روسيا تزيد إيراداتها من الغاز.... وعقبات أمام "السيل الشمالي-2"

روسيا تزيد إيراداتها من الغاز.... وعقبات أمام "السيل الشمالي-2"

08 أكتوبر 2021
موسكو تراهن على إنعاش خزائنها من عائدات التصدير (Getty)
+ الخط -

في خطوة طال انتظارها، بدأت شركة "نورد ستريم 2 إيه جي" المشغلة لخط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2" في نهاية المطاف ملء الأنبوب الأول من الخط، وسط تساؤلات حول تأثير ذلك على أسعار الغاز بالسوق الأوروبية التي استقرت عند مستوى يفوق ألف دولار لكل ألف متر مكعب.
إلا أن بدء ملء الأنبوب لا يعني تشغيل "السيل الشمالي-2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا تلقائيا، بل لا يزال المشروع يواجه تأخرا في موعد تشغيله وسط ترقب إصدار الجهات الألمانية والأوروبية المعنية، التراخيص اللازمة، وكذلك مراجعة مدى تناسبه مع القوانين الأوروبية في مجال مكافحة الاحتكار.
وفي الوقت الذي تنتهي فيه مهلة وكالة الشبكات الفدرالية للكهرباء والغاز والاتصالات والبريد والسكك الحديدية (BNetzA) في ألمانيا لإصدار تقريرها حول "السيل الشمالي-2" وإحالته إلى المفوضية الأوروبية في 8 يناير/كانون الثاني المقبل، ستُمنح بروكسل شهرين إضافيين لمراجعته، مما يقلل من آمال موسكو في وتشغيل "السيل الشمالي-2" قبل نهاية العام.
وفي هذا الإطار، يقر الشريك في شركة "روس إينرجي" للاستشارات، ميخائيل كروتيخين، بأن عدم صدور التراخيص الألمانية والأوروبية لا يزال عقبة أمام تشغيل "السيل الشمالي-2"، مقللا في الوقت نفسه من احتمال حدوث زيادة حادة في إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا بعد تشغيل الخط.
ويقول كروتيخين في حديث لـ"العربي الجديد": "العقبة الرئيسية التي يواجهها "السيل الشمالي-2" هي عدم صدور التراخيص اللازمة بشكل كامل بعد، وكذلك مراجعة المشروع من جهة تطابقه مع قوانين مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، حيث يتعين على ألمانيا الإثبات أن شركة "نورد ستريم 2 إيه جي" المسجلة في سويسرا مستقلة، ولكن ذلك سيكون صعبا للغاية، لأن الشركة مملوكة بنسبة 100 في المائة لغازبروم".

ورغم أن التأخر في تشغيل "السيل الشمالي-2" تزامن مع تحطيم أسعار الغاز بالسوق الأوروبية أرقاما قياسية واحدا تلو الآخر، إلا أن كروتيخين يقلل من تأثير المشروع الجديد على الأسعار، مضيفا: "لن يؤثر "السيل الشمالي-2" على أسعار الغاز، لأنه سيؤدي إلى تحويل حركة مرور كميات من الغاز من الترانزيت الأوكراني إلى الخط الجديد دون زيادة الكمية الإجمالية.
ومع مواصلة أسعار الغاز الطبيعي بالسوق الأوروبية تحطيمها أرقاما قياسية واحدا تلو الآخر، تراهن روسيا على زيادة عوائدها في السنة الحالية مع بقاء تساؤلات حول مدى واقعية صمود هذه الأسعار المرتفعة على المدى البعيد.
وبحسب توقعات سابقة صادرة عن "غازبروم"، فإن إنتاجها في السنة الحالية قد يتجاوز 510 مليارات دولار، وهو أعلى مستوى خلال آخر عشر سنوات.
وحول تقديراته للعوائد الإضافية التي قد تجنيها روسيا جراء هذا الوضع، قال نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أليكسي غريفاتش، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد": "من المؤكد أن روسيا تجني عوائد إضافية عن تصدير الغاز بالأسعار الحالية، ولكن أسعار العقود الآجلة قد تكون أكثر تواضعا وجاذبية للمستوردين مقارنة مع الأسعار الفورية للمستهلكين في أوروبا.
واستهلت أسهم "غازبروم" هذا الأسبوع بجني مكاسب ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، مسجلة أعلى مستوى لها في تعاملات بورصة موسكو منذ عام 2008، وسط تحطيم أسعار الغاز للعقود الآجلة مع التسليم في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، جميع الأرقام القياسية وتجاوزها عتبة الـ1200 دولار لكل ألف متر مكعب.
وحول تأثير قرب تشكيل حكومة ألمانية جديدة على مصير "السيل الشمالي-2"، يضيف كروتيخين: "من المرجح أن تتمسك ألمانيا برأيها ومفادها أنها لن تنضم إلا إلى عقوبات أوروبية جماعية، وهذا الاحتمال مستبعد في ظل انعداد إجماع أوروبي حيال المشروع".
وبدوره، يقلل رئيس مركز الدراسات السياسية (شركة استشارات متنوعة) في موسكو، بوريس ماكارينكو، هو الآخر من أهمية تأثير تغيير الحكومة في ألمانيا على مصير "السيل الشمالي-2"، قائلا في تعليق لـ"العربي الجديد" قائلا: "لن يؤدي تغيير الحكومة في ألمانيا إلى حدوث تغييرات جذرية في العلاقات مع روسيا، حيث إن هناك حرصا على تطوير العلاقات، وسيتم تشغيل "السيل الشمالي-2" مثلما كان سيتم تشغيله في حال استمرت المستشارة أنجيلا ميركل في منصبها".

ورغم تأكيده مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري على استمرار العمل على إصدار التراخيص لـ"السيل الشمالي-2"، إلا أن نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، أقر بصعوبة هذه الإجراءات واحتمال لجوء خصوم المشروع إلى ثغرات قانونية لتعطيله.
ويتجه "السيل الشمالي-2" نحو التشغيل بعد تأخر طويل، حيث كانت روسيا تعتزم تدشينه في عام 2019، ولكنه واجه عقبات واحدة تلو الأخرى بسبب التهديدات الأميركية بمعاقبة المشاركين في تحقيق المشروع. كما أن واقعة تسميم المعارض الروسي، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، في صيف عام 2020 بغاز أعصاب يشتبه أنه ينتمي إلى مجموعة "نوفيتشوك" زادت من الغموض حول مصير المشروع.
إلا أن الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، أقر في الصيف الماضي بعدم إمكانية تعطيله بعد استكمال أعمال البناء بنسبة 99 في المائة، وأعطى الضوء الأخضر لاستكمال المشروع وسط توجه موسكو وواشنطن نحو تطبيع العلاقات بينهما بعد القمة الروسية الأميركية في جنيف في منتصف يونيو/حزيران الماضي.
ويشمل "السيل الشمالي-2" مد أنبوبين بطاقة تمريرية إجمالية قدرها 55 مليار متر مكعب سنويا لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا مباشرة عبر قاع بحر البلطيق دون المرور بالأراضي الأوكرانية، مما أضفى بعدا جيوسياسيا على المشروع الذي أثار تحقيقه استياء كييف ولم يعد مصنفا كاقتصادي بامتياز.

المساهمون