رحلة جنون "بيتكوين"... أباطرة المال يشعلون المضاربة

رحلة جنون "بيتكوين"... العملة المشفرة فوق 48 ألف دولار وأباطرة المال يشعلون المضاربة

10 فبراير 2021
هوس المضاربات يدفع سعر بتكوين لمستويات غير مسبوقة (Getty)
+ الخط -

قفزت "بيتكوين" الرقمية إلى مستوى قياسي جديد، بعد أن كسرت لأول مرة حاجز 48 ألف دولار في معاملات أمس الثلاثاء، عقب ساعات من إعلان شركة تسلا الأميركية لصناعة السيارات الكهربائية استثمار 1.5 مليار دولار في العملة الأشهر، في أحدث دخول لأباطرة المال في العالم إلى "مغارة المضاربات" في العملة التي صعدت بأكثر من 66% في أقل من شهر ونصف، بينما تقف البنوك المركزية في العالم عاجزة عن إزاحة حراس المال الجدد عن الخزائن المشفرة للثروات.

والإثنين الماضي، كشفت شركة تسلا عن اعتماد بيتكوين ضمن أدواتها الاستثمارية، وذلك بعد أيام من تصريحات الرئيس التنفيذي للشركة إيلون ماسك، بشأن العملة الرقمية، قائلاً: "أعتقد في هذه المرحلة أن بيتكوين شيء جيد، وهي على وشك الحصول على قبول واسع من قبل رجال التمويل التقليديين".

وبلغ سعر وحدة بيتكوين في التعاملات المبكرة أمس 48.03 ألف دولار، مقابل نحو 45 ألف دولار، الاثنين الماضي، بينما تتجه صوب حاجز 50 ألف دولار، الذي سبق أن توقع محللون الوصول إليه في الأجل القصير.

ووجد مستثمرون في العملات الافتراضية أداة استثمارات مجدية، بعد تراجع أسعار الذهب والدولار التي شكلت على مدى الشهور التسعة الماضية ملاذاً آمناً للمتعاملين بفعل فيروس كورونا الجديد.

وفي رصد لـ"العربي الجديد" قفز سعر بيتكوين منذ الأول من يناير/ كانون الثاني 2021 بنسبة 66.7%، حيث أنهت تعاملات العام الماضي عند نحو 28.8 ألف دولار للوحدة، بينما يظهر الرصد أن العملة المشفرة قفزت في نحو سبع سنوات بأكثر 6351%، حيث لم يكن سعرها يتجاوز 744 دولاراً في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2013.

ورغم التذبذب الحاد في سعر العملة الرقمية الأكثر رواجاً في العالم، إلا أن قفزاتها صعوداً كانت الأكثر لفتاً للانتباه من موجات الانحدار السريعة التي تتعرض لها بين يوم وليلة، ما يجعل الاستثمار فيها محفوفاً بالمخاطر ويجعل المستثمرين الجدد أكثر عرضة لتبخر ثرواتهم في ساعات معدودة.

فقد سجلت بيتكوين بنهاية 2014 نحو 309 دولارات، بتراجع بلغت نسبته 58.4%، لكنها زادت بنسبة 37.2% بنهاية 2015 حينما وصلت إلى 424 دولاراً، قبل أن تقفز إلى حوالي 952 دولاراً في نهاية 2016، لتواصل الصعود الكبير مسجلة نحو 13062 في نهاية 2017، بزيادة بلغت نسبتها 1272%، لكنها انحدرت إلى هبوط حاد في عام 2018 لتنهي ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام عند 3689 دولاراً، بتراجع نسبته 71%.

وفي نهاية 2019 استعادت العملة عافيتها لتزيد إلى 7251 دولاراً، قبل أن يتضاعف سعرها نحو 4 مرات خلال العام الماضي 2020 وتغلق عند 28.8 ألف دولار، لتواصل رحلتها نحو قفزة تاريخية سجلتها في الثامن من يناير/ كانون الثاني 2021 مسجلة 42 ألف دولار تراجعت بعدها بنسب كبيرة لتصل في الخامس من فبراير/ شباط الجاري إلى حوالي 37 ألف دولار قبل أن تقفز إلى مستويات غير مسبوقة أمس بكسر حاجز 48 ألف دولار.

ورغم التحذيرات التي يطلقها محللون ماليون من انهيار الاستثمار في بيتكوين وأخواتها من العملات الرقمية، إلا أن دخول أباطرة المال من المليارديرات وصناديق الاستثمار في وول ستريت والمؤسسات المختلفة إلى "عالم المال المشفر"، لا سيما في الولايات المتحدة، يشعل المضاربات على هذه العملات ويعيد رسم خرائط النقد.

ولا تملك العملات الرقمية رقماً متسلسلاً ولا تخضع لسيطرة الحكومات والبنوك المركزية كالعملات التقليدية، بل يتم التعامل بها فقط عبر شبكة الإنترنت، دون وجود فيزيائي لها. ومع ذلك لامست القيمة السوقية للوحدات المتداولة من بيتكوين نحو التريليون دولار، أمس، بحسب شاشة عرض تداول الوحدة على منصات البيع الرقمية.

وبعد إعلان شركة تسلا عن استثماراتها في بيتكوين، قال مايكل نوفوغراتز، مؤسس شركة الاستثمار الرقمية غالاكسي ديجتال، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس، إن سعر العملة قد يصل إلى 100 ألف دولار بحلول نهاية العام. وسبق أن قال بنك الاستثمار "جيه بي مورغان" إن عملة بيتكوين برزت كمنافس للذهب، وقد يجرى تداولها عند مستويات مرتفعة تصل إلى 146 ألف دولار، إذا رسخت وضعها كأصل استثماري آمن.

وسبق استثمار تسلا دخول صناديق عالمية وجامعات أميركية شهيرة وشركات أخرى عالم المضاربات في بيتكوين والعملات الرقمية الأخرى. ووفق موقع "كوين دسك" المتخصص في أخبار العملات المشفرة في تقرير له منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، فإن بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس يدرس الاستثمار في العملات الرقمية، مشيراً إلى أن البنك أصدر طلباً للحصول على معلومات من لاعب حفظ تشفير واحد على الأقل في نهاية 2020.

ومن بين الصناديق التي تتعامل بعملة بيتكوين صندوق "غرى إسكيل" المسجل في بورصة نيويورك منذ العام الماضي والمتخصص في المتاجرة في المؤشرات الخاصة بالعملة المشفرة، والذي قفز حجم موجوداته إلى حوالي 25 مليار دولار مقابل ملياري دولار لدى تسجيله، بحسب بيانات أوردتها أخيراً بلومبيرغ.

وعلى الرغم من أن استثمار تسلا البالغ 1.5 مليار دولار يشكل حوالي 8% من أحدث احتياطياتها النقدية، إلا أنه يمثل قطرة في المحيط مقارنة بممتلكات الشركات الأميركية الكبرى، إذا تبلغ قيمة شراء تسلا في بيتكوين 0.05% فقط من 2.79 تريليون دولار من النقد وما يعادله الموجود في الميزانيات العمومية للشركات المسجلة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ببورصة نيويورك، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبيرغ.

لكن ديفيد جغايدر الخبير الاستراتيجي لدى شركة "فاندسترات غلوبال أدفايزر" توقع إقدام مزيدٍ من الشركات على الاستثمار في بيتكوين، قائلاً إن "هناك مساحة أكبر بكثير لاختراق العملات المشفرة خزائن الشركات ونتوقع استمرار هذا الاتجاه مستقبلاً".

وساعدت عمليات إقراض سريعة على منصات تداول العملات الرقمية شبيهة بالإقراض التقليدي المتداول في المؤسسات المالية على زيادة وتيرة التعامل في بيتكوين وغيرها من العملات على الإنترنت، إذ أضحى حلم الثراء محركاً لعشرات ملايين الأشخاص حول العالم. وبحسب بيانات موقع "كوين ديسك" قفز عدد أصحاب "الحسابات الرقمية"، أي الذين يملكون حسابات في منصات بيتكوين للتداول، من 5 ملايين في عام 2016 إلى 100 مليون في عام 2020.

وكتب جيفري هالي، كبير محللي السوق في مؤسسة أوندا للسمسرة، في تعليقات عبر البريد الإلكتروني، وفق بلومبيرغ، أمس: "جنون العملات المشفرة مدفوع بالكامل بزخم هوس المضاربة على المدى القصير"، مضيفة أنه رغم الضوضاء التي تصم الآذان حول هذه العملات، إلا أن الصمت يخيم على كيفية استخدامها في الحياة اليومية.

ووفقاً لجيمس أنغل، الأستاذ المساعد في جامعة جورج تاون، فإن مضاربة تسلا أو غيرها من الشركات غير مقنعة، مشيراً إلى أن العملة الرقمية شديدة التقلب ويمكن أن ترتفع أو تنخفض بسهولة بنسبة 10% في يوم واحد أو 50% في عام، وبالتأكيد ليست مخزناً جيداً للقيمة على المدى القصير. بيد أن محللين ماليين آخرين يقولون إن من المرجح أن تكون شركات التكنولوجيا والشركات المالية أكثر ميلاً إلى فكرة العملات الرقمية، ما يزيد من سخونة المشهد في الفترة المقبلة.

وفي مقابل هذه التطورات، تبقى معظم البنوك المركزية في العالم عاجزة عن ملاحقة المشهد أو مواجهة زحف المضاربين الجدد الذين يتخوف المسؤولون عن الخزائن التقليدية أن يصبحوا هم حراس المال في الفترة المقبلة.

ودعت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، قبل بضعة أسابيع الحكومات إلى تبنّي تشريعات منسقة ومشتركة وملزمة لتقنين التعامل مع بيتكوين حتى لا تترك ثغرة ينفذ منها المتعاملون في العملة الرقمية وأخواتها.

وفي لندن حذرت سلطات الرقابة المالية المستهلكين بشكل متكرر من الاستثمار في العملات الرقمية، وقالت في تحذيرها إن "المستهلكين سيخسرون جميع أموالهم المستثمرة في العملات الرقمية". وهو ما نفس النهج الذي اتبعته جهات رقابية مالية في الكثير من الدول ومنها البلدان العربية، إلا أن زخم الاهتمام بالعملات الرقمية يتصاعد.

المساهمون