روسيا تترقب عودة الشركات الغربية إلى أسواقها وسط منافسة البدائل المحلية

18 فبراير 2025
مصنع رينو في موسكو أنتج سيارات موسكفيتش الروسية (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتزايد احتمالات عودة الشركات الغربية إلى السوق الروسية وسط التحركات الأميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، لكن تواجه تحديات بسبب العقوبات المستمرة منذ 2022، مما يدفع الكرملين لتعزيز الصناعة المحلية.
- تعبر بعض الأصوات الروسية عن فتور تجاه عودة الشركات الغربية، مع التركيز على تطوير العلامات التجارية المحلية، بينما تستعد علامات مثل "زارا" و"بيرشكا" للعودة بتخفيضات كبيرة لمنافسة الشركات الروسية.
- تكبدت الشركات الأميركية خسائر تجاوزت 300 مليار دولار بسبب انسحابها، وتسعى روسيا لتعزيز المنافسة المحلية، مما يفرض على الشركات الغربية مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية معقدة.

تسود أجواء من الترقب في قطاع الأعمال وسط تزايد احتمالات عودة الشركات الغربية والعلامات التجارية الشهيرة إلى الأسواق الروسية، في ظل تسارع التحركات الأميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، كما يأتي ذلك بعد أن أثبتت الشركات المحلية قدرتها على التكيّف والابتكار، ما يثير تساؤلات حول مستقبل المنافسة في السوق.

وبينما تتزايد الأحاديث عن نية بعض الشركات الغربية في العودة، يظل الموقف الغربي معقداً نتيجة العقوبات المستمرة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ 2022. وأدت العقوبات الغربية إلى إحداث تحولات كبيرة في المشهد الاقتصادي الروسي، إذ يسعى الكرملين إلى تعزيز قدراته الاقتصادية من خلال دعم الصناعة المحلية.

ومع ذلك، يبقى التحدي قائماً أمام العلامات التجارية الغربية في ظل الظروف الراهنة، ويتعين عليها إعادة تقييم استراتيجياتها في السوق الروسية التي أصبحت أكثر تنافسية.

فتور شعبي نحو الشركات الغربية

من جهته عبّر الصحافي الاقتصادي الروسي، أندريه ميدفيديف عن رأيه السلبي بشأن الأخبار المتعلقة بعودة بعض الشركات الغربية إلى السوق الروسية. وقال عبر قناته على تطبيق تليغرام: "لا أفهم لماذا يجب علينا أن نفرح بهذا الأمر. هل يجب أن نشكر القَدَر لأن الشركات الأوروبية قررت العودة إلى روسيا؟ آمل أن نتحلى بالحكمة والبراغماتية، وألا يسمح المسؤولون لدينا لهذه الشركات بالعودة مرة أخرى".

ودعا ميدفيديف إلى "التركيز على تطوير علاماتنا التجارية المحلية"، مؤكداً أنّ " السنوات الثلاث الماضية من العقوبات أظهرت أن المنتجين الروس قادرون على ذلك". من جانبه، قال عضو لجنة الصناعة والتجارة في مجلس الدوما الروسي، إيغور أنتروبينكو إنّ "عودة العلامات التجارية الغربية للملابس إلى السوق الروسية لن تكون سهلة، إذ أثبتت الشركات الروسية قدرتها على المنافسة".

وأفادت تقارير إعلامية بأنّ متاجر مثل "زارا" و"بيرشكا" و"بول أند بير" و"ستراديفاريوس" ومتاجر أخرى تستعد للعودة إلى السوق الروسية، وأشارت إلى أن ممثلي شركة "إنديتكس" المالكة لهذه العلامات التجارية يدرسون الوضع في السوق.

وأكد أنتروبينكو في تصريحات لوكالة ريا نوفوستي السبت الماضي، أنه "لن يكون من السهل عليهم العودة، لأن الشركات الروسية أثبتت جدارتها، ولديها القدرة على المنافسة في سوق الملابس العصرية وبجودة عالية"، وأشار إلى أنّ "صناعة الملابس لا تتطلب تقنيات معقدة أو استثمارات كبيرة، كما هو الحال في صناعة الطائرات"، مؤكداً أن الشركات الغربية التي "غادرت السوق الروسية بطريقة دراماتيكية، سيتعيّن عليها تقديم تخفيضات كبيرة إذا أرادوا العودة".

دعم المنتج الروسي وتعزيز المنافسة

من جانبه، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الجمعة الماضية، إن روسيا لم تتلق أي بيانات رسمية بشأن عودة شركات السيارات الغربية إليها، وأشار بيسكوف في تصريحات نشرتها ريا نوفوستي، إلى أهمية تعزيز المنافسة في السوق الروسية، وقال بيسكوف: "حتى الآن، لم نسمع أي تصريحات رسمية حول مصنّعي السيارات الأوروبيين، لذا من المبكر الحديث عن ذلك، نحن نتحدث عن ضرورة تلبية احتياجات سوقنا، إذ إنّ المنافسة تؤدي إلى خفض الأسعار".

وأكد أن "الهدف الرئيسي هو مصلحة المستهلكين الروس، إذ يجب أن يحصلوا على منتجات ذات جودة عالية بأسعار معقولة"، وأضاف أن "الدولة ملزمة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لدعم السوق، مع الحفاظ على مصالح المنتجين المحليين"، موضحاً أن "هناك توازناً دقيقاً يجب الحفاظ عليه بين دعم الشركات المحلية واستقطاب العلامات التجارية الأجنبية".

وفي رده على سؤال حول مدى استغراب الكرملين من رغبة الشركات الكبرى في العودة، أوضح بيسكوف أن "الدول تتخذ قراراتها بناءً على مصالحها الاقتصادية، مشيراً إلى أن العديد من الدول التي فرضت قيوداً قد تمنح استثناءات عند الضرورة". وفي وقت سابق، أفادت الأنباء أن اليابان مستعدة لتصدير بعض ماركات سياراتها إلى روسيا مرة أخرى، وكانت هناك معلومات تفيد بأن شركات "بي إم دبليو" و"مرسيدس" و"أودي" الألمانية تريد أيضاً العودة إلى الاتحاد الروسي بحلول عام 2025.

خسائر الشركات الأميركية تجاوزت 300 مليار دولار

في السياق، قال رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديمترييف اليوم الثلاثاء، إن الشركات الأميركية تكبدت خسائر تزيد عن 300 مليار دولار بسبب انسحابها من السوق الروسي، معرباً عن أمله في إجراء محادثات إيجابية مع الجانب الأميركي في السعودية.

ويضم الوفد الروسي المشارك في محادثات الرياض وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومستشار السياسة الخارجية في الكرملين يوري أوشاكوف، ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديمترييف، فيما يضمّ الوفد الأمريكي وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك وولتز، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

وقدّرت وكالة رويترز في مارس/آذار الماضي، خسائر الشركات الأجنبية التي غادرت روسيا بنحو 107 مليارات دولار، وذلك نتيجة للتخفيضات في قيمة الأصول والإيرادات المفقودة، وأشارت الوكالة إلى أنّ هذه الخسائر ارتفعت بنحو ثلاثين مليار دولار منذ أغسطس/آب 2023، إذ كانت التقديرات السابقة تشير إلى خسائر تبلغ حوالي ثمانين مليار دولار.

وفي وقت لاحق، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن العديد من الشركات الغربية تغادر روسيا "دون رغبة"، لكنها تترك وراءها "إرثاً جيداً"، وأوضح أن تلك الشركات تتكبد "خسائر ضخمة". وكان الغرب يتوقع أن تؤدي مغادرة هذه الشركات إلى انهيار كبير في السوق الروسية، لكن رجال الأعمال الروس تمكّنوا من استعادة زمام المبادرة.

وفرض الرئيس جو بايدن وحلفاء كييف في أنحاء العالم موجات من العقوبات على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا منذ ثلاث سنوات، بهدف إضعاف الاقتصاد الروسي، والحد من جهود الكرملين الحربية. ومنذ عام 2022 غادرت أو أوقفت العديد من الشركات والعلامات التجارية الغربية أنشطتها في روسيا، بما في ذلك إيكيا، إتش آند إم، آبل، إنتل، مرسيدس بنز، أودي، كوكا كولا، ماكدونالدز، وغيرها.

كما قامت بعض الشركات بمبيعات لأعمالها، مثل شركة لوكسيتان الفرنسية التي باعت أعمالها لموظفين روس رئيسيين مع خيار إعادة الشراء، بينما انتقلت أصول أخرى إلى الملكية الحكومية، كما حدث مع مصنع رينو في موسكو الذي بدأ ينتج سيارات "موسكفيتش".

وتظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية معقّدة بين روسيا والدول الغربية على خلفية النزاع في أوكرانيا، لكن يبدو أن هناك بوادر لإعادة إحياء العلاقات التجارية بين موسكو وشركات غربية كبرى.

المساهمون