دوّامة شح الأدوية وغلاء أسعارها تعصف بالتونسيين

دوّامة شح الأدوية وغلاء أسعارها تعصف بالتونسيين

26 نوفمبر 2021
يواجه التونسيون صعوبات في توفير أكثر من 500 صنف من الأدوية (Getty)
+ الخط -

تطاول تداعيات الأزمة المالية دواء التونسيين الذين يواجهون صعوبات في توفير أكثر من 500 صنف من الأدوية الحياتية وزيادات متواترة في الأسعار، فيما تقر السلطات الرسمية بضعف المخزونات دون تقديم أي حلول لدوامة العجز المالي للصيدلية المركزية المورد الحصري لكل المنتجات الدوائية.

ويتكرر في تونس في السنوات الأخيرة نقص الدواء بسبب عدم قدرة الدولة على سداد المزودين والقيام بالطلبيات المبكرة لتحسين المخزون، غير أن النقص امتد في الأشهر الأخيرة إلى العقاقير الحياتية ليشمل أدوية الأمراض المزمنة.

ومؤخراً أكد وزير الصحة التونسي، علي مرابط، أن بلاده تشكو من نقص حاد في عدد من الأدوية، خاصة منها المخصصة للأمراض المزمنة، متعهداً بتدارك الأزمة في أقرب وقت ممكن.

وقال مرابط إن فريقه "ينوي تكوين مخزون استراتيجي من أدوية الأمراض المزمنة والحياتية لمجابهة أزمة نقص الأدوية"، مفسراً النقص بالأزمة الصحية التي عرفتها البلاد جراء فيروس كورونا، فضلاً عن عدم جلب تونس للمواد الأولية من الخارج.

وأكدت رئيسة غرفة مصنعي الأدوية سارة المصمودي مواجهة مصانع الدواء صعوبات في التزود بمواد أولية ما يسبب اضطرابات في التصنيع وتوزيع الدواء.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وقالت المصمودي لـ"العربي الجديد" إن مصانع الدواء المحلية تضع كل إمكاناتها التصنيعية والبحثية من أجل الحفاظ على مستوى جيد للتزويد وتوفير الدواء للسوق المحلية والموجه للتصدير، غير أن صعوبات التزود بمواد أولية تحدّ من إمكانات تطوير القطاع.

وأفادت المصمودي بأن المصنعين أطلقوا صافرة إنذار في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مطالبين وزارة المالية بإيجاد حلول للتسريع في توريد صنف من الكحول الذي يعتمد كمادة أولية أساسية في تصنيع أدوية تستعمل لمكافحة الأمراض السرطانية.

وتواجه الصيدلة المركزية، المورد الحصري للدواء في تونس، صعوبات مالية ومشاكل سداد المخابر العالمية التي باتت أكثر تشدداً في طلب ضمانات السداد أو الدفع نقداً مقابل مواصلة تزويد تونس بطلبات الدواء.

وبرزت مشاكل السيولة المالية الصيدلية المركزية منذ أكثر من 5 سنوات، ما أثر على قدرتها على خلاص مزوّديها الأجانب، وجعل بعض المزودين يخفّضون تزويد الأدوية ويضعون شروطا للخلاص.

وتفوق ديون الصيدلية المركزية، وفق آخر بيانات رسمية لوزارة الصحة في إبريل/ نسيان الماضي، نحو مليار دينار رغم تدخل الحكومة لفائدتها عام 2019 برصد نحو 500 مليون دينار لإصلاح وضعها المالي.

وبالإضافة إلى نقص التزود بالأدوية وعدم قدرة المستشفيات على صرف الوصفات التي يكتبها الأطباء لفائدة مرضاهم يشكو التونسيون أيضا من ارتفاعات متواترة في سعر الدواء بلغت 8.5% وفق بيانات نشرها معهد الإحصاء الحكومي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال الخبير المالي خالد النوري لـ"العربي الجديد" إن الزيادة في سعر الدواء مرتفعة جداً مقارنة بزيادة أسعار بقية المواد والخدمات الاستهلاكية، مرجحاً أن تبلغ 11% مع نهاية السنة الحالية بسبب تأثير الندرة ونقص الأدوية الناتج عن ضعف المخزونات الموردة في ظل عجر مالي للصيدلية المركزية الحكومية.

والصيدلية المركزية هي المؤسسة الحكومية المعنية بتوزيع الأدوية في السوق المحلية لصيدليات البلاد، وهي تحتكر 47.5% من سوق الدواء في البلاد و100% من تزويد القطاع العام بالأدوية.

ويؤثر الوضع المالي للبلاد وعدم حصول تونس على دعم خارجي على الاستثمارات الصناعية التي تواجه تشدد المؤسسات المالية في فتح الاعتمادات المصرفية لتمويل واردات المواد الأولية، ومن ذلك واردات المواد الأولية المخصصة لصناعة الدواء.

وتُعدّ صناعة الأدوية في تونس من أهم القطاعات الاقتصادية والصحية الواعدة، وقد تمكنت من تحقيق نسبة نمو ناهزت 11% العام الماضي رغم كل الصعوبات التي شهدتها البلاد.

وتشير أحد الأرقام الرسمية إلى أن القيمة الإجمالية للعائدات المالية لتصدير الأدوية التونسية تبلغ حوالي 150 مليون دينار سنويا.

كما تشير المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة إلى أن تونس حققت الاكتفاء الذاتي في تصنيع الدواء المحلي بنسبة 55%، وسط توقعات بأن ترتفع هذه النسبة إلى حوالي 70% في المدى القريب.

ويعمل في قطاع الصيدلة أكثر من 73 مؤسسة تشغل نحو 86 ألف شخص، فيما يعتبر خبراء البنك الدولي أن هذه الصناعة قادرة على مضاعفة فرص العمل المحدثة، في حال إجراء الإصلاحات وتيسير إجراءات الحصول على تراخيص الأدوية والتصدير.

والدواء في تونس من أبرز الصناعات الصاعدة على الصعيد العالمي. وحسب تقارير رسمية تحقّق البلاد إيرادات من الصادرات بنحو 1500 مليون دينار سنويا، منها 70 مليون دينار تأتي من التصدير إلى عديد من البلدان الأفريقية والأوروبية والمغرب العربي، رغم التباطؤ الذي حدث الفترة الأخيرة لبعض البلدان، ومنها ليبيا، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة التي تمر بها. 

ووفق بيانات وزارة الصحة، نمت صناعة الأدوية في تونس بمتوسط سنوي بلغت نسبته 15%، وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي.

المساهمون