رئيس جديد للبنان: تعويل على عودة الدعم الاقتصادي الدولي

11 يناير 2025
احتفال بانتخاب رئيس جديد في لبنان (رامز دله/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- انتخاب جوزاف عون رئيساً للبنان: تم انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للبنان بعد فراغ رئاسي دام أكثر من سنتين، مما يفتح مرحلة جديدة تتسم بتحديات سياسية وأمنية واقتصادية، مع تطلعات لإعادة الدعم الدولي للبنان.

- تطلعات اللبنانيين ووعود الرئيس الجديد: يعوّل اللبنانيون على عهد جوزاف عون للخروج من الأزمات، مع وعود باستئناف المساعدات وإعادة الإعمار، وتغيير الأداء السياسي والاقتصادي، وبناء شراكات استراتيجية وتطبيق سياسة الحياد الإيجابي.

- التحديات الاقتصادية والإصلاحات المطلوبة: يواجه الرئيس الجديد تحديات كبيرة تتطلب توازنًا بين الإصلاحات الاقتصادية والمساعدات الدولية، مع التركيز على إعادة هيكلة المصارف، دعم العملة الوطنية، وتحسين قطاع الطاقة، وتعزيز الشفافية واستقلالية القضاء.

دخل لبنان مرحلة جديدة مع انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للبلاد بعد فراغ طال أكثر من سنتين. مرحلة لن يكون عنوانها سياسياً وأمنياً فقط، بل أيضاً اقتصادياً، مع ترقّب خريطة الطريق التي من شأنها أن تعيد الدعم الدولي للبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية عميقة منذ العام 2019، والذي مرت عليه مآس متلاحقة من الانهيار الاقتصادي الشامل في ذلك العام مروراً بانفجار مرفأ بيروت وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي المدمر، وسط تغييرات إقليمية أبرزها سقوط نظام بشار الأسد.

ويعوّل الشارع اللبناني على عهد عون للخروج من النفق المظلم معيشياً ومالياً، خصوصاً أنه أتى ليس فقط بضغط دولي بل برضا خارجي عن مواصفاته ومشروعه، وسط وعود باستئناف المساعدات وإعادة إعمار البلاد بعد العدوان الإسرائيلي، في حال استكمال المسار "التغييري" بتشكيل حكومة ذات برنامج إصلاحي شامل يطلبه صندوق النقد الدولي ويتمسّك بضرورة تنفيذه.

في المقابل، لا يخفي اللبنانيون خشيتهم من أن تكون وعود الرئيس الجديد "صوتية" بلا مفاعيل ميدانية، كالتي حملها سلفه ميشال عون. فكانت الانتفاضة الشعبية والانهيار النقدي وارتفاع معدلات الفقر والهجرة والبطالة، وانقطاع العلاقات السياحية والتجارية مع دول الخليج، وغيرها من الأزمات التي صنفها البنك الدولي اقتصادياً بوصفها إحدى أشد الأزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وأعطى الرئيس الجديد في قسمه الدستوري مساحة واسعة للملف الاقتصادي، معرّجاً على بعض تفاصيله. فتعهّد بتغيير الأداء السياسي، منها اقتصادياً، وفي فلسفة المحاسبة والرقابة، ومركزية الدولة، ومحاربة البطالة، ومكافحة الفقر، وبإعادة إعمار ما هدّمه العدوان في لبنان، والاستثمار في العلاقات الخارجية، وبناء شراكات استراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال أفريقيا، وإعادة هيكلة الإدارة العامة، مع المداورة في وظائف الفئة الأولى في الإدارات والمؤسسات العامة.

وتعهّد الرئيس المنتخب أيضاً بممارسة سياسة الحياد الإيجابي، و"أن لا نصدر للدول سوى أفضل ما لدينا من منتوجات وصناعات، وأن نستقطب السياح والتلامذة والمستثمرين العرب لنواكب تطورهم ونغنيهم بطاقاتنا البشرية، ونبني اقتصادات متكاملة ومتعاونة، إلى جانب العمل على إقرار مشروع قانون اللامركزية الإدارية الموسعة، بما يخفف من معاناة المواطنين ويعزز التنمية المستدامة".

كذلك، تعهّد عون بالحفاظ على الاقتصاد الحر والملكية الفردية، اقتصاد تكون فيه المصارف تحت سقف الحوكمة والشفافية، ولا حاكم عليها سوى القانون، ولا أسرار فيها غير السر المهني، من دون التهاون في حماية أموال المودعين، مع السعي لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.

تطبيق تدريجي

وفي قراءة لتعهّدات عون، يقول وزير الاقتصاد الأسبق ألان حكيم في حوار مع "العربي الجديد": "خطاب القسم كان يجب أن يكون على هذا المستوى القوي في ظلّ الحالة المزرية وفشل الدولة الذريع والطبقة السياسية على صعيد الإدارة والإنجازات." ويشير حكيم إلى أن "على الرئيس المنتخب أن يخلق توازناً بين الإصلاحات الاقتصادية أولاً والمساعدات الدولية، وكذلك يعيد الثقة إلى مؤسسات الدولة، وأن يخفف من وطأة الأزمة الاجتماعية على الشعب اللبناني. وهذا طبعاً يحتاج إلى عمل وجهد ومثابرة للوصول إلى الحلول العملية المنتظرة".

ويلفت إلى أن "التطبيق سيكون تدريجياً، فالرئيس المنتخب لا يملك عصا سحرية، وعلى كل مرحلة أن تأخذ وقتها ومجراها. لكن اليوم، ومع انتخاب عون، سينعكس ذلك تلقائياً على سعر اليوروبوندز الذي كان بين 8 و9 سنتات، وغداً سيكون 15 ولاحقاً 21. وهذه بداية الحلول، إذ عندما يتحسّن اليوروبوندز، ستتحسن الحلقة الاقتصادية، وسيعود القطاع المصرفي إلى حالة الانتعاش نوعاً ما".

في مرحلة ثانية، يقول حكيم، "يجب فتح النقاش مع الدائنين في لبنان، الذين انقطعنا عن الحديث معهم لأكثر من أربع سنوات، وهذه جريمة كبرى ارتكبها رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، مع عدم دفع استحقاق دين الدولة اللبنانية. وبالتالي، فإن فتح حوار مع الدائنين من شأنه أن يؤثر ويحسّن الحلقة الاقتصادية"، مشيراً إلى أهمية معرفة الدين العام من خلال الموازنات المتتالية الحقيقية وليس الورقية، إذ لا يصدق أن يشكل الدين العام نسبة 200% من الاقتصاد اللبناني.

يضيف: يجب ألا ننسى موضوع إعادة هيكلة المصارف، وهذه كلها مسؤولية الرئيس المنتخب ويجب أن تكون تحت رعايته وإشرافه، وأن تكون هناك عين ساهرة، حيث إن إعادة ترتيب القطاع المصرفي أمر بغاية الأهمية للمحافظة على الودائع وأموال اللبنانيين.

الدعم الدولي واستقرار الليرة

ويلفت وزير الاقتصاد اللبناني الأسبق إلى أن موضوع العملة الوطنية مهمّ كذلك، فهي نوعاً ما مستقرة اليوم، ويحتاج ذلك إلى دعم من مصرف لبنان ومن قبل لاعبين كبار في الأسواق المالية، إلى جانب مسألة العمل على تخفيف البطالة التي زادت كثيراً في الفترة الأخيرة. ومن أهم النقاط التي يجب أن يهتم بها الرئيس عون، يقول حكيم، ملف الطاقة، فهي أهم فجوة في الاقتصاد اللبناني، بعدما أنفق على القطاع مليارات الدولارات من دون أي مردود. فهذه مسألة جوهرية تتطلب إصلاحات أساسية.

من جهته، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال لـ"العربي الجديد"، إن "خطاب القسم يقارب للمرة الأولى ملفات حياتية واجتماعية وواقعية، خاصة من الناحية الاقتصادية، بمعنى أنه تضمّن تطمينات لكل الشعب اللبناني وخصوصاً للمناطق التي تضرّرت بفعل العدوان الإسرائيلي التدميري، منها البقاع والجنوب والضاحية، الأمر الذي من شأنه أن يطمئن الفئات المتضرّرة بشكل مباشر والمواطنين كافة".

ويعتبر رمال أن "حركة إعادة الأعمار بحد ذاتها هي حركة نمو للاقتصاد اللبناني باعتبار أن التدفقات الدولارية خاصة إذا كانت بمساعدات ومعونات من الخارج، ستكون نقدية ومن شأنها بالتالي أن تحدث حركة فورية ومباشرة على الصعيد الاقتصادي يستفيد منها الشعب وكل المؤسسات الاقتصادية بما في ذلك أيضاً شركات الهندسة والإعمار والمصالح المتعدّدة، وليس فقط في المناطق المتضررة".

حماية أموال المودعين

ويضيف رمال "من المهم أيضاً حديث عون عن حوكمة المصارف ووضعها تحت سقف القانون وإطلاق الشفافية في موضوع حماية أموال المودعين، بحيث إنّ استرجاع المودعين أجزاء من ودائعهم ولو على مراحل لكن بقيمتها الحقيقية من دون أي شطب من شأنه أن ينتج حركة ونمواً وثقة وطمأنينة تجعل حتى المستثمر الأجنبي والخارجي سواء لبناني أو عربي أو أجنبي يستعيد الثقة بالقطاع المصرفي، وهذه إيجابية تفتح الآمال والمستقبل للشعب والمودعين من دون أن ننسى أن هناك ودائع بحدود 80 مليار دولار".

ويتوقف رمال كذلك عند تعهد عود في خطاب القسم باستقلالية القضاء، فهذا الأمر له علاقة مباشرة بالحوكمة الرشيدة وثقة المستثمرين، فعندما يكون هناك قضاء شفاف وعادل ومستقل ومحاسبة وشفافية يمكن استقطاب المستثمرين. إلى جانب ذلك، يرى رمال أنّ من المهم عودة العلاقات مع الخارج والانفتاح على المحيط العربي والمشرق وشمال أفريقيا فهذه عناصر تعطي الثقة وتأتي بالمؤسسات الدولية والعربية كما كانت سابقاً قبل الانسحاب المتتالي من السوق اللبناني الأمر الذي كان له تأثير مباشر على وضعنا الحالي.

تبعاً لذلك، يرى رمال أن هذه العناصر كلها من شأنها أن تأخذنا إلى استقرار في سعر الصرف وتحسن قيمة الليرة والقدرة الشرائية لدى المواطنين وتزيل لبنان عن اللائحة الرمادية ولنا ثقة بحصول هذا السيناريو ربطاً بثقتنا بوجود رئيس شفاف صادق يضع مشروعاً واضحاً وله تجربة تزيد هذه الثقة مع المؤسسة العسكرية التي رغم الأزمات بقيت صامدة.
 

المساهمون