رسوم ترامب تضرب صناعة السيارات العالمية... واليابان الأكثر تضرراً

26 مارس 2025
مصنع تويوتا قرب مدينة ناغويا وسط اليابان (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه شركات السيارات اليابانية والكورية الجنوبية تحديات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية الأميركية المقترحة، مما يؤثر سلباً على ميزانياتها والنمو الاقتصادي لليابان وكوريا الجنوبية، حيث تُعد الولايات المتحدة سوقاً رئيسية لهذه الشركات.

- الرسوم الجمركية بنسبة 25% قد تقلص الناتج المحلي الإجمالي لليابان بنحو 0.2%، مما يدفع الشركات لتسريع شحناتها وزيادة الإنتاج في الولايات المتحدة لتخفيف الأثر.

- تعاني أيضاً العلامات التجارية الفاخرة الألمانية مثل "بي إم دبليو" من الرسوم الجمركية، حيث فرضت إدارة ترامب رسوماً بنسبة 27.5% على سيارات السيدان الألمانية المصنعة في المكسيك، مما يزيد من تكاليفها.

تترقب صناعة السيارات العالمية بقلق شديد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية على واردات بلاده من المركبات خلال الأيام المقبلة، إذ تحبس الشركات اليابانية والكورية الجنوبية والمسؤولون في البلدين تحديداً أنفاسهم، باعتبار مصنعي السيارات في البلدين الأكثر تضرراً لحضور منتجاتهم الكبير في السوق الأميركية، ما يجعل التداعيات تتخطى ميزانيات الشركات وتطاول النمو الاقتصادي للبلدين بشكل عام.

وأخبر ترامب الصحافيين، الاثنين، أنه يعتزم المضي قدماً في فرض الرسوم الجمركية على السيارات، التي طالما هدد بها، قائلاً: "قريباً جداً، خلال الأيام القليلة المقبلة"، وذلك قبل تطبيق الرسوم الأوسع نطاقاً المقرر طرحها في الثاني من إبريل/ نيسان المقبل.

وتعد شركات السيارات اليابانية الأكثر قلقاً من الرسوم المرتقبة، إذ تحول تفاؤلها بعودة ترامب إلى البيت الأبيض الذي يدعم الوقود الأحفوري والسيارات العاملة بالبنزين والهجينة على عكس سلفه جو بايدن الذي دعم السيارات الكهربائية، إلى كابوس مدمر. قبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، اعتقدت شركة تويوتا موتور وشركات صناعة سيارات يابانية أخرى أن إدارة ترامب الثانية قد تكون مفيدة لهم، فقد تبرعت الشركة بمليون دولار لحفل تنصيب ترامب في العشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، وقال الحاضرون في اجتماع وكلاء الشركة في دالاس بولاية تكساس في ذلك الشهر إنه كان مليئًا بالبهجة لترامب. ولكن مع تبلور أجندة ترامب، تحول الكثير من هذا التفاؤل إلى قلق بالغ.

في فبراير/ شباط الماضي، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على البضائع الواردة من المكسيك وكندا، حيث تقوم تويوتا وشركات يابانية أخرى بتجميع العديد من السيارات التي تبيعها في الولايات المتحدة. وأعلنت الإدارة الأميركية أنها ستعلن في الثاني من إبريل/ نيسان المقبل عن "رسوم جمركية متبادلة" أوسع نطاقاً على الدول التي تحقق فوائض تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة، وهي خطوة يُتوقع على نطاق واسع أن تؤثر على اليابان وسياراتها.

تُعد اليابان من أكبر مُصدري السيارات في العالم، والولايات المتحدة هي أكبر سوق لشركات مثل تويوتا وهوندا ونيسان ومازدا وسوبارو. لذا، ومع اقتراب الموعد النهائي لتطبيق الرسوم الجمركية، تستعد اليابان لضربة قد تكون مدمرة، ليس فقط لأرباح شركات صناعة السيارات اليابانية، بل لاقتصادها ككل.

مع معاناة الاقتصاد الياباني من التضخم، يُقدر بعض الاقتصاديين أنه في حال سريان رسوم ترامب الجمركية على السيارات كما هدد، فقد تُدمر 40% من النمو الاقتصادي المُحتمل هذا العام.

لطالما كانت علاقة ترامب بشركات السيارات اليابانية متوترة. ففي ثمانينيات القرن الماضي، عندما طرح إمكانية الترشح للرئاسة، هاجم ترامب شركات السيارات اليابانية العملاقة، وقال لأوبرا وينفري ذات مرة إنها تأتي إلى الولايات المتحدة "وتُدمر" المُصنّعين المحليين. بعد فترة وجيزة من انتخاب ترامب لأول مرة عام 2016، طرحت تويوتا خططًا لاستثمار 10 مليارات دولار في الولايات المتحدة. استغل رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، الذي كان يُعتبر مُلِمًّا بأمور ترامب، حب الرئيس لإطرائه، وحصل على وعد بعدم فرض رسوم جمركية إضافية على السيارات اليابانية.

كان نجاح اليابان في تفادي الرسوم الجمركية في المرة الأولى أحد أسباب تفاؤل العديد من قادة صناعة السيارات، بل وحتى تفاؤلهم، بشأن ولاية أخرى لترامب. أما السبب الآخر، وخاصةً لتويوتا، فيتعلق بالسيارات الكهربائية، التي سخر منها ترامب في الغالب قبل أن يُعلن أخيرًا عن إعجابه بشركة تسلا، التي يديرها مستشاره المُقرب الملياردير إيلون ماسك.

في أوائل عشرينيات القرن الحادي والعشرين، عندما اندفع العديد من منافسيها نحو السيارات الكهربائية، تمسكت تويوتا بسياراتها الهجينة التي تعمل بالبنزين والكهرباء والتي كانت رائدة فيها قبل عقود. جادلت الشركة بأن العالم ليس مستعداً تماماً للسيارات الكهربائية. فهي باهظة الثمن بالنسبة للمستهلكين، والبنية التحتية اللازمة لشحن بطارياتها لا تزال غير مكتملة. كانت شركات صناعة السيارات تبيع سياراتها الكهربائية بخسارة في الغالب. واعتُبر احتمال تراجع ترامب عن مبادراته الرامية إلى تسريع عملية التحول إلى السيارات الكهربائية وسيلةً لتويوتا لكسب الوقت، نظرًا لعدم توفر سوى سيارة كهربائية واحدة فقط للسوق الشامل في الولايات المتحدة.

ضغطت تويوتا ضد فرض قيود صارمة على تلوث عوادم السيارات في عهد بايدن، ودعمت السياسيين في الولايات المتحدة الذين عارضوا ما اعتبرته "أوامر" لبيع المزيد من السيارات الكهربائية. وجاء جزء كبير من هذا الضغط عبر شبكة وكلاء السيارات التابعة لتويوتا، والتي نقل بعضها، بتحريض من تويوتا، مخاوفه بشأن التحول السريع إلى السيارات الكهربائية إلى المسؤولين المنتخبين، وفقًا لمراسلات قالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها إنها اطلعت عليها.

صرح متحدث باسم تويوتا بأن تزويد العملاء سيارات بأسعار معقولة ومجموعة متنوعة من الخيارات هو أفضل طريقة لتقليل الانبعاثات في أسرع وقت ممكن، وهو هدف الشركة. وأضاف: "إن السوق التي يحركها المستهلك ستجلب المزيد من الاستقرار والمنافسة الصحية لصناعة السيارات". في اجتماع وكلاء تويوتا في تكساس في يناير/كانون الثاني الماضي، أعرب قادة أعمال تويوتا في أميركا الشمالية عن اعتقادهم بأن الشركة صمدت خلال رئاسة جو بايدن، وأنهم يأملون الآن وجود المزيد من "السياسيين ذوي التوجهات المتشابهة" في مناصب السلطة، وفقًا لشخصين حضرا الحدث غير مخولين بالحديث علناً.

في الشهر التالي، حدد ترامب خططًا لفرض رسوم جمركية قد تؤثر على صادرات السيارات من كندا والمكسيك، وربما اليابان. لقد تغيرت خطط إدارة ترامب للرسوم الجمركية كثيراً. لكن احتمال فرض رسوم جديدة على السيارات المصنعة في الخارج يُلقي بثقله بالفعل على شركات السيارات اليابانية وبعض وكلائها في الولايات المتحدة.

في ولاية مين شمال شرق الولايات المتحدة، يشغل آدم لي منصب رئيس مجلس إدارة شركة "لي أوتو مولز"، إحدى أكبر مجموعات وكلاء السيارات في الولاية. تبيع "لي أوتو مولز" علامات تجارية، بما في ذلك تويوتا، وقد شهدت الشهر الماضي أسوأ شهر فبراير/شباط من حيث صافي الربح منذ عام 2009. ومع كشف ترامب عن أجندته المتعلقة بالرسوم الجمركية خلال الشهرين الماضيين، قال لي: "بدا أن الثقة في الاقتصاد في أدنى مستوياتها منذ فترة طويلة". وأضاف: "لا يشتري الناس السيارات عندما يكون العالم في حالة من الفوضى".

اليابان وكوريا الجنوبية الأكثر تأثراً

ويتوقع المحللون أن تكون اليابان وكوريا الجنوبية، نظراً لوجودهما الكبير في الولايات المتحدة، من أكثر دول صناعة السيارات تأثراً بالرسوم الجمركية التي اقترحها ترامب. وصنعت تويوتا حوالي مليون سيارة من أصل 2.3 مليون سيارة باعتها في الولايات المتحدة العام الماضي خارج البلاد.

وحذر المسؤولون التنفيذيون في شركتي نيسان وهوندا من أن خطط ترامب للرسوم الجمركية ستؤثر سلباً على أرباحهم. بالنسبة لليابان، التي تُعدّ السيارات أهم صادراتها، فإن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على صادرات السيارات إلى الولايات المتحدة قد يُخفّض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنحو 0.2% هذا العام، وفقًا لتقديرات معهد "نومورا" للأبحاث الياباني. ونظراً لأن الاقتصاد الياباني لديه معدل نمو محتمل يبلغ حوالي 0.5% فقط هذا العام، فإن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2% سيُمثّل "ضربة موجعة"، وفقًا لمعهد الأبحاث.

وفي الوقت الحالي، تُحاول بعض شركات السيارات اليابانية تسريع شحناتها إلى الولايات المتحدة قبل الثاني من إبريل/ نيسان المقبل. كما بدأت الاستعدادات لزيادة الإنتاج إلى أقصى حدّ ممكن في مصانعها الـ 24 داخل الولايات المتحدة.

وصرح متحدث باسم الشركة بأن تويوتا استثمرت على مدى العقود السبعة الماضية أكثر من 50 مليار دولار في الولايات المتحدة، وستواصل تعميق هذه الاستثمارات، حيث توظف تويوتا أكثر من 49 ألف شخص بشكل مباشر. ولطالما كانت فلسفة تويوتا "البناء حيث تبيع والشراء حيث تبني"، على حد قوله.

كما تواصلت مجموعات تمثل شركات صناعة السيارات في واشنطن مع الكونغرس. ويأملون أن يتمكن المشرعون من توضيح حجم استثمارات شركات صناعة السيارات اليابانية في الولايات المتحدة، وكيف يمكن أن تضر الرسوم الجمركية بالمستهلكين الأميركيين من خلال رفع الأسعار. حتى الآن، فشل المسؤولون اليابانيون في الحصول على وعود بالإعفاء من الرسوم الجمركية.

وفقًا لمايكل روبينيت، نائب الرئيس في شركة "ستاندرد آند بورز غلوبال موبيلتي"، المتخصصة في معلومات السيارات، لا تمتلك معظم شركات صناعة السيارات اليابانية طاقة إنتاجية فائضة في الولايات المتحدة. هذا يعني أنه إذا أرادوا تصنيع المزيد من المركبات، فسيتعين عليهم بناء مصانع جديدة. لكن بناء المصانع سيستغرق سنوات، وسيتطلب استثمارات كبيرة من الشركات التي تواجه حاليًا "بيئة تجارية غير مستقرة للغاية". وأضاف روبينيت: "لن تتخذ شركات صناعة السيارات قرارات تنطوي على الكثير من المخاطر إلا إذا كانت لديها دراسة جدوى قوية". "وهذا غير صحيح حالياً".

السيارات الفاخرة الألمانية تعاني أيضاً

وبجانب سيارات اليابان وكوريا الجنوبية التي تناسب شرائح واسعة من المشترين الأميركيين، فإن العلامات التجارية الفاخرة الألمانية من أكبر الخاسرين أيضا، على رأسها "بي إم دبليو" وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، إذ تعد "الثالثة السيدان" من طرازات الشركة بين حوالي 12 طرازاً تأثرت بالفعل بالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على المكسيك.

وسيارات السيدان الألمانية المصنعة في مصنع مكسيكي لا تستوفي قواعد اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والتي منحت العديد من شركات صناعة السيارات إعفاءً مؤقتاً من الرسوم الجمركية الجديدة بنسبة 25% التي دخلت حيز التنفيذ في وقت سابق من مارس/آذار الجاري.

وحتى وقت قريب، لم تخضع سيارة BMW الفئة الثالثة إلا لرسوم جمركية بنسبة 2.5% عند تصديرها إلى الولايات المتحدة. بينما أصبحت السيارة، التي يبلغ سعرها حوالي 47 ألف دولار، تخضع الآن لرسوم جمركية بنسبة 27.5%، مما قد يضيف أكثر من 10 آلاف دولار إلى سعرها. وفي الوقت الحالي، لن تُحمّل "بي إم دبليو" العملاء التكلفة الإضافية. وستتحمل شركة صناعة السيارات الرسوم الجمركية الإضافية البالغة 25% بالكامل حتى الأول من مايو/أيار المقبل، وفقًا لما أبلغ به قسم "بي إم دبليو" في أميركا الشمالية الوكلاء.

وفي عام 2019، افتتحت الشركة الألمانية مصنعها المكسيكي الجديد حيث يتم تجميع الفئة الثالثة، وأنفقت أكثر من مليار دولار على المصنع. وبعد عام، دخلت اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا التي تفاوض عليها ترامب حيز التنفيذ، والتي تشترط أن تأتي نسبة معينة من أجزاء السيارة من أميركا الشمالية، من بين قواعد أخرى. وتمتلك الشركة مصنع تجميع في كارولاينا الجنوبية بالولايات المتحدة، حيث تُصنّع سيارات الدفع الرباعي، ولكن من المحتمل ألا تكون لديها مساحة كافية لنقل إنتاج الفئة الثالثة إلى هناك، وفقًا لستيفن ريتمان، محلل في شركة إدارة الاستثمار "بيرنشتاين".

إلى جانب ضرائب الاستيراد المفروضة على المكسيك وكندا، هناك ضريبة بنسبة 20% على الواردات الصينية، والتي دخلت حيز التنفيذ على مراحل. وقد أوقع هذا شركات أخرى في فخ أعمق منها فولفو، العلامة التجارية السويدية المملوكة الآن لشركة جيلي أوتوموبيل الصينية، والتي كانت تستورد من الصين سيارة السيدان "S90" والسيارة الكهربائية "EX30". وقال متحدث باسم فولفو إن سيارة "EX30" كانت بالفعل خاضعة لرسوم جمركية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين والتي حددتها إدارة بايدن العام الماضي، والآن ستُفرض عليها رسوم إضافية بنسبة 20%.

وأضاف المتحدث باسم فولفو أن الشركة تخطط لبدء استيراد طرازات من مصنع في بلجيكا في وقت لاحق من هذا العام. ومن شأن ذلك أن يتجنب الرسوم الجمركية الصينية، على الرغم من أن إدارة ترامب أشارت إلى أن رسوم الاستيراد على السيارات الأوروبية المستوردة وشيكة.

المساهمون