استمع إلى الملخص
- انتقادات لتقرير البنك الدولي من "تحالف الحوكمة الرشيدة" الذي اعتبر الأرقام غير واقعية ولا تعكس الأضرار في قطاعات حيوية، مما قد يؤثر على فرص الدعم الدولي.
- دعوات لمراجعة الأرقام وتعزيز الشفافية، مع تأكيد على أهمية تشكيل لجنة مشتركة مع صندوق النقد الدولي لضمان دقة الأرقام وتبادل المعلومات.
في ظل الدمار الكبير الذي لحق بلبنان جراء العدوان الإسرائيلي، برزت تساؤلات عن دقة الأرقام المعلنة بشأن الخسائر التي تعرض لها البلد، حيث تتفاوت التقديرات بين الجهات المحلية والدولية، ما يثير مخاوف من تأثير هذه الفجوة في حجم الدعم الدولي الذي قد يُقدّم إلى لبنان لإعادة الإعمار. وحسب مراقبين لـ"العربي الجديد"، فإن الدمار الذي حدث في لبنان أكبر بكثير من الخسائر المعلنة، وإن تقليل حجم الكارثة يصبّ في صالح الاحتلال الإسرائيلي ولا يخدم المعتدي عليه.
وبحسب التقرير الأخير الصادر عن بنك النقد الدولي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فإن حجم الأضرار والخسائر على اقتصاد لبنان وقطاعاته الرئيسية وتكلفة الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية بلغت نحو 8.5 مليارات دولار، ودمار نحو 100 ألف وحدة سكنية، وبلغت الأضرار والخسائر في القطاع 3.2 مليارات دولار. وخلص التقييم الأولي للأضرار والخسائر في لبنان إلى أن الأضرار المادية وحدها بلغت 3.4 مليارات دولار، وأن الخسائر الاقتصادية بلغت 5.1 مليارات دولار.
أما وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، فقدّر خسائر الاقتصاد اللبناني في وقت سابق بأكثر من 20 مليار دولار، موضحاً أن إعادة الإعمار قد تتطلب ما بين 20 و30 مليار دولار.
دمار أكبر من المعلن في لبنان
في هذا السياق، صرّح المنسق العام لـ"تحالف الحوكمة الرشيدة"، مارون خولي، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنه عند مقارنة القدرة العسكرية لإسرائيل، بخسائر لبنان البالغة 8.5 مليارات دولار حسب البنك الدولي، يبدو الأمر غير منطقي، فعلى سبيل المثال، صاروخ إسرائيلي تبلغ تكلفته 500 ألف دولار يمكنه تدمير بناية كاملة قيمتها مليوني دولار، هذه المقارنات البسيطة تشير إلى أن الأرقام المعلنة غير واقعية.
وأشار خولي إلى أن تقديرات الخسائر المعلنة تتضمن أرقاماً مثل: 200 ألف شقة متضررة، 45 ألف شقة مدمّرة، و25 ألف مؤسسة صناعية أو تجارية مدمّرة، وإذا احتُسبت هذه الخسائر بأدنى التقديرات، فهي في الواقع تفوق ذلك بكثير، ففضلاً عن الخسائر المباشرة، هناك خسائر غير مباشرة، وهو ما يجعل الرقم الذي صدر عن تقرير صندوق النقد الدولي غير عادل بحق لبنان. وأوضح أن هذا الرقم قد يضر بلبنان، خصوصاً إذا أخذنا حرب سورية نموذجاً، حيث قُدرت تكلفة إعادة الإعمار بـ 250 مليار دولار نتيجة حجم الدمار الهائل.
وأوضح خولي أن الرقم المعلن، (8.5 مليارات دولار)، لا يعكس الواقع الحقيقي. فمثلاً، السفارة الأميركية التي بُنيت أخيراً في لبنان كلفت ملياراً ونصف مليار دولار، ما يعادل تكلفة بناء 5 سفارات، موضحاً أن وزير الاقتصاد قدّر الخسائر بين 20 و30 مليار دولار، بينما قدّرها وزير الطاقة بحوالى 450 مليون دولار في قطاع الطاقة، من دون احتساب الخسائر غير المباشرة، كالركود في القطاع السياحي، وتعطّل المناطق الصناعية، وتأثير الحرب في الاقتصاد الوطني.
وأكد أن الأرقام المعلنة يجب أن تشمل الخسائر المباشرة وغير المباشرة بدقة، لأن التقليل من حجم الخسائر قد يؤدي إلى نقص الدعم الدولي، فكلما كانت الأرقام دقيقة، عكست حجم المأساة، وحفّزت المجتمع الدولي على تقديم الدعم.
الحكومة مُلزمة بإصدار أرقام دقيقة
ووفق خولي، فإن الحكومة اللبنانية مُلزمة بإصدار أرقام دقيقة، مثلما هو الحال بالنسبة إلى قطاع العمالة الذي تضرّر بشدة، حيث يوجد 450 ألف عامل يحتاجون إلى تعويضات مالية، أو إنشاء صندوق بطالة خاص بالحرب، لتقديم الحد الأدنى للأجور إليهم بعيداً عن المساعدات العينية أو الإيواء.
وأضاف أنه رغم صعوبة تحديد حجم الخسائر بدقة بسبب استمرار العدوان، يمكن تقديرها بشكل تقريبي من خلال البلديات، التي تستطيع إحصاء عدد البنايات المدمّرة وتقييم الأضرار بالبنية التحتية، وكان من المفترض أن تضم لجنة الطوارئ لجنة لتقييم الخسائر لتحديد الاحتياجات لإعادة الإعمار.
وشدّد على ضرورة أن تُطالب الحكومة اللبنانية صندوق النقد الدولي بإعادة تقييم الأرقام، لأن المعلن منها ما زال غير دقيق، ولفت إلى أهمية تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة وصندوق النقد لمطابقة الأرقام وتبادل المعلومات.
وأكد خولي "ضرورة عدم تجاهل الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية، حيث إن تجاهل هذه الأرقام أضرّ بلبنان في السابق، كما حدث عند وضعه على اللائحة الرمادية دون ردّ من الدولة. لذا، ينبغي التعامل مع هذه الأرقام بجدية ومتابعتها بدقة".
وأشار إلى أن "تحالف الحوكمة الرشيدة" سيتابع هذا الملف مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء المعنيين لتحديد الأرقام بشكل صحيح وشفاف، واعتبر أن الشفافية والحوكمة الرشيدة أساس حل هذه الأزمة، لأنه لا يمكن الاستمرار في حالة التعتيم والفوضى، خصوصاً مع المنظمات الدولية التي قد تتسبب تقاريرها في أضرار للبنان إذا لم تُقدَّم بيانات دقيقة ومثبتة.
رفض تقرير البنك الدولي
وفي هذا السياق، كان "تحالف الحوكمة الرشيدة" قد أصدر بياناً بعد اجتماع دوري ناقش خلاله تقرير البنك الدولي بشأن تقدير الخسائر والأضرار الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، مؤكداً رفضه التقرير "جملةً وتفصيلاً"، معتبراً إياه غير واقعي، وغير دقيق، وبعيداً كل البعد عن الأرقام الحقيقية للخسائر الكارثية التي لحقت بالوطن.
واعتبر خولي أن "أوجه الاعتراض الأساسية على التقرير تنطلق من تقزيم الكارثة والأرقام الواردة في التقرير، التي قدرت الأضرار والخسائر بنحو 8.5 مليارات دولار، فهذه الأرقام تبخس التضحيات الجسيمة التي تكبدها لبنان، متسائلاً: "كيف يمكن أن تتطابق هذه الأرقام مع حقيقة أن الآلة العسكرية الإسرائيلية المستخدمة في هذا العدوان تُقدر بـ 36.4 مليار دولار؟".
وأشار إلى أن "هذا التقليل من حجم الخسائر يعطي رسالة خاطئة للمجتمع الدولي ويشجع إسرائيل على الاستمرار في حربها الشرسة، لكون الاعتداءات السابقة قُدِّمَت وكأنها ذات كلفة محدودة وغير مؤثرة بلبنان، كذلك فإنّ الأرقام المنخفضة وغير الدقيقة تعيق لبنان عن تقديم صورة حقيقية لحجم الدمار أمام المجتمع الدولي، ما يؤثر بفرص حصوله على الدعم اللازم لإعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي".
ورأى الخولي أن التقرير "لم يأخذ بالاعتبار الأضرار المباشرة وغير المباشرة في قطاعات أساسية مثل الطاقة والنقل والثقافة والمياه، التي تعرضت لدمار هائل"، وأن "القطاعات المتضررة التي أُشير إليها، مثل السكن والصحة والتعليم، أُدرجت بأرقام متواضعة وغير شاملة، ولا سيما أن الانكماش الاقتصادي الذي قدره التقرير بنسبة 5.7% لعام 2024 انعكاس بسيط لما يواجه لبنان من انهيار اقتصادي شامل منذ عام 2019".
ودعا البنك الدولي إلى "مراجعة التقرير وتحديثه بما يعكس الواقع الحقيقي لحجم الخسائر"، مطالباً الحكومة اللبنانية بالتواصل الفوري مع البنك الدولي لتقديم البيانات الدقيقة، وإجراء تحقيق محايد لتقدير حجم الأضرار.
وأهاب بالمجتمع الدولي أن "يأخذ بالاعتبار النتائج الكارثية لهذا العدوان على جميع الأصعدة، والعمل على دعم لبنان بكل السبل الممكنة لإعادة إعماره وتحقيق استقراره"، معتبراً أن "التقليل من حجم الكارثة لا يخدم سوى المعتدي ويظلم الضحية، فيما لبنان يستحق تقريراً يعكس الواقع بصدق وشفافية".