجد واجهات العائلة الحاكمة والمقربين منها بشكل غير مباشر بالمشاريع التجارية خلال المرحلة القادمة.
إمبراطوريات تجارية تابعة للأسد
حسب رويترز، أمس الخميس، تدقق الحكومة السورية الجديدة في إمبراطوريات الشركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والمملوكة لحلفاء الرئيس المخلوع بشار الأسد، وأجروا محادثات مع بعض هؤلاء الأثرياء في ما يقولون إنها حملة لاستئصال الفساد والنشاط غير القانوني. وشكلت السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس الجديد أحمد الشرع لجنة مكلفة بتحليل المصالح التجارية المتشعبة لكبار رجال الأعمال المرتبطين بالأسد مثل سامر فوز ومحمد حمشو، حسبما ذكرت ثلاثة مصادر لرويترز.
ووفقا لمراسلات اطلعت عليها رويترز بين مصرف سورية المركزي والبنوك التجارية، فإن الإدارة الجديدة أصدرت أوامر بعد أيام من السيطرة على دمشق تهدف إلى تجميد الأصول والحسابات المصرفية للشركات والأفراد المرتبطين بالأسد، وشملت في وقت لاحق على وجه التحديد أولئك المدرجين على قوائم العقوبات الأميركية.
وذكر مسؤول حكومي ومصدران سوريان مطلعان على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أن حمشو وفوز عادا إلى سورية من الخارج والتقيا بشخصيات بارزة في هيئة تحرير الشام في دمشق في يناير/ كانون الثاني.
ويقول محللون ورجال أعمال سوريون إن النهج الذي ستتبعه الحكومة السورية الجديدة تجاه الشركات القوية المرتبطة بالأسد، والذي لم يتضح بالكامل بعد، سيكون أساسيا في تحديد مصير الاقتصاد في الوقت الذي تكافح فيه الإدارة لإقناع واشنطن وحلفائها برفع العقوبات.
انتقادات سورية للتسويات
لاقت الأنباء التي ترددت حول الشروع في إجراء تسويات لرجال أعمال استفادوا من النظام البائد وأفادوه، الكثير من الانتقادات في الشارع السوري، من جهة أن الكثير من هؤلاء كانوا أشبه بمافيا اقتصادية تحتكر أهم المفاصل المعيشية في البلاد، فكيف يمكن إعادة الثقة بمن شارك بنهب الشعب السوري والسماح له بالتغلغل بالاقتصاد مجدداً؟
ويتخوف الشارع السوري من عدم الشفافية في التعامل مع هذا الملف حيث لا توجد بيانات أو معلومات دقيقة عن عمليات التسويات أو مصادرة أموال الفاسدين وتحويلهم إلى القضاء.
وكان وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال السورية، باسل عبد الحنان، أعلن، عن تشكيل لجنة لإحصاء شركات ومصالح اقتصادية محسوبة على رجالات النظام السابق، بهدف مصادرة الأموال العامة التي استولى عليها رموز النظام وأذرعه الاقتصادية.
وأكد وزير الاقتصاد السوري يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي أن الحكومة الحالية ستقوم بعملية إحصاء لشركات وعقارات كان يستولي عليها رامي مخلوف، قريب رئيس النظام السابق، وأنه سيتم البت بها قريباً.
مخاوف من هروب المستثمرين
من جهته، أكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ياسر اكريّم، في حديثه مع "العربي الجديد" أن "تغلغل رجال الأعمال الفاسدين من شأنه تهريب رجال الأعمال الجيدين الذين قاسوا وعانوا خلال السنوات الماضية، ولكن للأسف يوجد هناك محاولات حكومية لإرضاء كافة الأطراف، علماً أن هذه المحاولات ستثير الكثير من الغضب بين أوساط التجار والمواطنين، لذلك إن كان ولا بد يجب أن يتم إجراء التسويات بالخفاء، وليس على العلن، وألا يتم تسليمهم ملفات حساسة، أو تصديرهم للمشهد".
واعتبر عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق أن مثل هذه الأخطاء قد تنفر الكثير من رؤوس أموال المغتربين في الخارج الذي يرفضون العودة والتعامل مع وجوه النظام، لذلك يجب النظر إلى الفائدة التي ستلحق بالاقتصاد السوري في حال عادت رؤوس الأموال الكبيرة الموجودة في الخارج مقارنة مع إجراء تسويات لرجال الأعمال الفاسدين.
وأشار إلى أنه يتواصل مع الكثير من التجار القدامى الذين ظُلِموا وأبعدوا قسراً عن الاقتصاد السوري في عهد النظام البائد، ووجد رغبة لديهم بالعودة إلى سورية، كما يوجد رجال منهم قابلوا الرئيس أحمد الشرع لنقل رؤاهم الاقتصادية، معتبراً أن عودة هؤلاء الأشخاص فيها منفعة للاقتصاد السوري، كونهم تعاملوا في الخارج بأسس وقوانين عالمية.
السيطرة على قطاعات حيوية في سورية
نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة حماة عبد الرحمن محمد، يقول في تصريح لـ"العربي الجديد" إن رجال الأعمال الأثرياء شكلوا أيام النظام المخلوع شبكة اقتصادية عملاقة مرتبطة مع النظام، استفادوا من قربهم من السلطة لتحقيق مكاسب ضخمة لا تعد ولا تحصى وبتغطية أمنية قانونية وبشراكات مع الرئيس المخلوع بشار الأسد ومع زوجته وعائلته وفق شركات محاصصة، وقد كانت تلك الشركات تسيطر على قطاعات حيوية مثل الاتصالات والشحن والتجارة والخدمات، وكانت تعمل وفق منظومة احتكارية قائمة على الامتيازات السياسية، أي أن الاقتصاد السوري كان قائماً على المحسوبيات والاحتكار، وهذا ما أضر به وجعل منه اقتصاداً منهاراً.
ويرى محمد أن رجال الأعمال هؤلاء كانوا فوق القانون بسبب علاقات معينة استفادوا منها شخصياً، وقد ألحقت ضرراً بالاقتصاد الوطني وساهمت بأن يعيش أكثر من 90% تحت خط الفقر، وهذا جرم بحد ذاته، لذلك تجب محاكمتهم وإعادة الأموال المسروقة للخزينة العامة للدولة، ومحاسبة كل حديث نعمة كوّن أموالاً طائلة مشبوهة خلال السنوات الماضية.
واعتبر أن المناخ العام في سورية بدأ بالتعافي ما سيشجع العودة لرجال الأعمال المغتربين للاستثمار في وطنهم الأم، ليأتي في ما بعد الدور الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال في سورية، خاصة في ظل تزايد معدلات الفقر والبطالة والعشوائيات، وفي ظل الحالة الاقتصادية المتردية، لذا يجب أن تتمثل هذه المسؤولية في توفير الخدمات التعليمية، والرعاية الصحية، والتمكين من فرص التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والتي يمكن أن تساعد في تخفيف الفقر وتحقيق التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار.