سباق بناء المطارات في العراق... مشروعات عشوائية تنهك خزينة الدولة

سباق بناء المطارات في العراق... مشروعات عشوائية تنهك خزينة الدولة

15 مارس 2022
يمتلك العراق 32 طائرة مدنية تم شراؤها بعد عام 2003 (Getty)
+ الخط -

شهد العراق خلال السنوات الخمس الماضية سلسلة مشاريع أطلقتها عدة محافظات لإنشاء مطارات مدنية تقول إنها ستكون ضمن العوامل المساعدة على دفع عجلة الاقتصاد وتوفير مردودات مالية لها، وهو ما يشكك به مختصون، إذ يعتبرون مثل تلك المشاريع غير مجدية اقتصاديا.

ويمتلك العراق خمسة مطارات دولية، وهي بغداد والنجف وأربيل والسليمانية والبصرة، لكن محافظات ذي قار وكركوك والأنبار وأخيراً ميسان اتجهت إلى الإعلان عن مشاريع إنشاء مطارات جديدة بعضها تمت الاستفادة فيها من مطارات عسكرية سابقة لتطويرها إلى مدنية.

ورأى النور مطار ذي قار فعلاً، لكنه ما زال محلياً فقط ويشهد تعثراً في الرحلات بسبب ضعف إمكانياته، بينما اكتمل مطار كركوك وبانتظار افتتاحه، وفي الأنبار تم وضع التصاميم الأساسية بالتعاون مع شركة تركية متخصصة في المطارات، واختيار موقع خارج مدينة الرمادي عاصمة المحافظة الواقعة غربي البلاد، والحدودية مع السعودية والأردن وسورية. بينما لم تكشف محافظة ميسان بعد عن التفاصيل المتعلقة بالمطار المقرر إنجازه في المحافظة الواقعة جنوبي العراق.

ووفقاً للدستور العراقي النافذ في البلاد لعام 2005 فإنّ للحكومات المحلية في المحافظات العراقية كافة صلاحية إطلاق مشاريع استثمارية وخدمية وتنموية دون العودة إلى بغداد، لكن في حالة المطارات المعلنة فقد استحصلت الحكومات المحلية الموافقة من بغداد، على اعتبار أن المطارات ضمن الملفات السيادية التي حصر الدستور التعامل معها بحكومة بغداد فقط.

وفي يناير/ كانون الثاني عام 2018، أعلنت وزارة النقل العراقية أنّها تسعى إلى إنشاء 8 مطارات جديدة عبر الاستثمار في ثماني محافظات، وهي: ميسان، والحبانية، والكوت، وديالى، وبابل، وصلاح الدين، وكركوك الناصرية الدولي. ويستثنى منه مطار الموصل، الذي اعتبرت الوزارة في بيانها السابق أنّ تأسيسه من مسؤولية الدول المانحة لإعمار المدن المحررة من تنظيم "داعش"، لكنّ هذه المشاريع لم ترَ النور حتى الآن، بسبب "عدم جدواها الاقتصادية"، بحسب النائب السابق في البرلمان العراقي جاسم البخاتي.

وقال البخاتي لـ"العربي الجديد" إنّ "مجالس المحافظات قبل تعطيل عملها بعد تظاهرات تشرين (أكتوبر) عام 2019، كانت لديها الصلاحيات في تحديد الأماكن الخاصة بإنشاء المطارات، أو المطالبة بها والتخطيط لها".

وأوضح أنّ "معظم المحافظات تقدمت بطلبات للحكومة بأهمية إنشاء المطارات فيها، إلّا أنّها في الحقيقة لا تحمل أي جدوى اقتصادية، بل إنّها دخلت في بعض الأوقات ضمن نطاق الصراع السياسي بين الأحزاب، والاستحواذ على مزيدٍ من المناصب والتعيينات لأنصارها".

ولفت إلى أنّ "معظم المحافظات العراقية لا تحتاج إلى مطارات، لأنّها ليست بعيدة عن المحافظات التي تحتوي على مطار، كما أنّ المسافات بين المحافظات العراقية ليست ببعيدة، عدا أقصى الجنوب المتمثل بالبصرة وتحتوي على مطار، ومناطق شمالي العراق، وهناك مطاران هما أربيل والسليمانية"، مؤكداً أنّ "العراق يعاني أصلاً من قلة بأسطوله الجوي، بالتالي فإنّ تغطية المطارات بالطيران هو أمر صعب، مع عدم وجود أي مستثمرين مستعدين للمجازفة للاستثمار في قطاع متذبذب مثل النقل في البلاد".

ويمتلك العراق 32 طائرة مدنية تم شراؤها بعد عام 2003 من أنواع "بوينغ" و"إيرباص"، وتعمل في الرحلات الداخلية والخارجية، إضافة إلى شركات طيران خاصة تمتلك أسطولاً يعمل في وجهات محددة وضمن نطاق ضيّق داخل العراق وخارجه.

من جهته، بيَّن عضو تيار "الحكمة" علي البديري أن "هناك مبالغة في المطالبة بإنشاء المطارات في المدن العراقية، لا سيما أنّ المطالبة بالمطار يعني وجود حاجة فعلية ودراسة استراتيجية وجدوى اقتصادية، لكن أن يصبح في كلّ محافظة عراقية مطار، فهذا أمر غريب ويصعب السيطرة عليه".

واستكمل حديثه مع "العربي الجديد" بأنّ "الواضح هو السباق بين بعض المسؤولين لخلق إنجازات بالأصل هي وهمية، من خلال بناء مقر المطار وتعيين المقربين من الأحزاب فيها، لكن لا فائدة منها على صعيد المال الذي يغذي ميزانية الدولة".

وانتهت أعمال إنشاء مطار كركوك الدولي في فبراير/ شباط من العام الماضي، ضمن خطة تشييد مطارات جديدة في البلاد، إلّا أنّ المطار الذي يستهدف نقل نحو ثلاثة ملايين مسافر سنويا لم يعمل لغاية الآن، بسبب مشاكل فنية متعلقة بطلبات من سلطة الطيران المدني للشركة المستثمرة لإتمامها قبل السماح بعمل المطار كونها ملاحظات مهمة تتعلق بسلامة الرحلات، وفقاً لمصادر أفادت بذلك "العربي الجديد" في وقتٍ سابق.

أما في محافظة الأنبار، فقد أشار مستشار المحافظ، عزيز الطرموز، إلى "استكمال معظم الإجراءات الخاصة بالموافقات للاستثمار في المطار، في سبيل خلق منشآت كاملة، قادرة على نقل المسافرين والشحن الجوي". وأوضح في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أنّ "المحافظة بحاجة إلى المطار لأسباب مهمة وجوهرية، منها حاجة الأهالي إليه، للتنقل، لا سيما إلى محافظات إقليم كردستان العراق، إضافة إلى استخدامه لاستقبال الوفود الأجنبية والمستثمرين، فضلاً عن كون المطار يمثل مساهمة استراتيجية للمحافظة في دعم قدراتها المالية".

ولا يتفق الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، مع اعتبار أنّ كثرة المطارات تعني وجود مردود مالي وازدهار اقتصادي، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ "العراق لا يحتاج إلى عدد كبير من المطارات، وأنّ ما يصدر عادة عن أعضاء في الأحزاب المتنفذة في البلاد تطالب بإنشاء مطارات، هي مطالبات سياسية لا تعرف أيّ شيء عن الاقتصاد العراقي". وأردف أنّ "مساحة العراق لا تحتاج إلى أكثر من 4 أو 5 مطارات، لأنّ المسافات بين المدن متقاربة.

وأضاف: "إنشاء المزيد من المطارات قد يؤدي إلى خسارات اقتصادية كبيرة"، معتبراً أنّ "الأموال التي ترصد لإنشاء المطارات، يمكن أن تتحول إلى مبالغ ذات نفع وجدوى اقتصادية إذا تحوّلت إلى إنشاء مصانع ومعامل في المدن، من أجل توفير منتجات محلية، وفرص عمل للعاطلين".

المساهمون