سورية: التنافس يحتدم على قمح شرق الفرات

سورية: التنافس يحتدم على قمح شرق الفرات

17 مايو 2022
تراجع كبير في إنتاج القمح (فرانس برس)
+ الخط -

بدأ موسم حصاد القمح في شمال شرق سورية والخاضع جله لـ"الإدارة الذاتية" ذات الصبغة الكردية، بينما فتحت حكومة النظام مراكز استلام المحصول، وأعلنت عن مغريات مادية للفلاحين لاستلام أكبر كمية من هذا المحصول الاستراتيجي.

ومع بدء الموسم كل عام، يتجدد التنافس بين النظام والإدارة الذاتية للحصول على الكميات الأكبر من محصول القمح، ما يدفع كل طرف إلى رفع سعر شراء القمح من الفلاحين والموردين.

وفي هذا الصدد، أعلنت حكومة النظام، السبت الماضي، عن سعر جديد لشراء كيلوغرام القمح من الفلاحين للموسم الحالي يصل إلى 1700 ليرة سورية (نحو نصف دولار) مع منح مكافأة 300 ليرة لكل كيلوغرام يتم تسليمه من المناطق الآمنة (تحت سيطرة النظام)، بحيث يصبح سعر الكيلوغرام 2000 ليرة، ومنح مكافأة 400 ليرة لكلّ كيلوغرام يجري تسليمه من المناطق غير الآمنة (خارج سيطرة النظام)، ليصبح سعر الكيلوغرام 2100 ليرة.

ونقلت صحيفة الوطن عن رئيس حكومة النظام حسين عرنوس قوله إنّ "استلام كلّ حبة قمح يشكل أولوية في عمل الحكومة، نظراً لارتباط محصول القمح بالأمن الغذائي".
وقررت حكومة النظام، السبت، فتح كل مراكز الاستلام في المحافظات البالغة 45 مركزاً، بدءاً من بداية يونيو/حزيران القادم، لاستلام الموسم الحالي، إضافة إلى فتح مراكز الاستلام لمدة 5 أيام قبل بدء استلام الموسم الحالي، لإفساح المجال للفلاحين لتسليم أي كميات من القمح من الموسم السابق.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويعد الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف بمنطقة شرق الفرات، في مقدمة المناطق السورية التي تتمركز فيها زراعة القمح. وانخفض إنتاج سورية من القمح خلال سنوات الحرب، فوصل إلى أدنى مستوياته، حيث لا يكاد يتجاوز الإنتاج في كل موسم، منذ عام 2018، سقف مليون طن. وكان إنتاج سورية من القمح تجاوز الـ 4 ملايين طن في عام 2010، وهو ما يكفي الاستهلاك المحلي ويفيض نحو مليون للتصدير. وتبلغ المساحة المزروعة بالقمح في منطقة شرق نهر الفرات والمناطق الخاضعة للإدارة الذاتية غربه (منطقة منبج) نحو مليون و200 ألف هكتار.
ومنذ عام 2018، تنتج منطقة شرق الفرات ما بين 700 إلى 800 ألف طن من القمح، وهو ما يكفي حاجة المنطقة ويفيض، وفق مصادر في الإدارة الذاتية. وقال الخبير الزراعي إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ المساحة المزروعة في الموسم الحالي أقل من مساحة العام الفائت بسبب إحجام الفلاحين عن الزراعة البعلية لقلة الأمطار. ويُزرع القمح في بعض مناطق سيطرة النظام، خاصة في جنوب البلاد، إلّا أنّ الإنتاج لا يسد سوى جانب من حاجة نحو 9 ملايين يعيشون تحت سيطرته، لذا يلجأ إلى تهريب كميات من منطقة شرق الفرات، والاستيراد من الخارج. ونتيجة النقص الهائل في القمح، اعتمد النظام على مبدأ توزيع الخبز ضمن بطاقات تحدد نصيب كل عائلة يوميا من هذه السلعة الأساسية. وخلال السنوات الماضية، أتت الحرائق على مساحات كبيرة مزروعة بمحصول القمح في منطقة شرق الفرات، كما أنّ انحباس الأمطار يلعب دوراً في تراجع نسب الإنتاج.

يعد الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف بمنطقة شرق الفرات، في مقدمة المناطق السورية التي تتمركز فيها زراعة القمح


ويعزو المزارع عبد الرحمن الأحمد، في ريف الرقة الغربي، سبب تراجع الاهتمام بزراعة القمح إلى غلاء البذور والأسمدة وانخفاض الأسعار وقلة الأمطار، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّ عدداً من الفلاحين استبدلوا زراعة القمح بأنواع أقل تكلفة وأغلى سعراً.
من جانبه، يتوقع المحلل الاقتصادي يونس الكريّم، في حديث مع "العربي الجديد"، ألا يتجاوز إنتاج مناطق الإدارة الذاتية من القمح هذا الموسم 700 ألف طن، مشيراً إلى أنّ النظام "يسعى للحصول على كميات كبيرة من هذا الإنتاج". وأوضح أنّ النظام يلجأ إلى عدة أساليب لدفع الفلاحين للتوجه إلى مراكزه، منها "تزويدهم بالأكياس لتعبئة الإنتاج وهو لم تقم به الإدارة، كما أنّ النظام يوفر حصّادات للفلاحين"، مضيفاً: "لدى الإدارة الذاتية مشكلة في قلة عدد الحصّادات".

يتابع أنّ نوعية البذور التي وزعتها شركة أميركية في شرق الفرات، العام الماضي "لم تكن جيدة"، مضيفاً: "هذا الأمر انعكس سلباً على الإنتاج". ولفت الكريّم إلى أنّ هناك منافساً ثالثاً على شراء كميات من إنتاج القمح في شرق الفرات "وهم التجار الذين يحاولون شراء كميات كبيرة لتخزينها ثم إعادة بيعها لاحقاً بأسعار أعلى". يضيف: "هؤلاء مرتبطون عادة بأمراء الحرب في البلاد".
ويعتقد الكريّم، أنّ الإدارة "ستحصل على الكمية الأكبر من المحصول لعدة أسباب، منها استثناء مناطق سيطرة هذه الإدارة مؤخراً من العقوبات التي فرضت على سورية بناء على قانون قيصر، فضلاً عن قرب مراكز استلام المحصول التابعة للإدارة من فلاحي المنطقة". كما يشير إلى أنّ الفلاحين في شرق الفرات "ليس لديهم هامش مناورة كبير، حيث يحرصون على بيع نتاجهم بسرعة تحسباً من تغيّرات الطقس، فضلاً عن حاجتهم الماسة للمال"، مرجحاً أن تضع الإدارة سعراً أعلى من سعر النظام لشراء القمح للحصول على الكمية الأكبر.

المساهمون