زيادة الأسعار وإعانات الدعم.. نحن والحكومات المنتخبة

زيادة الأسعار وإعانات الدعم.. نحن والحكومات المنتخبة

22 نوفمبر 2022
الأسعار تواصل زيادتها في الأسواق المصرية (Getty)
+ الخط -

في ذروة أزمة معيشية غير مسبوقة رفعت الحكومة المصرية أسعار سلع مثل الأرز والسكر والزيوت وغيرها من السلع الغذائية الحيوية لملايين الأسر، كما ارتفعت أسعار العدس واللحوم والدواجن والخضر والفاكهة والبيض والجبن. وقفز سعر رغيف الفينو من جنيه إلى 1.5 جنيه بسبب ارتفاع أسعار الدقيق بمقدار ألفي جنيه للطن الواحد.

لا أتحدث هنا عن زيادات تقتصر على أسعار السيارات والعقارات الفارهة والسجائر وأطعمة القطط والكلاب والمشروبات الغذائية كما تحاول أن تصور وسائل الإعلام للمواطن، بل عن سلع أساسية مثل الأغذية والأدوية وحليب الأطفال والملابس والأدوات الكهربائية والمنزلية.

زادت أسعار أكثر من 500 منتج دوائي، وشهدت أسعار لبن الأطفال الحر ارتفاعا بنحو 20% بالأسواق، ورفعت الحكومة أسعار سلع مثل الأرز والسكر والزيوت

مثلا، زادت أسعار أكثر من 500 منتج دوائي في الفترة الأخيرة، وارتفع سعر دواء فوركسيغا المستخدم لحالات مرضى السكر 50 جنيهاً مرة واحدة، كما زادت أسعار الإنسولين وأدوية أمراض القلب والكلى والسرطان وغيرها.

كما شهدت أسعار لبن الأطفال الحر ارتفاعا بنحو 20% بالأسواق منذ التعويم الثالث لسعر الجنيه مقابل الدولار، وارتفعت أسعار الأرز بشكل جنوني مع اختفائه.

واللافت في الأمر أنه بدلا من قيام الدولة بخفض الأسعار أو على الأقل تثبيتها عبر زيادة المعروض ومحاربة الاحتكارات في الأسواق راحت تصب الزيت على النار حيث أقر مجلس الوزراء المصري قبل أيام زيادة في سعر الأرز ليصل إلى 18 جنيهاً للكيلو.

وقبلها مباشرة سجلت أسعار الأرز ارتفاعات جديدة بواقع 500 جنيه للطن، وصولاً إلى 10.5 آلاف جنيه في طن الأرز الشعير عريض الحبة و10 آلاف جنيه لرفيع الحبة، وهو ما أدى إلى زيادة في أسعار الأرز الأبيض العريض إلى 15.8 ألف جنيه للطن في أسواق الجملة و20 ألف جنيه في أسواق التجزئة.

وشهدت أسعار بيع السكر الأبيض ارتفاعاً جنونياً في الأسواق خلال الأيام الأخيرة، نتيجة الزيادات المتوالية في أسعاره لدى تجار الجملة، والتي بلغت 1250 جنيهاً في الطن خلال يومين فقط، ليسجل سعر الطن من السكر 16.7 ألف جنيه، مقابل 15.5 ألف جنيه لسعر الطن من الغلوكوز.

وقفز سعر كيلو السكر الأبيض في متاجر التجزئة المصرية إلى 23 جنيهاً لنوع "الضحى"، بينما تراوح ما بين 18 و21 جنيهاً للأنواع الأقل جودة، وسط توقعات بحدوث مزيد من الزيادة في الأسعار بسبب نقص المعروض في الأسواق، وعدم الإفراج عن شحنات السكر الخام المحتجزة في الموانئ، بسبب أزمة نقص الدولار واستمرار السوق السوداء للعملة رغم تعويم الجنيه.

الأسعار تواصل الزيادة رغم هدوء موجة ارتفاع سعر الدولار، وعودة تدفق الحبوب الأوكرانية والروسية لأسواق العالم ومنها مصر

وأصابت الزيادات سعر بيض المائدة، وامتدت إلى سعر بيع الغاز الطبيعي المورد لمصانع الإسمنت الذي رفعته الحكومة إلى 12 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بدلا من 5.75 دولارات بزيادة تصل إلى 109%، وهو ما يمكن أن يؤدي لزيادة أسعار مواد البناء ومنها الإسمنت.

ويستمر مسلسل الزيادات في الأسعار، مرة تحت مبرر زيادة الأسعار في الأسواق العالمية وموجة التضخم، وأخرى تحت بند زيادة سعر الدولار مقابل الجنيه، وثالثة تحت زعم تعطل سلاسل الامدادات خاصة مع منع روسيا صادرات القمح الأوكراني عقب اندلاع الحرب، ورابعة تحت بند احتكارات التجار وجشعهم.

لكن الثابت في الأمر أن الأسعار تواصل الزيادة رغم هدوء موجة زيادة الدولار، وعودة تدفق الحبوب الأوكرانية والروسية لأسواق العالم ومنها مصر.

موقف
التحديثات الحية

والثابت أيضا أن الحكومة لا تبذل المجهود الكافي لوقف هذا المسلسل الذي يدهس المواطن كل يوم ويدفع به نحو السقوط في فئة الفقر المدقع، وهي الفئة التي تواجه صعوبة في تدبير 3 وجبات في اليوم، بل تتناول وجبة واحدة.

في منطقتنا لا تقدم الدولة مساعدات وإعانات نقدية تساعد المواطن على احتواء موجة الغلاء، وعندما تقدم مساعدات للأسر والعمالة الموسمية فإنها تفعل ذلك تحت ضغوط وتعليمات الجهات والمؤسسات الدائنة التي تطالب المقترض بتوفير حماية اجتماعية للطبقات الفقيرة قبل منح القروض المطلوبة.

وعندما تقوم الحكومة بهذا الأمر تعاير المواطن أولا و"تسلط" عليه وسائل الإعلام لتعايره بأنه بات عبئا على الدولة والاقتصاد والموازنة والكون كله، وأن عليه التوقف عن التناسل وإهدار الطعام والاقتصاد في الطعام والشراب، لأن الحكومة لا تجد من الموارد ما يسد جوعه.

الحكومة لا تبذل المجهود الكافي لوقف مسلسل زيادة الأسعار الذي يدهس المواطن كل يوم ويدفع به نحو السقوط في فئة الفقر المدقع

في المقابل تسارع دول وحكومات العالم لمساعدة المواطن وزيادة قدرته الشرائية أمام أي عاصفة مالية أو أزمة اقتصادية أو قفزات في الأسعار، يحدث ذلك حتى من قبل الدول الرأسمالية التي تعتمد أليات السوق وتترك تحديد أسعار السلع لقوى العرض والطلب وليس التدخل الإداري.

في فرنسا أعلن وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، يوم السبت، أن بلاده ستخصص 8.67 مليارات دولار لمساعدة الشركات على سداد فواتير الطاقة، في محاولة من الحكومة لتخفيف أثر ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز. كما ستقوم الحكومة بحماية الشركات الفرنسية، مثلما تتمتع نظيرتها الألمانية بالحماية.

لا تقتصر مساعدة الدولة الفرنسية للشركات فقط على المساعدات المباشرة، بل تمتد للأسر والأفراد حيث تسارع بتقديم مساعدات نقدية وإعفاءات ضريبية تساعد ملايين الأسر على سداد فواتير الكهرباء والمياه والتدفئة. كما خصصت فرنسا 46.55 مليار دولار لمساعدة الأُسر في وقت سابق.

لم تكتفِ الحكومة الفرنسية بذلك، بل سارعت بتخفيض الضريبة الخاصة بالكهرباء إلى حدها الأدنى، كما ستسمح للشركات بالاستفادة من آلية خاصة للحصول على طاقة رخيصة يتم إنتاجها من الطاقة النووية.

وفي ألمانيا خصصت الحكومة 206.9 مليارات دولار لحماية الشركات والأُسر من ارتفاع أسعار الطاقة سواء كهرباء أو غاز تدفئة أو مشتقات بترولية كالبنزين والغاز، وتخفيف الأعباء الاقتصادية، إضافة لتخصيص بطاقة رخيصة الثمن لوسائل النقل العامة بقيمة 49 يورو شهرياً.

وفي بريطانيا خصصت الحكومة مليارات الدولارات لمساعدة ملايين الأسر المتضررة من غلاء الأسعار وتقديم حزمة من المساعدات لتغطية تكاليف فاتورة الطاقة، كما أعلنت الحكومة عن زيادة مخصصات قطاع الصحة بنحو 3.3 مليارات جنيه إسترليني خلال هذه السنة، وزيادة 2.3 مليار جنيه لميزانية قطاع التعليم.

هذا ما تفعله الحكومات المنتخبة التي تبذل أقصى ما في وسعها لحماية المواطن من مخاطر الغلاء والتضخم وضعف القدرة الشرائية.

المساهمون