دول عربية تواجه أزمة سيولة نقدية... سخط مع حلول العيد

دول عربية تواجه أزمة سيولة نقدية... سخط مع حلول العيد

02 مايو 2022
مصريون يصطفون في طابور أمام إحدى ماكينات الصراف الآلي في القاهرة (فرانس برس)
+ الخط -

"جنيه في اليد خير من ألف في البنك" هكذا يتندر المصريون على حالهم، مع ماكينات الصراف الآلي في البنوك، التي أصيبت بالشلل، منذ الخميس الماضي، وما زالت تبعاتها مستمرة، حتى إشعار آخر، إذ اصطف الناس في طوابير طويلة، طلباً لرواتب وأموال لم يجدوها، في الماكينات.

تأتي رحلة البحث عن النقود في وقت اتخذت فيه الحكومة قراراً، بوقف العمل في البنوك والمؤسسات العامة، لمدة تسعة أيام متصلة، إذ جمعت عدة إجازات سنوية، مع إجازة عيد الفطر، على أن يعود العمل في البنوك وغيرها في اليوم العاشر، الموافق الأحد السابع من مايو/ أيار الجاري.

جاءت الإجازة الطويلة، بعد عودة البنوك من إجازة عيد الفصح التي استمرت 4 أيام، مع تقييد تعاملات المودعين، وانتظارهم لفترات طويلة أمام مداخل البنوك لسحب أموال محددة يومياً.

وسبّب ذلك تدافع العملاء على فروع البنوك في الأيام الأخيرة من شهر رمضان حالة من السخط، وإثارة المشاكل بين الجمهور على أولوية الدخول لسحب مستحقاتهم المالية، فيما طلب موظفو الفروع من العملاء، التوجه إلى ماكينات الصراف الآلي، فامتدت الطوابير إلى مسافات طويلة، ولعدة ساعات.

وما إن أغلقت البنوك، لإجازة تُعَدّ الأطول من نوعها في العالم، فرغت أغلب ماكينات الصراف الآلي من الأموال، أو توقفت عن العمل تماماً، فيما وُضعَت حدود متدنية للسحب في الماكينات التي تعمل.

وانتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لمصريين يتنقلون بسياراتهم للبحث عن ماكينة عاملة أو لا تشهد ازدحاماً من المواطنين، حتى إنّ أحد المواطنين قال إنه اضطر إلى الخروج في أوقات تقترب من حلول الفجر، ظناً منه أنّ هذه الأوقات تشهد ازدحاماً أقل، لكنه فوجئ بأنه ليس الوحيد الذي فكر في ذات الأمر.

البحث عن صراف آلي

تقول صفاء محمد، وهي تهرول تجاه إحدى ماكينات الصرف في مول تجاري ضخم، في مدينة السادس من أكتوبر غرب العاصمة القاهرة: "جئنا على أمل أن نجد مالاً في ماكينات الصرف، التابعة للبنوك العديدة في المول، لأنها بعيدة عن أماكن تجمعات الموظفين والمناطق الشعبية، لكن لا فرق".

تشير صفاء في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّها جربت كلّ السبل للحصول على سيولة مالية، تشتري بها مأكولات العيد، لكنّ "حظي العاثر، سيدفعني إلى البحث عن أماكن أخرى للحصول عليها بأي وسيلة".

وامتدت المشكلة إلى الدفع عبر البطاقات أيضاً في نقاط البيع. وتشيح مي عز الدين بوجهها في امتعاض وهي تقف في طابور طويل داخل "مول سعودي"، لدفع قيمة مخبوزات ولحوم ومأكولات احتياجات العيد، وقد أظهرت ماكينات الدفع صعوبة الحصول على قيمة البضائع، مع استحالة التواصل بالبنك، عبر الإنترنت.

وبعد انتظار، يظهر إشعار بأنّ الدفع حدث بالفعل، لكن لم يظهر أثره على جهاز حسابات المول، بما يتطلب ضرورة دفعها نقداً لقيمة البضائع، على أن تجري تسوية حسابها عبر الإنترنت في نهاية يوم العمل بعد عمل التسوية بين البنك والشركة، لإعادة مستحقاتها المعطلة بين الطرفين.

تترك مي المول ومشترياتها غاضبة، لأنّها فقدت ما لديها في بطاقة الدفع، إلى حين حلّ الأزمة بين الطرفين، ولا تملك في الوقت نفسه النقود السائلة، لشراء مستلزماتها العاجلة للمنزل.

وطاولت الأزمة المتعاملين مع البنوك في جميع المحافظات، بعد أن طبقت الحكومة برنامجاً للشمول المالي، تتباهى بأن وفرت خلاله حسابات وبطاقات بنكية، لنحو 36.8 مليون شخص، من بين 64.4 مليون مواطن، فوق 16 عاماً، خلال السنوات الست الماضية.

وتجبر الحكومة الموظفين والطلاب والمتعاملين مع الجهات الحكومية على حمل بطاقات الصراف الآلي، إذ استهدفت الحكومة في مشروعها الذي يرعاه البنك المركزي، بتمويل من البنك الدولي ومؤسسات مالية دولية، أن يكون لكل مواطن بالغ حساب في البنوك أو البريد المصري أو محافظ الهاتف المحمول والبطاقات مسبقة الدفع، بما قفز ببطاقات مسبقة الدفع عام 2021، إلى 39.88 ألف بطاقة لكل 100 ألف مواطن، وفقاً لتصريحات صحافية لطارق عامر، محافظ البنك المركزي، الأربعاء الماضي.

في المقابل، يؤكد خبراء اقتصاد أن برنامج الشمول المالي يحصل على دعاية ضخمة، مدفوعة الأجر في الصحف والإعلام المحلي، بينما ما زالت البنية التحتية في المصارف ضعيفة، ولا تناسب الزيادة الكبيرة التي تحققت في أعداد المستخدمين على الإطلاق.

ويشير خبراء إلى أنّ الطوابير الطويلة تقع شهرياً أمام فروع البنوك وماكينات الصراف الآلي، ولا يملك الناس، إلا الانتظار أو اللجوء إلى مكاتب البنوك، بينما هذه المرة، تحدث مع فترة إجازات طويلة للغاية، مع حاجة الناس الشديدة للسيولة.

ويأتي تهافت الناس على طلب النقد، لأنّ الأسواق المحلية لا تتعامل بالبطاقات، ولخوف صغار الموظفين والعمال، من تعرضهم لسحب أموالهم، من دون معرفتهم. ومع حالة عدم اليقين في الأسواق بعد تراجع الجنيه، في مارس/آذار الماضي بأكثر من 16%، بدأت بعض الشركات تحصّل عمولة إضافية تصل إلى 2% على قيمة الفاتورة عند الشراء بالبطاقات، أو سداد أموال بالدفع الفوري، أو تشترط الدفع النقدي، لتخوفها من تأخر سحب مستحقاتها لدى البنوك.

ماكينات خارج الخدمة

وتساءل عملاء عن خطط البنوك في تغذية الماكينات، التي فقدت حصيلتها، بينما تصريحات كبار المسؤولين تصرّ على أن الأمور تسير على ما يرام، ولا يصدقون ما ينشره الناس من فيديوهات ومشاعر غضب على شبكات التواصل الاجتماعي، لما يلاقونه من سوء، بحثاً عن أموالهم في ماكينات صرف خارج الخدمة.

موقف
التحديثات الحية

خرج صحافيون اقتصاديون عن المألوف وعبّروا عن ضيقهم من انتشار الطوابير الطويلة، ووصفوها بـ "المأساة"، بعدما فشلوا في التعبير عن ذلك في صحفهم، التي تراقَب بدقة، وتدار من الجهات الأمنية.

واتهم متعاملون الحكومة بالاستخفاف بمصالح المواطنين، بتعطيلها العمل في البنوك والمؤسسات المالية، لفترة طويلة، في وقت حرج، بينما ربط البعض بين خوف الحكومة من رفع الفائدة على الدولار الأميركي، الذي سيحدث في بداية الأسبوع الحالي في الولايات المتحدة، إذ تخشى من ضغوط جديدة على الجنيه، فتحاول التحوط بشأنه، بوقف كلّ التعاملات البنكية ووقف صرف الشيكات والتحويلات الأجنبية، حتى تجد وسيلة لمواجهة "خفض جديد للجنيه".

وتساءلت عالية المهدي، العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، عبر صفحتها على "فيسبوك": "لماذا تحصل البنوك والمؤسسات على كلّ هذه الإجازات الطويلة، وكأننا في دولة حققت كل آمالها وأحلامها وعندها فائض وقت لا تدري كيف تهدره؟".

العودة إلى النقود التالفة في اليمن

وفي اليمن الذي يشهد حرباً منذ نحو سبع سنوات وانهياراً اقتصادياً، لا يبدو المشهد مختلفاً كثيراً، إذ تشهد الأسواق اليمنية أزمة نقدية ومصرفية حادة، مع ارتفاع الطلب على النقود قبيل عيد الفطر، بينما تعجز البنوك وشركات الصرافة عن مواجهة هذه الوضعية في مختلف المدن الرئيسية.

ويعمد كثير من الجهات والدوائر الحكومية والعامة والخاصة إلى صرف رواتب موظفيها عبر البنوك وشركات الصرافة في آخر يومين قبل إجازة العيد، وهو ما يخلق اكتظاظاً هائلاً في هذه المؤسسات النقدية والمصرفية، عدا عمّا تواجهه بعضها من مشكلة حادة في السيولة وقيامها في بعض المدن كالعاصمة صنعاء بتداول الفئات الورقية القديمة التالفة، وهو ما يرفضه كثير من المتعاملين معها.

وانتظرت الحكومة اليمنية إلى قبل حلول إجازة عيد الفطر بأيام قليلة لصرف رواتب شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان للموظفين المدنيين والعسكريين والنازحين في المؤسسات العامة والمحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرتها، وينطبق الوضع نفسه على سلطة صنعاء التي تقسط صرف راتب واحد للموظفين في المؤسسات والدوائر العامة، إذ يُصرَف النصف الأول بداية شهر رمضان، فيما صُرف النصف الثاني في آخر أيام الأسبوع الأخير من شهر رمضان الذي يصادف نهاية إبريل/ نيسان.

وتذمر موظفون مدنيون ومتعاملون في أسواق الصرافة من إجراءات ومواعيد الصرف وما تسببه لهم من معاناة كبيرة في تلبية احتياجاتهم الغذائية والاستهلاكية ومن مستلزمات العيد الضرورية، إضافة إلى ما يسببه الازدحام في المؤسسات النقدية والمصرفية من تأخير واستغلال في تمرير أكبر قدر ممكن من العملة الورقية التالفة المكدسة في المصارف العامة والخاصة واضطرارهم إلى القبول بها رغم أنّ نسبة كبيرة منها غير صالحة للتداول.

ويقول عمران مانع، مالك شركة صرافة في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إنه ليس للشركة يد في صرف العملات الورقية التالفة، لافتاً إلى أنّه يصرف ما تضخه له الجهات المصرفية العامة، كالبنك المركزي في صنعاء وبعض البنوك، وهو ما يعتمد في عملية الصرف.

طوابير في تونس وليبيا

وتواجه الصرافات الآلية للبنوك في تونس ضغطاً في الطلب على النقود، ما يسبب النفاد السريع لمخزوناتها المالية، رغم دعوة البنك المركزي الجهاز المالي إلى تقليص مدة إجازة عيد الفطر وفتح المصارف، يوم السبت الماضي، بغية تلبية طلبات المتعاملين.

وعلى امتداد الأيام الأخيرة تتكدس طوابير المواطنين أمام الصرافات على امتداد فترات اليوم بغية الحصول على الأموال الكافية لقضاء حاجات العيد من ملابس وحلويات ومصاريف تنقل، ما أدى إلى تعطل البعض منها أو استنزافها في وقت قياسي أمام الطلب المكثف على السيولة.

وقال الخبير المالي محمد منصف الشريف، إنّ اللجوء إلى السحب المكثف في فترات ذروة الاستهلاك يتطلب تدخلاً من البنك المركزي التونسي لتوفير السيولة الكافية للبنوك، مشيراً إلى أنّ فترات الأعياد من أكبر المواسم الاستهلاكية.

وفي ليبيا، شهدت العديد من المناطق ازدحاماً لافتاً على ماكينات الصراف الآلي، وسط ضغوط معيشية سبّبتها الصراعات المستمرة وارتفاع الأسعار بفعل موجات التضخم العالمية.

وما زالت الأزمة الاقتصادية العالمية تلقي بظلالها على السوق الليبية، فلم تنتهِ بعد أزمة غلاء أسعار السلع الغذائية وتزايدها خلال شهر رمضان، ليتداخل معها موسم حاجات وملابس العيد.

وتتفاقم مخاوف الليبيين من تردي الأوضاع الاقتصادية بفعل تجدد حرب إغلاقات حقول النفط، في ضوء الانقسامات السياسية واشتعال الصراع على الإيرادات المالية بين فرقاء السلطة، الأمر الذي انعكس سلباً على حياة المواطنين.

المساهمون