رواتب للبيع في الأردن... متقاعدون يواجهون أعباء المعيشة بصفقات خطرة

رواتب للبيع في الأردن... متقاعدون يواجهون أعباء المعيشة بصفقات خطرة

05 سبتمبر 2021
تزايد الضغوط المعيشية مع استمرار الجائحة (فرانس برس)
+ الخط -

كشف المرصد العمالي في الأردن (مؤسسة مجتمع مدني)، خلال دراسة بحثية له، عن لجوء عدد كبير من المواطنين إلى بيع رواتبهم التقاعدية التي يحصلون عليها من الجهازين المدني والعسكري والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، بسبب الظروف المعيشية التي يمرون بها، ولعدم كفاية الراتب، حيث يضطرون لذلك إلى سداد دين أو الإنفاق على تعليم أبنائهم وأحياناً إقامة مشروع صغير لتحسين الدخل لتدني قيمة الرواتب أصلاً.

ونبّه المرصد إلى خطورة تراجع الأوضاع المعيشية لشريحة كبيرة من الأردنيين، التي تفاقمت خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب ارتفاع الأسعار وبلوغ الفقر والبطالة مستويات غير مسبوقة والتداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا.

ويقدر عدد متقاعدي الضمان الاجتماعي بأكثر من 230 ألف متقاعد، برواتب سنوية تبلغ حوالى 140 مليون دولار، فيما يتجاوز عدد المتقاعدين المدنيين والعسكريين 600 ألف شخص. وقال المرصد العمالي إنه لوحظ أخيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات عبر موقع فيسبوك إعلانات لبيع الرواتب التقاعدية للمستفيدين من الضمان الاجتماعي أو المدني والعسكري.

وتبيّن من خلال الدراسة التي قام بها المرصد، أن سوء الوضع الاقتصادي يعتبر من أسباب عرض المتقاعدين رواتبهم للبيع، إذ أفاد متقاعدون عرضوا رواتبهم للبيع بأنها لا تكفي لتأمين حياة كريمة لهم ولأبنائهم وتبقيهم تحت خط الفقر.

وبحسب الدراسة، فإنّ من المتقاعدين الذين يعرضون رواتبهم للبيع يتجهون إلى الحصول على مبلغ مالي محدد قد يصل إلى 85 ألف دولار يوفر لهم مشروعاً استثمارياً أو لتدريس أبنائهم أو للهجرة. وقال عدد من المتقاعدين إنّ الرواتب لو كانت مجدية وضامنة لحياة كريمة، لما عرضوها للبيع. فالمبلغ المتأتي من بيعه واستثماره في مشروع، قد يكون أضمن من الراتب التقاعدي وأجدى.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وقدّر وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني ناصر الشريدة، في تصريحات صحافية، يوم الأحد الماضي، نسبة الفقر في المملكة بنحو 24%، فيما تتجاوز النسبة 25% في بعض المناطق. وقال الشريدة إن أزمة كورونا أضافت ما بين 6% إلى 7% إلى نسبة الفقر، لتصل إلى المستويات المقدرة حالياً، بينما كانت قبل الجائحة 18%، مضيفاً أن الحكومة تنتظر مسح نفقات دخل الأُسَر الذي سينتهي العام المقبل، لمعرفة نسبة الفقر في الأردن. وأشار إلى أنّ العديد من الأسر فقدت مصدر دخلها خلال الجائحة الصحية وانخفاض الأجور بنسب راوحت بين 30% و50% بين العمالة غير المنظمة (العاملة بأجر يومي).

ووفقاً لتصنيف البنك الدولي، يأتي الأردن من بين 8 اقتصادات نامية في المنطقة، تظهر فيها بشكل أكبر معدلات الفقر بين السكان هذا العام نتيجة التأثيرات السلبية لكورونا، متوقعاً أن ترتفع نسبة الفقر في المملكة إلى 27%. وبحسب بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزي، ارتفعت قيمة الشيكات المرتجعة من قبل البنوك العام الماضي إلى 2.3 مليار دولار بزيادة بلغت نسبتها 4% عن عام 2019، وذلك من إجمالي قيمة الشيكات المتداولة في الأردن البالغة قيمتها 48.4 مليار دولار، وذلك بسبب تزايد الصعوبات المالية التي يواجهها الكثير من المواطنين. ويقدَّر عدد المطلوبين للقضاء الأردني بسبب قضايا مالية بأكثر من 300 ألف شخص، بحسب بيانات رسمية.

واتخذت مؤسسة الضمان الاجتماعي قراراً بوقف الوكالات الممنوحة من المتقاعدين لأشخاص يسمح لهم بموجبها بالحصول على الرواتب كإجراء احترازي للحد من عمليات بيع رواتب التقاعد، إلا أن الوكالة في مؤسسة كالضمان الاجتماعي ووزارة المالية، بحسب ما كشفه تقرير "المرصد العمالي" ليست الوسيلة الوحيدة لانتقال الراتب، فأحد الوسطاء في عمليات بيع الرواتب قال للمرصد إن البائع يكتب وكالة رسمية في البنك الذي يضمّ حساباته يحوّل فيها المبلغ مباشرة إلى حساب المشتري أو يسمح له بصرفها نيابة عن صاحب الراتب الأصلي.

ولقاء وساطة ذلك الشخص وإيجاد شارٍ للراتب حصل الوسيط فيما سبق على عمولة قاربت 14 ألف دولار، وفق المرصد العمالي. وقال أحد الأشخاص إنه تقاعد من السلك العسكري قبل أشهر، وعرض راتبه الذي يبلغ 509 دولارات للبيع في منشور عبر موقع "فيسبوك"، على غرار العديد من منشورات رصدت في عدة مجموعات.

وأضاف أن الوضع المادي أدى به إلى هذه الخطوة، ما جعله مستعداً للتخلي عن راتبه مقابل مبلغ مادي قد يفوق 85 ألف دولار، مشيراً إلى أن أحد معارفه باع راتبه البالغ 433 دولاراً شهرياً لمستثمر عراقي بمبلغ 92 ألف دولار، وهو ما شجعه على البحث عن مشترٍ لراتبه الشهري.

ونقل المرصد العمالي عن متقاعدين قولهم بعدم ممانعتهم الاستنكاف عن رواتبهم بحثاً عن فرصة لمشروع أو هجرة خارجية، أو حتى لضمان أن يكفيهم لما بقي من العمر، وأجمعوا على أن الراتب التقاعدي لا يكفي لتأمين حياتهم وأبنائهم.

في المقابل، قال المستشار القانوني موسى الصبيحي، الذي عمل لمدة طويلة في مؤسسة الضمان الاجتماعي، إن مشتري الراتب التقاعدي يحصل على "سمك في الماء"، أي إنه غير مضمون، لأنه بمجرد وفاة المؤمن عليه أو المتقاعد، فإنه وفقاً للقانون يتوقف صرف الراتب استعداداً لنقله إلى الورثة.

وأوضح الصبيحي أن بعض البائعين يحاولون إقناع المشتري بحجة وكالة مدى الحياة تسقط حق الورثة، إلا أن أي اتفاق بين الطرفين يسقط بموجب وفاة أحدهما، مؤكداً أنه تلقى عدة اتصالات من متقاعدين، أحدهم عرض بيع راتبه التقاعدي مقابل 16.5 ألف دولار، والمشكلة أيضاً في عدم وجود تكييف قانوني لمسألة بيع الرواتب، فلا يوجد نص يعاقب عليه أو يذكر، فضلاً عن اعتماد وكالات خارج نطاق المؤسسات الحكومية، كالبنوك مثلاً.

وقال الناطق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي شامان المجالي، إن المؤسسة أوقفت صرف 1200 راتب قدّم أصحابها وكالات لحصول شخص آخر عليها، على أنّ يقدموا رقم "الآيبان" IPAN الخاص بحساباتهم البنكية للمؤسسة، حتى تحوَّل إليها فوراً.

وأضاف المجالي أنّ المؤسسة لا تستطيع ملاحقة كل من يوقع وكالة في البنك حتى يصرف راتبه التقاعدي شخص غير المستفيد الأول وحصر الوكالة بمتابعة معاملات التقاعد، مؤكداً أن إجراء بيع الراتب التقاعدي غير وارد في القانون على الإطلاق، إذ لا نص يتيحه أو يمنعه، علماً بأن الراتب يقصد منه الحماية الاجتماعية والاقتصادية للمتقاعدين وورثتهم في حال وفاة المؤمن عليه.

المساهمون