استمع إلى الملخص
- رغم أن القيود الأميركية قد لا تؤثر بشكل كبير على قطاع النفط الصيني، إلا أنها تزيد التكاليف وتقيّد الإمدادات للمصافي الأصغر، مع احتمال استمرار النقل بطرق غير رسمية.
- ارتفعت أسعار النفط العالمية بعد فرض الرسوم، مما يعكس مخاوف من تقلص المعروض، بينما تعارض الصين الخطوة الأميركية وتطالب بوقف التدخل في شؤون فنزويلا.
تواجه مصافي القطاع الخاص في الصين، التي تعاني منذ فترة طويلة من فائض في السعة الإنتاجية وهوامش ربح ضئيلة، عقبة جديدة مع فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الاثنين، رسوماً جمركية بنسبة 25% على أي مشترٍ للنفط والغاز الفنزويليين، وهو ما أثار غضب بكين التي نددت بالقرار الأميركي، مطالبة بإلغاء العقوبات أحادية الجانب غير القانونية المفروضة على فنزويلا.
والصين هي أكبر مشتر للنفط الفنزويلي. وفي فبراير/شباط الماضي، حصلت الصين، بشكل مباشر وغير مباشر، على نحو 503 آلاف برميل يومياً من النفط الخام والوقود الفنزويلي، أي نحو 55% من إجمالي صادرات البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). كما أن الهند وإسبانيا وإيطاليا وكوبا من بين مستهلكي النفط الفنزويلي.
وحافظت بكين لسنوات على علاقات تجارية وسياسية وثيقة مع فنزويلا، إذ طورت علاقات قوية مع الرئيس السابق هوغو شافيز وخلفه نيكولاس مادورو. وكانت الصين مصدر تمويل رئيسياً لفنزويلا، إضافة إلى كونها أكبر مشتر منفرد للنفط الفنزويلي، إذ استحوذت على أكثر من 40% من صادرات البلاد النفطية في فبراير الماضي.
وتذهب غالبية شحنات النفط الفنزويلي إلى شركات المعالجة المستقلة في الصين، وهي مجموعة واسعة من الشركات التي تتركز في مقاطعة شاندونغ الشرقية، حيث يجري تكرير خام "ميري" الثقيل لاستخراج الوقود القار (القطران) المستخدم في رصف الطرق وقطاع البناء. ووفق تقديرات محللين صينيين، يمكن أن تشكل هذه الواردات ما يصل إلى خُمس المواد الخام لبعض المصافي.
ورغم أن القيود الأميركية الجديدة لا تشكل خسارة كبيرة لقطاع النفط في الصين، إذ إن تنفيذها صعب، واللجوء للمناورات الالتفافية عملية شائعة، ويمكن للمشترين المستبعدين إيجاد بدائل أخرى، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس، إلا أنها ستؤدي إلى زيادة التكاليف وتقييد الإمدادات للمصافي الأصغر حجماً، التي تعاني بالفعل من تراجع الطلب المحلي، ويوجد توجه هيكلي للتحول بعيداً عن النفط في قطاع النقل، إلى جانب الضغوط الأميركية لكبح تدفق الخام الرخيص الخاضع للعقوبات من إيران. وخلال العام الماضي، شهدت المصافي الخاصة معدلات تشغيل منخفضة وحالات إغلاق متزايدة.
وقال مويو شو، كبير محللي النفط الخام في شركة "كبلر" في سنغافورة لتتبع شحنات النفط والغاز عالمياً: "كما هو الحال مع العقوبات الأميركية الأخيرة على المصافي الصينية الخاصة المرتبطة بتجارة النفط الإيراني، أعتقد أن قرار ترامب يستهدف في المقام الأول فنزويلا، إذ يسعى إلى عزلها عن السوق العالمية والضغط عليها للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة".
وأضاف شو، أن المصافي الخاصة قد تتوقف مؤقتاً عن شراء النفط الفنزويلي مع تصاعد التدقيق، لكن من غير المرجح أن يتوقف تدفق الخام الخاضع للعقوبات. بدلاً من ذلك، من المتوقع أن تزداد عمليات النقل من سفينة إلى أخرى في المياه القريبة من شبه جزيرة ماليزيا خلال الأشهر المقبلة.
وتابع: "رغم أن الرسوم الجمركية الثانوية بنسبة 25% ستكون صعبة التنفيذ، فإن الشركات المرخصة قد تتردد في شراء النفط الفنزويلي". لكنه أشار إلى أن الصين لن تتراجع بسهولة، مضيفاً: "يرجع جزء من ذلك إلى أن بعض الشحنات التي تستوردها الصين تخضع لاتفاقيات ديون سيادية ممولة من بكين".
رسمياً، أوقفت الصين استيراد النفط الخام الفنزويلي لفترة بعد العقوبات الأميركية خلال 2019، ولم تستأنف استيراده إلا في فبراير/شباط من العام الماضي 2024. لكن على الصعيد غير الرسمي، لم يتوقف أكبر بلد مستورد للنفط الخام في العالم عن شراء النفط الفنزويلي، إذ كان يتم إخفاء مصدره غالباً تحت مسمى خليط القار، وفق ما ذكره تجار ومقدمو بيانات مستقلون.
ويُعد خام "ميري" الفنزويلي من أرخص أنواع النفط الخام عالمياً، ما يجعله خياراً جذاباً للمشترين القادرين على تكرير هذا الخام شديد اللزوجة والغني بالكبريت، كما أنه أقل كلفة من البدائل الآتية من العراق. رغم ذلك، فإن جاذبية السعر قد تتراجع والمخاطر ربما تتزايد عند فرض الرسوم الجمركية الثانوية وتنفيذها بصرامة.
ووفق تحليل لوحدة "بلومبيرغ إيكونوميكس" فإنه "بالنسبة للصين، فإن الحسابات واضحة إذ إن التكاليف الناجمة عن تصعيد الرسوم الجمركية تفوق بكثير الفوائد المحدودة للطاقة الرخيصة التي توفرها دولة منتجة صغيرة". وكانت شركة "تشاينا ناشونال بتروليوم كورب" عملاق النفط المملوك للدولة، مشترياً رئيسياً للخام الفنزويلي، إذ دشنت مشاريع استكشاف في البلاد خلال 1997، لكنها توقفت عن ذلك منذ 2019. أما في الهند، فقد كانت شركة "ريلاينس إندستريز" مشترياً منتظماً لهذا النوع من الخام بفضل إعفاء خاص من الامتثال للعقوبات، فيما تراجعت المصافي الحكومية عن شرائه خلال الأشهر الأخيرة.
في الأثناء، قالت وزارة الخارجية الصينية، أمس الثلاثاء، إن بكين تعارض بشدة الخطوة الأميركية بمعاقبة الدول التي تشتري النفط والغاز من فنزويلا. وأوضح قوه جيا كون المتحدث باسم الخارجية الصينية في مؤتمر صحافي دوري، وفق ما نقلته وكالة رويترز، أن على الولايات المتحدة أن تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لفنزويلا وأن تلغي العقوبات أحادية الجانب "غير القانونية" المفروضة على فنزويلا.
وقال الرئيس الأميركي ترامب، الاثنين، إن أي دولة ستشتري النفط أو الغاز من فنزويلا ستدفع رسوماً جمركية بنسبة 25% على أي معاملات تجارية مع الولايات المتحدة. وذكر ترامب في منشور على منصة "تروث سوشال" التي يملكها أن هذه الرسوم الجمركية ستدخل حيز التنفيذ اعتباراً من الثاني من إبريل/ نيسان المقبل. وأضاف أنه فرض هذه الخطوة لأن فنزويلا أرسلت "عشرات الآلاف" من الأشخاص لهم "طبع عنيف جدا" إلى الولايات المتحدة.
وارتفعت أسعار النفط، أمس، لليوم الخامس على التوالي بسبب مخاوف من تقلص المعروض العالمي بعد إعلان واشنطن فرض رسوم جمركية على الدول التي تشتري الخام الفنزويلي. وصعدت العقود الآجلة لخام برنت فوق 73 دولاراً للبرميل، كما زاد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي على 69 دولاراً للبرميل. وارتفعت أسعار الخامين القياسيين بأكثر من 1% يوم الاثنين، بعدما أعلن ترامب فرض الرسوم. وكتب محللون لدى بنك "آي إن جي" في مذكرة، أمس، أن هذه الخطوة قد تعني شحا كبيرا إلى حد ما في ميزان النفط العالمي. وأضافوا أن النفط، إلى جانب الأصول ذات المخاطر الأوسع نطاقا، استفاد أيضا من تلميحات إلى أن إدارة ترامب ربما تتبنى نهجا انتقائيا مع الرسوم الجمركية المضادة (المتبادلة) التي من المقرر أن تفرضها الولايات المتحدة في الثاني من إبريل/ نيسان المقبل.