ساويرس والاقتراب الخطر من البنوك المصرية

ساويرس والاقتراب الخطر من البنوك المصرية

28 سبتمبر 2020
طارق عامر ونجيب ساويرس/28-03-2016 (العربي الجديد)
+ الخط -

عاد الملياردير المعروف نجيب ساويرس ليحوم مرة أخرى حول القطاع المصرفي المصري، ويعيد بذلك إلى الذاكرة، الكارثة التي حلت بهذا القطاع الحساس قبل أكثر من ربع قرن جراء سيطرة رجال أعمال كبار على بعض وحداته، وإدارة أموال المودعين حسب مصالحهم الشخصية، ومنح قروض بلا ضمانات كافية، وأحيانا بلا ضمانات أصلا، وتقديم تسهيلات ائتمانية ضخمة للأقارب والمعارف والشركاء و"الشلة" في مخالفة صريحة لقانون البنوك والأعراف المصرفية.
وأبرز مثال على ذلك قضية نواب القروض الشهيرة التي تورطت فيها قيادات مصرفية بارزة وعدد من كبار رجال الأعمال الأعضاء في مجلس الشعب حينئذ وكتبت عنها الكثير من التقارير قبل نحو 25 عاماً، وبسبب كشفي عن الفساد الضخم في تلك القضية والأطراف المتورطة فيه تعرضت للمحاكمة أثر إقامة أحد رؤساء البنوك دعوى قضائية ضدي، إلى أن حصلت على البراءة من محكمة جنايات القاهرة
كان من نتيجة استحواذ رجال أعمال على بعض البنوك الخاصة والمشتركة في فترة ما قبل العام 2006 تعثر العديد منها وإغلاق أبوابها وضياع مليارات الجنيهات على خزينة الدولة التي تحملت لوحدها خسائر الإغلاق والتصفية والدمج وسداد أموال المودعين كاملة دون نقصان.
يوم الأحد، أعلنت شركة أوراسكوم للاستثمار القابضة، المملوكة لنجيب ساويرس، أنها تدرس شراء المصرف المتحد المملوك للبنك المركزي المصري.

وبتلك الخطوة يعيد رجل الأعمال محاولات سابقة لتأسيس بنك جديد، أو شراء أحد البنوك الخاصة المعروضة للبيع في إطار خطة الحكومة لبيع حصتها بها، وهي المحاولات التي فشلت طوال السنوات الماضية بسبب رفض السلطات تملك رجال أعمال لمؤسسات مصرفية، وتحديدا نجيب ساويرس، الذي هرب معظم ثروته من مصر إلى الخارج خلال السنوات الماضية، وباع أصوله وشركاته، ومنها موبينيل للهاتف المحمول وأوراسكوم تليكوم ووسائل إعلام، منها قنوات فضائية، وتأسيس شركات في الخارج، منها ويذرإنفستمنت في إيطاليا.

تجربة استحواذ رجال أعمال على حصص حاكمة في البنوك المصرية قبل العام 2006 كانت مخيبة للآمال، وكبدت الدولة خسائر فادحة قدرت بمليارات الجنيهات بسبب عمليات فساد واسعة شابت عمليات منح القروض والتسهيلات الائتمانية داخل البنوك الخاصة والمشتركة. 
فعائلة ساويرس كانت من بين أكبر المساهمين في بنك مصر اكستريور، الذي قرر البنك المركزي دمجه في بنك مصر الحكومي، إثر تعرضه لخسائر فادحة وعمليات فساد أضرت بأموال المودعين، حيث كان يرأسه وقتها عبد الله طايل، رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب وأحد أبرز رموز الحزب الوطني الحاكم. 
وكذا تكرر المشهد مع بنك النيل المملوك لعائلة العيوطي والذي شهد عمليات فساد واسعة قادتها علية العيوطي نائب رئيس البنك في ذلك الوقت وزوجة رجل أعمال معروف كان عضوا بالبرلمان وحصل على قروض ضخمة بقرارات مباشرة منها للمضاربة على شراء عقارات وأراضي.
وكذا الحال مع بنوك الدقهلية التجاري والمصري المتحد والمهندس، التي كانت مملوكة لنقابات وعدد من كبار رجال الأعمال المرتبطين بالسلطة الحاكمة.
كما تكرر الأمر مع المصرف الإسلامي للاستثمار والتنمية، وقبلها مع بنوك الأهرام والاعتماد والتجارة "مصر" والعقاري المصري العربي وغيرها من البنوك المتعثرة التي كبدت خزانة الدولة أموالا هائلة بسبب ضخامة الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها مع ضمان قانون البنوك أموال المودعين.

وبسبب التهديد المباشر لتلك البنوك المملوكة لرجال أعمال لأموال المودعين وسمعة القطاع المصرفي، فقد قرر البنك المركزي، منتصف عام 2006، دمجها جميعا في البنوك الحكومية.
في حين استحوذ البنك المركزي على أكبر 3 بنوك من حيث نسب التعثر المالي، وهي النيل والمصري المتحد والمصرف الإسلامي، التي تآكلت رؤوس أموالها وأصبحت بالسلب، مع إسناد إدارة الكيان الجديد للمصرفي المخضرم محمد عشماوي. 
وقد تحمل البنك المركزي وقتها فاتورة الدمج الباهظة عبر دفع مليار جنيه قيمة رأسمال البنك الجديد، مع تغطية الديون المتعثرة والقروض الرديئة والبالغة قيمتها 3 مليارات جنيه، تعادل قيمة أموال المودعين.
حينها أغلقت السلطات الباب أمام رجال الأعمال للاستحواذ على أي بنك، حيث أصدر البنك المركزي خلال رئاسة الدكتور فارق العقدة له، قرارا يحظر على الأفراد تملك حصص في البنوك، ونص القرار على ضرورة الحصول على موافقة مسبقة من البنك المركزي في حال رغبة إحدى الشركات الخاصة بالاستحواذ على حصة تزيد عن 10% من رؤوس أموال أي بنك، وهو ما أغلق الباب أمام القطاع الخاص والعائلات المعروفة للاستحواذ على حصص حاكمة في البنوك.
الآن، هل يتراجع البنك المركزي عن قراراته السابقة التي حمت القطاع المصرفي في السنوات الماضية من مغامرات ومقامرات رجال الأعمال، خاصة أولئك المرتبطين بالسلطة الحاكمة، أو الذين يضاربون بأموال المودعين، أم أنه يصر على إبعاد هؤلاء عن هذا القطاع الحساس حفاظا على سمعة البنوك، وقبلها المحافظة على أموال المودعين؟

المساهمون