استمع إلى الملخص
- يتوقع المحلل ألكسندر رازوفايف أن انتهاء النزاع سيخفض التضخم وسعر الفائدة، لكنه قد يؤثر سلباً على الأجور في بعض القطاعات المستفيدة من الحرب.
- يرى فلاديسلاف إنوزيمتسيف أن الاقتصاد الروسي قادر على التكيف مع السلم، مع تفاعل إيجابي للروبل، لكن التسوية السلمية لم تُحسب بدقة في توقعات البنك المركزي.
مع تزايد كثافة الاتصالات الروسية الأميركية وترقب انعقاد قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، في العاصمة السعودية الرياض في الفترة المقبلة، ثمة تساؤلات تفرض نفسها حول تأثير إمكانية التسوية السلمية في أوكرانيا على أداء الاقتصاد الروسي الذي بات يبدو متكيفاً مع واقع الحرب التي تقترب من إكمال عامها الثالث في 24 فبراير/شباط الحالي، دون أن تتحقق التوقعات بانهيار سريع لاقتصاد روسيا تحت وطأة العقوبات الغربية غير المسبوقة.
وفي وقت أسفرت فيه الحرب الروسية المفتوحة في أوكرانيا عن ارتفاع الإنفاق العسكري الروسي إلى نحو 13 تريليون روبل (أكثر من 140 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الحالي)، أي أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن هذه الأموال الطائلة باتت تشكل قاطرة للقطاعين الصناعي وحتى الاستهلاكي الروسيين، عائدة إلى القطاع المدني من الاقتصاد في شكل أجور العمال والعسكريين.
ومع ذلك، يتوقع المحلل المالي الروسي المستقل، ألكسندر رازوفايف، أن يشكل انتهاء النزاع في أوكرانيا عامل دعم للاقتصاد الروسي، من جهة خفض معدلات التضخم وسعر الفائدة الأساسية البالغ حالياً 21% فيما يعد أعلى مستوى في تاريخ روسيا، مقراً في الوقت نفسه بوجود شريحة مهمة من المواطنين يجنون عوائد مالية من استمرار الوضع الراهن.
ويقول رازوفايف لـ"العربي الجديد": "أتوقع أن النزاع العسكري سينتهي في عام 2025، مما سيؤدي إلى تراجع الإنفاق العسكري، وانخفاض معدلات التضخم، وخفض سعر الفائدة الأساسية. بعد تحقيق السلام مع أوكرانيا، قد يسجل الاقتصاد الروسي في العام الحالي نمواً بنسبة ما بين 2.5% و3%، مع تراجع وتيرة التضخم إلى ما بين 6% و7% مقابل ما يقارب 10% في العام الماضي".
ويقر بأن انتهاء النزاع في أوكرانيا لن يصب من وجهة النظر الاقتصادية في صالح جميع مواطني روسيا، مضيفاً: "ثمة قطاع من المواطنين سيشكل انتهاء العملية العسكرية صدمة لهم، إذ إن النزاع مع أوكرانيا أدى إلى ارتفاع أجور عمال المصانع الحربية من 50 ألف روبل (حوالي 700 دولار وفقاً لسعر الصرف السائد قبل بدء النزاع) إلى ما بين 200 و250 ألفاً (2200 - 2700 دولار) حالياً، ولكنها قد تتراجع إلى نحو 100 ألف روبل (ألف دولار ونيف). أما المقاتلون على الجبهة، فسيعودون إلى حياة السلم، حيث سيتقاضون أجوراً أقل أيضاً".
ويقلل مدير بحوث مجتمع ما بعد الصناعية بالعاصمة موسكو، فلاديسلاف إنوزيمتسيف، هو الآخر من أهمية المزاعم بأن الاقتصاد الروسي يعاني "إدمان الحرب"، مرجحاً قدرته على التكيّف مع حياة السلم على وجه السرعة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "من وجهة النظر الاقتصادية، لن تأتي الهدنة بتداعيات سلبية على روسيا، إذ إن البلاد جاهزة للعودة إلى حياة السلم، مع إمكانية تعويض تقليص الإنفاق العسكري عبر زيادة الإقراض، والاقتصاد لن ينزلق إلى الركود على غرار ذلك الذي أصاب الولايات المتحدة بعد انتهاء الحربين العالميتين الأولى (1914 - 1918) والثانية (1939 - 1945)".
ويوضح أن روسيا لم تتحول خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى اقتصاد الحرب، مضيفاً: "الإنفاق في حدود 7% من الناتج المحلي الإجمالي على الجيش ومجمع التصنيع العسكري مجتمعاً مع عجز الموازنة بنسبة 1% فقط وتخمة السوق الاستهلاكية، لا يشكل شيئاً مقارنة مع أوضاع الدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية والاتحاد السوفييتي في سنوات ذروة سباق التسلح مع الولايات المتحدة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي".
وتفاعل الروبل الروسي إيجابياً مع التوقعات باحتمال قرب انتهاء الحرب في أوكرانيا، مستقراً عند أعلى مستويات له منذ عدة أشهر، ليبلغ سعر صرف الدولار في تعاملات بداية الأسبوع 92 روبلاً، بعد أن استهل العام عند مستوى يفوق الـ100 روبل.
وفي مؤشر لتفاؤل السلطات المالية الروسية بأداء اقتصاد البلاد، عزف المصرف المركزي الروسي في أول اجتماع لمجلس إدارته هذا العام، انعقد يوم الجمعة الماضي، عن رفع سعر الفائدة الأساسية مع إبقائها عند مستوى 21%.
ومع ذلك، أقرت رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، في مؤتمر صحافي في ختام الاجتماع، بأن المركزي لا يضع حتى الآن التسوية السلمية المحتملة في أوكرانيا ضمن توقعاته لأداء الاقتصاد الكلي، قائلة: "لا نضع هذا العامل ضمن السيناريو الأساسي.. ستعتمد جميع الأمور على تطورات الوضع، ولا أرى أنه من الواقعي أن نحسب تأثيره على الاقتصاد والتضخم حساباً دقيقاً". ورفضت التكهن حول هذه القضية، مضيفة: "ينطلق السيناريو الأساسي من ثبات الأوضاع الجيوسياسية".