استمع إلى الملخص
- تم تخصيص أراضي رأس شقير لوزارة المالية لإصدار صكوك قائمة على توريق الإيرادات المستقبلية، بهدف سداد تريليون جنيه من مديونية الدولة، في ظل ارتفاع الديون إلى أكثر من 12 تريليون جنيه.
- تأمل الحكومة في جذب استثمارات خليجية في الصكوك السيادية لتخفيف الضغط على الاحتياطي النقدي، مع اهتمام السعودية والكويت بالمشاركة، مما يعزز التعاون الإقليمي لدعم الاقتصاد المصري.
شرعت وزارة المالية المصرية في إعداد خطة لإصدار صكوك سيادية، تستهدف جمع ما بين تريليون إلى 3.6 تريليونات جنيه، لتمويل العجز المتوقع في الموازنة العامة، خلال العام المالي 2025/ 2026، الذي يبدأ بعد أكثر من أسبوعين بمطلع يوليو/ تموز المقبل.
وكشفت مصادر اقتصادية عن مواجهة الحكومة أزمة مالية خانقة، على غرار ما مرت به عام 2024، أدت إلى بيع نحو 40 ألف فدان بمدينة رأس الحكمة على شاطئ البحر المتوسط لصندوق أبوظبي السيادي، ودفعتها إلى استصدار قرار رئاسي للتصرف في أصول عامة جديدة، بمنطقة رأس شقير على ساحل البحر الأحمر، على مساحة تصل إلى 41 ألف فدان (نحو 174 كلم2)، لتكون وسيلة إنقاذ مالي جديدة.
أكدت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد" أن الحكومة ستلجأ إلى إصدار صكوك سيادية، لبيع أرض رأس شقير للمستثمرين على المشاع، تتحول في مراحل لاحقة إلى أسهم بكيانات استثمارية واضحة، مع التوسع في عمليات التأجير وحق الانتفاع المؤقت، للحد من المعارضة الشعبية لبيع الأراضي المصرية للأجانب.
ظهرت مخططات "المالية" عقب نشر جريدة "الوقائع" الرسمية، الثلاثاء الماضي، قراراً جمهورياً بتخصيص مساحة 174,399 كيلومتراً مربعاً تطل مباشرة على البحر الأحمر، من المساحات المملوكة لدولة مصر ملكية خاصة لصالح وزارة المالية، من أجل استخدامها في خفض الدين العام للدولة، وإصدار الصكوك السيادية، وفقاً للقوانين والقواعد المعمول بها في هذا الشأن.
نص القرار الموقع من الرئيس عبد الفتاح السيسي في 4 يونيو/ حزيران الجاري، على أن تحتفظ القوات المسلحة بملكيتها للأراضي الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية داخل حدود المساحة المبينة في القرار. تمتد المساحة الخاضعة لأحكام القرار من منطقة رأس شقير إلى رأس جمسة السياحية على ساحل البحر الأحمر (شرق)، تمهيداً لطرحها أمام مستثمرين محليين وأجانب، بنظام حق الانتفاع أو على غرار صفقة مدينة رأس الحكمة الجديدة على ساحل البحر المتوسط، التي أبرمت بين مصر والإمارات بقيمة 35 مليار دولار في مارس/ آذار 2024.
وحول صدور القرار الرئاسي دون مروره على مجلسي الشيوخ والنواب وإقراره من نواب المجلسين، قال البرلماني ناجي الشهابي إن القرار الجمهوري "قرار إداري" له سلطة تنفيذية، لا يمكن للبرلمان أن يتعرض لها، وفقاً للدستور الذي يقر بمبدأ الفصل بين السلطات.
أضاف الشهابي أنه في حالة اعتراض أي نائب أو مواطن على القرارات الجمهورية، فإن الدستور لم يحصن السلطة التنفيذية من حق الطعن في قراراتها أمام القضاء المختص، وفي هذه الحالة يتولى "مجلس الدولة" الفصل في تلك القضايا، مشيراً إلى حق رئيس الجمهورية في إصدار قرارات بقوة القانون في حالة عدم انعقاد البرلمان، بشرط أن تعرض القوانين التي أصدرت في غيابه، خلال 15 يوما من عودته للانعقاد مرة أخرى.
يعتبر الخبير الاقتصادي هاني توفيق قرار تخصيص أرضي رأس شقير لوزارة المالية، بهذه المساحة الهائلة مجرد وسيلة تمكن "المالية" من إصدار صكوك قائمة على توريق الإيرادات المستقبلية، عبر منح الأرض بنظام حق الانتفاع للمستثمرين لفترات زمنية محددة، مؤكداً في تصريحات صحافية أن الهدف من ذلك يرجع إلى رغبة الحكومة في سداد نحو تريليون جنيه من مديونية الدولة، ضمن خطة شاملة لإعادة هيكلة الدين العام وخفض أعبائه.
تخطت ديون الدولة 12 تريليون جنيه، بما يزيد عن قيمة الناتج القومي الاجمالي، بينما شهدت ديون مصر الخارجية ارتفاعاً بنسبة 1.5% على أساس ربع سنوي، إلى 155.2 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي (2024/ 2025)، مقارنة بـ152.9 مليار دولار في نهاية العام المالي (2023/ 2024)، وفق بيانات البنك المركزي الرسمية.
شكلت الديون متوسطة وطويلة الأجل نحو 82% من إجمالي الدين الخارجي للبلاد، إذ بلغت نحو 127.5 مليار دولار، بينما شكلت الديون قصيرة الأجل 27.7 مليار دولار المتبقية.
برر الخبير الاقتصادي ورئيس هيئة الرقابة المالية السابق شريف سامي القرار الجمهوري بتخصيص أرض رأس شقير لوزارة المالية، بأن الغرض النهائي منه تعظيم العائد عن أصول تتمتع بها الدولة الناتجة من هبة ربانية، واستغلال عوائدها بما يفيد الشعب والحكومة في تخفيف الدين العام بسداده أو خفض قيمته، حتى لا تظل الدولة تحت رحمة الجهات المقرضة.
قال سامي لـ"العربي الجديد" إن هذا القرار ليس الأول من نوعه في مصر، مشيراً إلى سابقة تنفيذه في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، حينما أوشكت شركة "المقاولون العرب" المملوكة للدولة على الإفلاس والتوقف عن العمل، بسبب تراكم الديون الحكومية وعدم قدرتها على دفع مستحقات مقاولي الباطن والموردين، مع تعريض أموال المواطنين والبنوك التي تتعامل معها لأزمات مالية خطيرة، فأصدر مبارك قراراً عام 2008 بمنح 11 ألف فدان لـ"المقاولون العرب" لتشكل كياناً اقتصادياً باسم "شركة المستقبل للتنمية العقارية" مكنها عام 2010، من توريق تلك الأصول، لدى البنوك والجهات الدائنة، وحل مشاكلها المالية، ما أنقذها من حالة التعثر المالي.
يبدي سامي تأييده لفكرة توظيف الأصول العامة، عبر طرحها للبيع أمام المصريين أو الأجانب، أو تخصيصها بحقها في الانتفاع لمدد زمنية طويلة، مؤكداً قدرة هذه المناطق الشاطئية على جذب المزيد من الاستثمارات في قطاع السياحة واللوجستيات، بما يجلب العملة الصعبة وحركة استثمار واسعة، تساعد الدولة على تحسين الأداء الاقتصادي وتوفير فرص العمل.
يرفض سامي وضع قيود على شراء الدول الخليجية أو الأجنبية لتلك المناطق، باعتبارها أصولاً غير قابلة للانتقال إلى أماكن أخرى، مع قدرة الدولة على السيطرة عليها في حالة تعريض مصالحها للخطر، بقرارات سيادية، مشيراً إلى انفتاح أسواق السعودية والإمارات أمام تملك المستثمرين المصريين والأجانب، للأراضي والمشروعات العقارية، وعلينا أن نعمل مثلهم. يشترط الخبير الاقتصادي أن تستغل الحكومة موارد بيع الأرض أو عوائد الصكوك السيادية، في سداد الدين المتراكم بشدة على الموازنة العامة، وعدم إهداره في مصروفات غير مدرة للعائد، مثل دعم المواد البترولية والسلع أو إنفاقه على إقامة طرق وكباري ومشروعات عقارية بالمناطق التي تشبعت بها، وأن تكون هناك خطط واضحة للاستغلال الأمثل لتلك العوائد، وخفض الدين العام، حتى لا تظل الدولة تدور في فلك الديون، وبيع الأصول العامة بلا عائد.
كشف خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس عن استهداف الحكومة توريق الأصول العامة، لحساب وزارة المالية، لاستخدام عوائدها في تخفيض الديون بالجنيه وبالعملة الصعبة، والحصول على السيولة المالية، التي تمكنها من تمويل سداد القروض وفوائدها، بعد أن واجهت صعوبات كبيرة في الحصول على قروض جديدة من الجهات الدولية، ورصد ضغوط أميركية على دول الخليج تمنعها من توجيه تدفقات مالية كبيرة أو مساعدات مالية جديدة لمصر، جراء موقفها من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لترحيل الفلسطينيين من غزة.
قال النحاس إن توجه الحكومة نحو إصدار صكوك سيادية، جاء بعد فشلها في خطة إصلاح الدين الداخلي عبر مقاصة بين الوزارات والشركات العامة، تساعد على خفض الديون المتصاعدة بشدة بين الجهات والهيئات الحكومية، جعلت وزارة المالية غير قادرة على الوفاء بسداد الدين العام، أو تخطي سقف تلك الديون، التزاماً بالاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي، في مارس/ آذار 2024، بما يضمن لها استمرار الحصول على قرض بقيمة إجمالية تصل إلى 8 مليارات دولار.
تتوقع الحكومة المصرية ارتفاع الفجوة التمويلية بالموازنة العامة التي ستبدأ في يوليو/ تموز (2025/ 2026) بأكثر من 25% لتصل إلى 3.6 تريليونات جنيه، بما يعادل نحو 70 مليار دولار، وفقاً لتوقعات سعر الدولار في الموازنة الجديدة.
تعتزم وزارة المالية تغطية عجز الموازنة من خلال إصدار أدوات دين محلية جديدة، في صورة أذون خزانة بقيمة 2.2 تريليون جنيه، وسندات خزانة بنحو 928.9 مليار جنيه، في إطار خطة حكومية تستهدف زيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، وسد العجز في الموازنة.
أوضح النحاس أن وزارة المالية ستوظف الأرض المخصصة لها في إنشاء كيانات، تتولى إصدار صك سيادي لحسابها، لمنح حق الانتفاع بالأصل على المشاع بين الشركاء، لحين الانتهاء من الغرض المقام المشروع من أجله أو رد مستحقات الشركاء. يذكر النحاس أن تلك الصكوك ستكون قابلة للتحويل إلى أسهم خلال فترات لاحقة، بما يسهل تخيير الشركاء بين استرداد قيمة الصك السيادي أو تحويله إلى سهم، وذلك خلال فترة زمنية تراوح ما بين 5-7 سنوات من عمر المشروع وتوقيت طرح الصك.
يؤكد النحاس أن الحكومة تأمل أن تتجه دول الخليج إلى المساهمة بقيمة ودائعها في البنك المركزي المستحقة بنهاية العام، التي تنتهي مدتها في 2026، للاستثمار في تلك الصكوك، لتخفيف الضغط المترتب عن سحبها، عن أرصدة الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي، وضمان وجود حصيلة دولارية تمكنها من مواجهة زيادة أعباء استيراد الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية، وحاجتها للدفع الفوري لمستحقات الموردين والمنتجين الأجانب.
يستبعد النحاس أن تتوصل الحكومة إلى صفقة لبيع منطقة رأس شقير لأي دولة خليجية، على غرار صفقة بيع رأس الحكمة التي مكنتها من الحصول على 35 مليار دولار، عام 2024، مبيناً أن الاستثمارات الهائلة التي وجهتها دول الخليج إلى الولايات المتحدة، لن تمكنها من دفع مبالغ جديدة لمصر، وستقتصر المشاركة على تحويل الودائع الموجودة بالفعل لدى البنك المركزي إلى أصول رأسمالية في مشروعات محلية.
تشير تقارير إلى رغبة السعودية في التنازل عن ودائعها لدى البنك المركزي المصري، البالغ قيمتها 10.3 مليارات دولار، منها 5 مليارات دولار قصيرة الأجل، مقابل إتمام صفقة رأس جميلة، والاستحواذ على عدد من الشركات الحكومية في مصر، منها شركة "سيرا" المتخصصة في تقديم الخدمات التعليمية، و5 شركات أخرى تعمل في مجالات التطوير العقاري والصحة والطاقة والكهرباء والخدمات المالية والأغذية.
وتعتزم دولة الكويت شراء صكوك بقيمة مليار دولار في رأس شقير، تعادل قيمة الوديعة المنتهية لحسابها بالبنك المركزي العام الجاري.
تعد منطقة رأس شقير ورأس بناس من أكبر تجمعات الشعاب المرجانية البكر في العالم، وهي عبارة عن لسان يشكل شبه جزيرة بطول 50 كيلومتراً داخل مياه البحر الأحمر، وتضم ميناء برنيس القديم الذي كان يربط بين مصر في العصر الفرعوني ودولة "بنت" في الصومال، وتقع أيضاً في الجهة المقابلة مدينة ينبع السعودية.