Skip to main content
دعوة ترامب لوقف شراء النفط الروسي.. ردود الفعل وأبرز السيناريوهات
ياسين بن لمنور ــ الدوحة
ترامب خلال استقباله بوتين في ألاسكا، 15 أغسطس 2025 (أندرو كاباليرو / فرانس برس)

أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلا واسعا بعدما دعا دول حلف شمال الأطلسي إلى التوقف عن شراء النفط الروسي، ولوّح بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 50% و100% على الصين بسبب استمرارها في استيراد الخام من موسكو، موجها في الوقت نفسه تهديدات مماثلة إلى الهند. وبينما بدا القرار في ظاهره تصعيدا مباشرا ضد الكرملين، فإن القراءات تباينت بين من اعتبره مناورة سياسية لتأجيل العقوبات الفعلية على روسيا، ومن رآه محاولة لإعادة صياغة قواعد اللعبة في سوق الطاقة العالمية.

ورحّب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطابه المسائي الدوري، بدعوة دونالد ترامب إلى وقف شراء النفط الروسي من قبل دول الناتو. وقال: "إن من بين الأهداف الرئيسية للتحركات الأوكرانية استهداف تجارة روسيا في النفط وموارد الطاقة". وشدّد على أن العقوبات المقترحة لا يجب أن تقتصر على الخام فقط، بل يجب أن تطاول كذلك البنية التحتية لما سماه "أسطول الظل"، من ناقلات وشركات تأمين ووسطاء تجاريين يتعاملون مع روسيا. ونوّه الرئيس الأوكراني إلى أن خفض استهلاك النفط الروسي سيؤدي حتما إلى تقليص قدرة موسكو على مواصلة الحرب، معربا في الوقت نفسه عن امتنانه للشركاء الذين قلّصوا اعتمادهم على الطاقة الروسية، ومؤكدا أن أوروبا باتت أكثر استقلالية بفضل تنويع مصادر الإمداد.

تأثر السوق

وقال الخبير الدولي في مجال الطاقة أحمد طرطار لـ"العربي الجديد" إن دعوة ترامب، وإن لم تلق استجابة في الوقت الراهن، فإنها في المستقبل ستجسد بما أن الحاجة العسكرية تتطلب ذلك، وأشار إلى أن الرابح الوحيد في هذه الحالة هو الولايات المتحدة التي ستعوّض روسيا لتزويد أوروبا بالطاقة الأحفورية. وفي حال الاتفاق على مقاطعة النفط الروسي، قال الخبير طرطار أن ذلك لن يؤثر على أوروبا ولن تكون له تداعيات، لأن ما تستورده أوروبا يشمل فقط دولتين صغيرتين (المجر وسلوفاكيا)، مشيرا إلى أنه ستكون هناك زيادة في الإنتاج من طرف منظمة أوبك، ما سيعطي أريحية لأوروبا.

مناورة أميركية

وتناول الإعلام الأميركي دعوة ترامب باسهاب، وقالت مجلة "نيوزويك" الأميركية (Newsweek) إنها تواصلت مع حلف الناتو للحصول على تعليق وما زالت تنتظر الرد، مضيفة أن أهمية الملف تكمن في استمرار تدفق عائدات النفط إلى روسيا رغم العقوبات الغربية، منوهة بتقرير مركز أصدقاء أوروبا الذي كشف عام 2024 أن موسكو حققت في العام نفسه نحو 16.4 مليار دولار من مبيعات النفط، بزيادة 5% عن 2023، ما يجعل قطاع الطاقة مصدرا رئيسيا لتمويل الحرب. وأشارت المجلة إلى أن المرحلة المقبلة ستتضح من خلال ما إذا كان ترامب سينفذ تهديداته بفرض عقوبات كبرى على النفط الروسي وعقوبات ثانوية على الدول المستوردة له، ومدى تجاوب الحلفاء مع دعوته لفرض رسوم على الصين.

وقال مايكل بيرنباوم، مراسل "واشنطن بوست" في البيت الأبيض الذي سبق له أن غطى جزءا من الحرب في أوكرانيا، إن اشتراط ترامب وقف واردات النفط الروسي من جانب دول الناتو قبل أي عقوبات أميركية ليس سوى "تكتيك للمماطلة" يمنح موسكو متنفسا ويؤخر العقوبات. في حين وصفت وكالة "أسوشييتد برس" الخطوة بأنها "رمزية" تهدف إلى توحيد الموقف الغربي أكثر من كونها تنفيذا مباشرا للعقوبات.

بكين تحذّر ونيودلهي تقاوم

وقبل ساعات من دعوة دونالد ترامب دول الناتو لوقف شراء النفط الروسي، كانت بكين قد بعثت برسائل تحذير واضحة. فقد وصفت صحيفة "غازيتا رو" الصينية (Gazeta ru) أي موقف غربي تجاه بكين يعد، بمثابة "إجراءات أحادية تستهدف المصالح الصينية"، مشيرة إلى أن مثل هذه الخطوات تفتقر إلى أساس القانوني الدولي. وفي السياق نفسه، شدّد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في تصريح نقلته وكالة "شينخوا" الصينية يوم 13 سبتمبر/أيلول 2025، على أن بلاده تدعم أوروبا في سعيها لتحقيق استقلالية استراتيجية حقيقية، لكنها ترفض ما وصفه بـ"الفكرة الخاطئة" المتمثلة في الإضرار بمصالح الصين مقابل عقد صفقات سياسية.

وفي الهند، قالت صحيفة "تايمز أوف إنديا" (The Times of India) إن نيودلهي قاومت ضغوط واشنطن، معتبرة أنه من غير العادل أن تُنتقد وحدها في وقت تواصل فيه الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى شراء كميات كبيرة من الطاقة الروسية. وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة، ورغم أنها لم تفرض عقوبات مباشرة على النفط الروسي، فإنها وضعت سقفا سعريا يسمح بالاستيراد عند مستويات أقل من قيمة محددة.

أوروبا مترددة

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين قد أعلنت، يوم 10  سبتمبر/أيلول 2025، أن الاتحاد الأوروبي يدرس تسريع التخلص من الوقود الأحفوري الروسي ضمن حزمة عقوبات جديدة ضد موسكو، في خطوة تهدف إلى تشديد الضغوط الاقتصادية على الكرملين. بينما نقلت وكالة رويترز أن حظر النفط الخام الروسي المنقول بحرا أدى إلى خفض واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الروسي بنسبة 90%، غير أن المجر وسلوفاكيا ما زالتا تواصلان الاستيراد عبر خطوط الأنابيب، وهو ما يبرز استمرار اعتماد بعض الدول الأوروبية على الطاقة الروسية رغم القيود المفروضة.

انتاج ثابت

إلى جانب هذه المواقف، تبرز الأرقام لتؤكد ثبات الإنتاج الروسي. فقد ذكرت منظمة "أوبك" في تقريرها يوم 11  سبتمبر/أيلول 2025 أن إنتاج روسيا من الخام بلغ 9.173 ملايين برميل يوميا في أغسطس/آب. بينما أكدت الوكالة الدولية للطاقة في اليوم نفسه أن الإنتاج الروسي استقر عند 9.3 ملايين برميل يوميا، وأوضحت إدارة معلومات الطاقة الأميركية  في تقريرها لعام 2024، الصادر في 24 يوليو/تموز 2025، أن إجمالي إنتاج روسيا من سوائل النفط بلغ 10.5 ملايين برميل يوميا. أما الصادرات، فقد وصلت، وفق مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) في تقريره لشهر أغسطس/آب 2025، إلى 25 مليون طن في الشهر، (ما يعادل ستة ملايين برميل يوميا).

أسطول الظل

الجدل الأكبر بعد اقتراح ترامب يتعلق بالأسطول الخفي. إذ كشف مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في تقريره الصادر بتاريخ 10  سبتمبر/أيلول 2025 أن روسيا اعتمدت بشكل متزايد في أغسطس على ما يُعرف بـ"الأسطول الظل" لنقل نفطها الخام ومشتقاته، إذ صدّرته عبر 400  سفينة، من بينها 125 ناقلة خفية، بينها 38 ناقلة يتجاوز عمرها 20 عاما. وحذّر المركز من أن عبور هذه الناقلات القديمة مياه الاتحاد الأوروبي يثير مخاطر بيئية ومالية جسيمة بسبب سجلات صيانتها المشكوك فيها وضعف تغطيتها التأمينية، ما قد يحمّل الدول الساحلية تكاليف تنظيف وتعويض قد تتجاوز مليار يورو في حال وقوع تسرب أو كارثة بحرية.

سيناريوهات محتملة

وعلى مستوى السيناريوهات، أوضح مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في تقريره أن خفض سقف السعر إلى 30 دولارا للبرميل كان سيقلّص إيرادات روسيا النفطية بنسبة 38% في أغسطس/آب وحده، ما يبيّن أن الأداة السعرية هي الأكثر تأثيرا على عائدات موسكو، أما في أوروبا، فقد ذكرت رويترز يوم 13 سبتمبر/أيلول 2025 أن التزاما كاملا بوقف استيراد النفط الروسي لن يغيّر كثيرا في حجم الصادرات، لكنه سيحمل رمزية سياسية ويزيد الضغط على الأسواق الآسيوية، خاصة مع استمرار استثناءات دول مثل المجر وسلوفاكيا عبر خط "أنابيب الصداقة" (دروجبا).

دعوة ترامب وردود الفعل المتباينة التي أثارتها كشفت عن تعقيدات مشهد الطاقة العالمي، حيث تتقاطع الحسابات السياسية مع المصالح الاقتصادية. وبينما تظل أوروبا مقيّدة باعتبارات جغرافية واحتياجات آنية، وتواصل آسيا نهجها البراغماتي في الشراء، يبقى العامل الحاسم هو الأداة السعرية وآليات التنفيذ، فهي وحدها القادرة على تقليص عائدات موسكو بشكل ملموس ودائم. ليبقى مصير مقترح ترامب مرتبطا بمدى التزام الحلفاء جماعيا، لكن التجربة تُظهر أن تشديد السقف السعري وآليات الإنفاذ أكثر فاعلية من مجرد مقاطعة رمزية.