دولار مودعي مصارف لبنان عند 3900 ليرة بعد تدخل "فاضح" بالقضاء

دولار مودعي مصارف لبنان عند 3900 ليرة بعد تدخل "فاضح" بالقضاء

03 يونيو 2021
من اعتصام سابق أمام مصرف لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

عُقِدَ اجتماع مالي – قضائي في قصر بعبدا الجمهوري، اليوم الخميس، برئاسة الرئيس اللبناني ميشال عون وحضور حاكم مصرف لبنان (المركزي) رياض سلامة ورئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي إلياس، تقرّر نتيجته اعتبار التعميم رقم 151 الصادر عن البنك المركزي الذي يسمح للمودعين بسحب أموالهم من حساباتهم بالدولار على سعر 3900 ليرة لبنانية ما زال ساري المفعول. واعتبر المتابعون أنّ ما حصل اليوم يعتبر تدخلاً فاضحاً بعمل القضاء اللبناني.

إذ جاء الاجتماع بعدما أصدر القضاء من خلال مجلس شورى الدولة قراراً، أمس الأربعاء، يدعو المصارف إلى سداد الودائع الدولارية بالعملة الأميركية، واعتبر القرار أن سداد الودائع الدولارية بتحديد سعر صرف الدولار عند 3900 ليرة غير قانوني، خاصة أن سعر الدولار في السوق السوداء وصل إلى 13 ألف دولار، ما يعني أن المصارف تسلب اللبنانيين أكثر من 9 آلاف ليرة عند كل دولار.

وقال سلامة، في تصريحٍ من قصر بعبدا، إنّ "الاجتماع خصص للتداول بتداعيات التي نتجت عن إصدار مجلس شورى الدولة قراراً إعدادياً بوقف تنفيذ التعميم رقم 151، وبعد التداول وبما أنّ مصرف لبنان لم يتبلغ صورة صالحة للتنفيذ عن القرار، وبما أنّ مصرف لبنان تقدّم كذلك لدى المجلس المذكور بمراجعة تضمّنت عناصر إضافية جديدة لم تكن واردة في الملف، بناءً عليه تقرر اعتبار التعميم ساري المفعول وستعمل المصارف بموجبه".

وأضاف سلامة "كما أكدنا في الاجتماع التعاون الكامل وضرورة التعامل بين مصرف لبنان ومجلس شورى الدولة لما فيه مصلحة لبنان والتعاطي كله بهذا الإطار".

ورداً على أسئلة الصحافيين حول السبب وراء عدم إعلان إفلاس البنك المركزي، أجاب الحاكم "مصرف لبنان ليس مفلساً وأموال الناس موجودة في المصارف، علماً أنّ لديهم أموالاً أيضاً مع الدولة ولدى القطاع الخاص، وأموالا خاصة في الخارج"، مؤكداً أنه سيصدر تعميماً يرتبط بإعادة الودائع قريباً.

وعلّق مصرف لبنان الأربعاء العمل بالتعميم رقم 151، وذلك استناداً لقرار مجلس شورى الدولة الإعدادي بوقف تنفيذه بعد تبلّغه إيّاه، قبل أن يصدر بياناً في وقتٍ لاحقٍ يؤكد فيه أنه سيتقدّم الخميس بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة حتى يعيد النظر بالقرار الذي اتخذه، نظراً لأهمية التعميم المذكور للاستقرار الاجتماعي ولتنشيط الحركة الاقتصادية.

وقد تردّدت أنباء تفيد بأنّ بعض المصارف اللبنانية سارعت فور صدور قرار مجلس شورى الدولة إلى التوقف عن تسديد صاحب الحسابات بالعملة الدولارية أموالاً وفق سعر صرف 3900 ليرة، في حين عمد مواطنون إلى سحب أموال من ودائعهم على السعر المذكور تخوفاً من تعليق مصرف لبنان العمل به، والعودة إلى اتباع سعر الصرف الرسمي، أي 1500 ليرة، ما من شأنه أن يضرب أكثر من تسعين في المائة من قيمة ودائعهم.

وتلفت عضو اللجنة القانونية في رابطة المودعين، المحامية ديالا شحادة، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ اجتماع قصر بعبدا "كان من المفترض أن يضمَّ ممثلين عن المودعين الذين هم ضحايا الأزمة، لكنه بدل ذلك اقتصر على جهة واحدة ومعسكرٍ واحدٍ واتّسم بالأحادية، وبالتالي فإنّ فحواه لا يتوخّى العدل، وما يحصل هرطقة قانونية"، مؤكدةً أنّ "الاجتماع بالشكل والمضمون كما عُقِد يعدّ تدخلاً سافراً في عمل القضاء الذي يحاول أن يكون للمرّة الأولى مستقلّا في خلاصاته القانونية بما يتعلّق بالأزمات الكبرى".

وأوضحت أنّ: "القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة سليمٌ، حيث إن التعميم الذي شرّع فيه مصرف لبنان تسديد الودائع بغير العملة التي أودِعَت بها أي التسديد البدلي غير قانوني ويجب وقف تنفيذه".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتشدد شحادة على أنّ الوديعة يجب أن تُدفَع بعملة الإيداع نفسها فقط، وللأسف ردود الفعل أتت متفاوتة، خصوصاً أن كثيرين لم يفهموا أصل القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة ومحتواه، ولا سيما بعد الحملة التي شُنَّت عليه وجعلت الناس يعتقدون أنه يرمي إلى عودة تسعيرة الصرف الرسمي فيها، أي 1507 ليرات، هو يقضي بوقف التسديد البدلي بالليرة على سعر 3900 للحساب المفتوح بالدولار الأميركي وتسديد صاحب الحسابات بعملته الأجنبية.

احتجاج ضد مصرف لبنان (حسين بيضون)

وتشير الناشطة الحقوقية إلى أنّ "التسديد البدلي كالمنصة من البدع التي استحدثها مصرف لبنان لتهدئة الشارع، وامتصاص غضب اللبنانيين والمودعين، لكنها مفيدة فقط للمصارف ولإنقاذها من الإفلاس".

وتردّ شحادة على تعليقات ارتبطت بالقرار بأن لا مفعول عملياً له باعتبار أن لا دولار لدى المصارف، بالقول، "يمكن لصاحب الحاجة، والذي يريد أن يستلم وديعته بالليرة بفقدان القسم الأكبر من قيمتها أن يتنازل عن حقه بالاتفاق مع مصرف لبنان، ولكن أن يصدرَ الأخير تعميماً يتخذ فيه القرار عن جميع المودعين، معتمداً سعر صرف بديل لا يساوي شيئاً أمام ارتفاع سعر صرف الدولار من دون البت بعقود جديدة أو إقرار قانون يصدر عن مجلس النواب ذي بُعدٍ قانوني سليم، فهو الانتهاك بحد ذاته".

وتردف "على مصرف لبنان والبنوك إيجاد حلول من أجل إعادة ودائع الناس بالدولار، كالتقسيط على سبيل المثال وهذا أصلاً المسار السليم عند إفلاس المصارف أو عجزها عن إتمام موجباتها، ولكن لا يحق لهم على الإطلاق القول بأنهم لن يعطوا المودعين أموالهم بالعملة التي أودعت بها"، مشددة على أنّ "الوديعة ليست ديناً كما يحاول البعض إظهاره والتذرع بذلك لردّها بالعملة الوطنية، بل هي أقرب للأمانة، ويجب أن تعاد كما هي".

وتعتبر شحادة أنّ "تعميم البنك المركزي ورفض المصارف إعطاء ودائع الناس بالدولار بمثابة ضربة لدستورنا والاقتصاد والتعاقد الحرّ، وحتى لعلاقات لبنان مع المؤسسات المالية والنقدية الدولية، أما الاستقرار المالي فلا يمكن أن يقوم على حساب المودعين بل على إصلاح أصل المشكلة، وهي الإثراء غير المشروع الذي حققه المودعون الكبار ومجالس إدارة المصارف ومن يقف خلفهم من الساسة اللبنانيين، وبما أنّ البلد معظم قضاته غير مستقلّين فالحلّ ميؤوس منه للأسف، حتى تعميم مصرف لبنان الذي صدر القرار بوقف تنفيذه يعدّ أداة لمزيد من الإثراء غير المشروع للمصارف على حساب المودعين".

احتجاج ضد مصرف لبنان (حسين بيضون) 1

من جهته، شدد المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية"، المحامي نزار صاغية، في تغريدة على حسابه عبر "تويتر"، على أنّ "الاجتماع في القصر الجمهوري بين رئيس مجلس شورى الدولة والحاكم بحضور رئيس الجمهورية سابقة خطيرة، بخاصة أن الدعوى ما تزال قيد النظر"، مؤكداً أنها "سابقة تمهد لمزيد من التدخل في القضاء".

وبحسب معلومات "العربي الجديد" فإنّ المحامين الثلاثة باسكال ضاهر وشربل شبير وجيسيكا القصيفي، الذين تقدّموا بالمراجعة لدى مجلس شورى الدولة، يتعرضون منذ صدور قرار المجلس بوقف تنفيذ التعميم 151 لمضايقاتٍ وتهديداتٍ غير مباشرة، خصوصاً عبر "واتساب"، ولم تتح لهم الفرصة بالتصريح إعلامياً بعد الحملات الكبيرة التي استهدفتهم.

على صعيد آخر، عقد اجتماع مالي أيضاً في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون وحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خُصِّصَ للبحث في تأمين تمويل المواد الأساسية المدعومة بالعملة الأجنبية.

وقد افتتح سعر صرف الدولار في السوق السوداء صباح الخميس بـ13200 ليرة للدولار الواحد، مسجلاً ارتفاعاً إضافياً يترجم سريعاً بغلاء فاحش في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية.

من جهتها، حذرت جمعية المودعين في لبنان، في بيان، من أسمتهم بـ"المافيا السياسية والمصرفية" من "التلاعب بأعصاب المواطنين، فوديعة الدولار يجب تحصيلها بالدولار شاء من شاء وأبى من أبى"، مشددة على أنها ستكون دائماً لهم بالمرصاد.

المساهمون