روسيا تحاصر موارد أوكرانيا... استنزاف طويل الأمد

روسيا تحاصر موارد أوكرانيا... استنزاف طويل الأمد

07 يونيو 2022
الاتحاد الأوروبي يتهم روسيا بمصادرة مخزونات الحبوب الأوكرانية (Getty)
+ الخط -

مع إطالة أمد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتزايد ملامح تحوّلها إلى حرب استنزاف على كافة الأصعدة، يواجه الاقتصاد الأوكراني آفاقا قاتمة، مع وضع روسيا يدها على موارد البلاد الحيوية، وسط توقعات بأن تخسر كييف نحو نصف ناتجها المحلي الإجمالي.

يعتبر رسلان بورتنيك، مدير المركز الأوكراني للتحليل وإدارة السياسات في كييف، أن روسيا لا تخوض في أوكرانيا حرباً عسكرية فحسب، وإنما أيضا حرب استنزاف اقتصادية تهدف إلى قطع كييف عن مواردها الزراعية والصناعية واللوجستية جنوب شرق البلاد.

ويقول بورتنيك، في حديث لـ"العربي الجديد": "تمكنت روسيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب من احتلال ما لا يقل عن 30 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية، كانت تحتضن أكثر من مليوني مواطن، وكذلك أكبر محطة نووية في أوروبا في مقاطعة زاباروجيا، وموارد زراعية. ويجب ألا ننسى أن جنوب شرق أوكرانيا يضم المناطق الرئيسية لإنتاج الفحم والغاز والحديد الخام، ومناطق صناعية رئيسية تمكنت روسيا من انتزاعها من كييف".

ويلفت إلى أن روسيا تسعى إلى استنزاف أوكرانيا اقتصادياً عن طريق محاصرة موانئها، مضيفا: "لم تتمكن روسيا من الاستيلاء على جميع الموانئ الأوكرانية المطلة على بحر آزوف فحسب، وإنما أيضا محاصرة موانئ البحر الأسود، معرقلة حركة التجارة الأوكرانية من هذه المرافئ، ومتسببة في أزمة اقتصادية كبرى لأوكرانيا".

ولما كانت حصة روسيا وأوكرانيا مجتمعتين في سوق الغذاء العالمية بمختلف بضائعه تقدر بـ12%، ما لبث فك الحصار عن الموانئ الأوكرانية أن تحوّل إلى ورقة رابحة بين أيدي الكرملين لمساومة الغرب، خاصة في ظل المخاوف المتصاعدة عالمياً من وقوع مجاعة تطاول عشرات الدول، بسبب قطع الإمدادات الغذائية وإقدام العديد من الدول الكبرى المنتجة للغذاء على اتخاذ إجراءات حمائية عبر حظر تصدير السلع الأساسية.

ويتهم الاتحاد الأوروبي روسيا بمصادرة مخزونات الحبوب والآلات الأوكرانية، وقصف مستودعات الحبوب في جميع أنحاء البلاد، وهو ما تنفيه موسكو. وقبل الحرب، كانت أوكرانيا واحدة من أكبر مصدّري الحبوب في العالم، كما تعد الأسمدة الزراعية وسلعها ضرورية للأمن الغذائي لمناطق عدة حول العالم، لاسيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في المقابل، تلقي موسكو باللوم على الغرب في أزمة الغذاء والطاقة العالمية الناشئة. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريحات أدلى بها إلى التلفزيون الرسمي وتناقلتها وكالة تاس الإخبارية الحكومية، يوم الجمعة الماضي، إنّ العقوبات الغربية المفروضة على روسيا لن تؤدي إلا إلى تردّي الأسواق العالمية، ما يقلل المحصول ويرفع الأسعار.

وزعم بوتين أن روسيا ليست من يعرقل إخراج الحبوب من الأراضي الأوكرانية عبر ميناء أوديسا، مثلاً. محملاً الجانب الأوكراني المسؤولية عن زرع الألغام في البحر الأسود، ومذكراً بإمكانية نقل الحبوب عبر بيلاروسيا بعد رفع العقوبات المفروضة على مينسك، تنفيذاً لمطلب الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

وتتلقف أسواق السلع الأساسية أي بوادر انفراجة للأزمة من أجل تهدئة مستويات الأسعار، خاصة القمح الذي قفزت أسعاره بأكثر من 50% هذا العام. وكانت تصريحات بوتين وحدها كفيلة بخفض أسعار الحبوب العالمية بنسبة 10%، وفق ما كشفت عنه رابطة "كولديرتي" للزراعيين الإيطاليين، يوم السبت الماضي.

وأوضحت الرابطة في بيان أن خروج سفن الشحن من موانئ البحر الأسود سيعني إخراج أكثر من 20 مليون طن من الحبوب، بما فيها القمح والشعير والذرة، من المخازن الأوكرانية، لافتة إلى أن هناك دولاً مثل مصر وتركيا وبنغلادش وإيران تعتمد على الحبوب الروسية والأوكرانية بنسبة تزيد عن 60%.

وتبدو روسيا ماضية في خطتها لمحاصرة "المحاصرين" من الدول الغربية، وكذلك التسبب في أزمة غذاء وطاقة عالمية، من شأنها إجبار الغرب على التراجع عن العقوبات الواسعة التي جرى فرضها على موسكو منذ نهاية فبراير/شباط الماضي أو تخفيفها على الأقل، وفق محللين.

وتسيطر أوجاع ارتفاع معدلات التضخم على المستهلكين الأوروبيين والأميركيين، وكذلك مواطني الدول النامية، لاسيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومع مرور أكثر من 100 يوم على الحرب، لم يسلم اقتصاد روسيا وأوكرانيا من أضرار جسيمة، إذ تشير التقديرات الاقتصادية إلى أن روسيا فقدت 300 مليار دولار على شكل ذهب وعملات نقدية جرى تجميدها في الدول الغربية.

وعلى الصعيد الأوكراني، فإن الصورة أكثر قتامة. وفي محاولة منه لضمان صمود المنظومة المالية للبلاد واستمرار التدفقات إليها، أقدم المصرف الوطني الأوكراني (البنك المركزي) مطلع يونيو/حزيران الجاري، على رفع سعر الفائدة من 10% إلى 25% دفعة واحدة.

كما زاد المصرف من مبيعاته من العملات الأجنبية بمقدار الضعف تقريباً إلى 3.4 مليارات دولار في مايو/أيار الماضي، لمنع تهاوي العملة الأوكرانية الهريفنا، ما أدى إلى استقرارها بشكل لافت خلال الأشهر الماضية عند مستوى 29.5 هريفنا للدولار الواحد، مقابل 27 هريفنا تقريبا في نهاية عام 2021. وبحسب بيانات "المركزي"، ارتفعت وتيرة التضخم في أوكرانيا إلى أكثر من 16% على أساس سنوي قابلة للارتفاع إلى أكثر من 20% بحلول نهاية العام.

ولا يستبعد إريك نايمان، الشريك الإداري في شركة "Hugs Fund" الأوكرانية للاستشارات الاستثمارية، أن تصل نسبة تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى 50% بما يعادله بالدولار، جازماً بألا يبدأ تعافي الاقتصاد الأوكراني إلا بعد انتهاء الحرب.

ويقول نايمان، في حديث لـ"العربي الجديد": "يهدف رفع الفائدة بالدرجة الأولى إلى منع تراجع سعر صرف الهريفنا وخفض وتيرة التضخم وتحفيز مشتري السندات السيادية في السوق الداخلية، إلا أن الاستعادة الحقيقية للاقتصاد لن تبدأ إلا بعد انتهاء الحرب وتخصيص مساعدات دولية لأوكرانيا، وستستغرق ما لا يقل عن عامين أو ثلاثة"، مضيفا: "انكماش الاقتصاد سيتراوح فعلياً بين 35% و50%، بما يعادله بالدولار خلال العام الحالي".

المساهمون