خفض الفائدة الأميركية... كيف ينعكس على دول المنطقة؟

19 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 01:33 (توقيت القدس)
متداولون يعملون في بورصة نيويورك للأوراق المالية في 28 مارس 2025 (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خفض الفائدة الأميركية بنسبة 0.25% يهدف إلى إنعاش الاقتصاد الأميركي في ظل ارتفاع البطالة والتضخم، مما يحفز الأسواق المالية والذهب والمعادن النفيسة، مع توقعات بمزيد من التخفيضات لتحفيز النمو الاقتصادي.

- القرار يفتح المجال لزيادة الاقتراض والاستهلاك في السوق الأميركية، ويوفر للدول العربية فرصة للحصول على قروض بتكلفة أقل، بينما تستفيد دول الخليج من تمويل أقل تكلفة بفضل تصنيفها الائتماني المرتفع.

- خفض الفائدة يغير استراتيجيات المضاربين في الأسواق الأميركية، مع زيادة المضاربات في الذهب والعملات المشفرة والنفط، مما قد يفيد الدول العربية المصدرة للنفط، بينما يتطلب تنويع الاستثمارات العربية للحفاظ على قيمتها.

بعد حالة من الترقب والحذر والضغوط المتبادلة بين البيت الأبيض وصانع السياسة النقدية في الولايات المتحدة، جاء قرار مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" بخفض الفائدة بنسبة 0.25%، ليتراوح السعر بين 4% و4.25%، وبذلك تنتهي فترة امتدت من عام 2022 وحتى الشهر الحالي من رفع سعر الفائدة، والتحسب من تخفيض معدلاته.

ويعد قرار المجلس الفيدرالي الأميركي هذه المرة خطوة للاتجاه نحو سلسلة من التخفيضات المتتالية في سعر الفائدة، لتشهد السوق الأميركية تخفيضاً متوقعًا بنهاية العام الجاري، ربما بنحو 0.50% كما لمّح الفيدرالي في بيانه الصادر مساء الاربعاء، وتخفيضًا آخر بنسبة 0.25% عام 2026..

قضية خفض سعر الفائدة على الدولار كانت واحدة من أهم القضايا المثيرة للجدل بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والبنك المركزي الأميركي، حيث كان ترامب يرغب في الاستجابة لرغباته بخفض سعر الفائدة بسرعة وبمعدلات كبيرة، وهدد غير مرة بعزل رئيس الفيدرالي الأميركي جيروم باول بسبب رفضه وصايا ترامب وضغوطه في هذا الشأن، بينما كان البنك الفيدرالي يرى أن قرار تحديد اتجاهات أسعار الفائدة يتعلق بقضية فنية، ولا تنبغي إدارة السياسة النقدية بقرار إداري أو سياسي.

وأيًا كان المبررات خلف قرار سعر الفائدة الأخير، لأسباب فنية أو رضوخًا لضغوط ترامب، فقد طوى ملف الخلاف بين مؤسسة السياسة النقدية والبيت الأبيض، ولننتظر تأثير القرار وتداعياته على مقدرات الاقتصاد الأميركي والعالمي خلال الفترة المقبلة.  

بداية فإن دلالات تخفيض سعر الفائدة في أميركا تعكس حالة من التأثير القوي للاقتصاد الأميركي على مقدرات الاقتصاد العالمي، حيث أثر قرار تخفيض سعر الفائدة بشكل سريع إيجابيًا على أسواق المال والذهب والمعادن النفيسة، وكذلك تبنت بنوك مركزية في دول أخرى، من بينها دول خليجية، قرارات بتخفيض سعر الفائدة لديها بالنسبة نفسها.

وعلى مستوى مبررات قرار الفيدرالي الأخير، فقد ذهبت تصريحات المسؤولين بمجلس الاحتياط الفيدرالي إلى أن القرار الخاص بخفض سعر الفائدة أتى ليراعي متطلبات إنعاش الاقتصاد الأميركي، حيث ما زالت تأثيرات رفع الرسوم الجمركية سلبية على الأداء الاقتصادي هناك، فعلى صعيد مؤشر البطالة، لا يزال المعدل مرتفعًا، فحسب بيانات أغسطس/آب 2025، بلغ المعدل 4.3%، واستطاع أصحاب الأعمال إضافة نحو 22 ألف وظيفة فقط في أغسطس 2025، وهو معدل منخفض مقارنة بما قبل.

إلا أن المؤشر الأكثر ارتباطًا بقرار سعر الفائدة هو استمرار ارتفاع معدل التضخم، إذ تشير البيانات إلى بلوغه 3.1%، وهو أعلى من المستهدف من قبل البنك الفيدرالي الأميركي عند 2%.، ولذلك كان البعض يستبعد الإقدام على قرار خفض سعر الفائدة، بسبب عدم تحقيق المستهدف بالنسبة للتضخم والهبوط به إلى 2%، بل توقعت مؤسسات مالية قيام البنك برفع الفائدة وليس خفضها.

وهناك توقعات أن يفتح القرار بخفض سعر الفائدة أبوابًا لتحريك السوق الأميركية، من خلال الإقبال على الاقتراض وزيادة معدلات الاستهلاك والاستثمار للإفادة من سعر الفائدة المنخفض. وقد تكون الإفادة في الأجل القصير محدودة، ولكن عندما تتحقق توقعات آخر 2025، وبدايات 2026 بخفض الفائدة بنحو 0.50% و0.25% على التوالي، فقد يكون التأثير إيجابيًا بشكل أفضل على الاقتصاد الأميركي من حيث ارتفاع معدلات النمو وزيادة معدلات التشغيل.

وعلى مستوى تداعيات القرار على أسواق الديون، نلاحظ أنه في الفترة الماضية، صدرت تحذيرات من المؤسسات المالية الدولية (البنك وصندوق النقد الدوليين) من تفاقم أزمة الديون العالمية والمخاطر والتطورات السلبية المتعلقة بها، حيث ارتفع الدين العالمي إلى نحو أربعة أضعاف الناتج المحلي الحالي، ليصل إلى قرابة 400 تريليون دولار، وانعكس ذلك على الدول المدينة، التي اشتكت غير مرة من ارتفاع تكلفة التمويل رغم حاجتها للأموال لتمويل التنمية واحتياجاتها الجارية.

وانخفاض سعر الفائدة في السوق الأميركية والبدء في مسيرة التخفيض لتعود الأسعار إلى ما قبل 2022، حيث كانت بحدود صفر و 0.25%، سوف يدفعان أصحاب رؤوس الأموال وكذلك المضاربين إلى سوق الديون، والبحث في تقديم التمويل اللازمة للدول التي تطلبه من أجل الحصول على أسعار فائدة أفضل من السوق الأميركية.

وعلى صعيد المنطقة العربية، ستكون الدول المدينة، وبخاصة في مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس وغيرها من الدول، أمام فرصة للحصول على المزيد من القروض، والخروج إلى حد ما من ضغوط صندوق النقد الدولي، ولكن تبقى المشكلة لهذه الدول في كونها تعاني من أزمة مزمنة في الديون، ولديها مخاطر تتعلق بتداعيات هذه الديون على مراكزها المالية، وعلى مقدرات موازناتها العامة.

أما في دول الخليج التي اتجهت خلال الفترة الماضية إلى أسواق الديون العالمية بشكل ملحوظ، وبخاصة بعد انخفاض أسعار النفط، فستكون فرصتها أفضل في الحصول على تمويل من تلك الأسواق بتكلفة أقل، وإن كانت هذه الدول تحصل بالفعل على عقود منخفضة التكلفة لديونها مقارنة بغيرها من الدول، نظرًا لارتفاع تصنيفها الائتماني وامتلاكها صناديق سيادية ضخمة. إلا أن الخفض الأخير لسعر الفائدة في أميركا سوف يمكن دول الخليج المقترضة من الحصول على ديون بتكلفة أفضل مما هي عليه الآن.

وبشأن قرار الفيدرالي والمضاربات، فقد ظلت السوق الأميركية فرصة جيدة للمضاربين وأصحاب رؤوس الأموال، من خلال الحصول على سعر فائدة على أموالهم تقترب من 5%، وهو المعدل الأفضل مقارنة بغيره من الفرص البديلة في الأسواق الأخرى، لكن البدء بالتوجه بتبني سياسة تخفيض سعر الفائدة على الدولار سيغير من اتجاه المتعاملين على السندات وسوق الائتمان الأميركية، وبخاصة لدى المضاربين. وينتظر أن تشتعل المضاربات في أسواق الذهب والعملات المشفرة، وكذلك في سوق النفط، ومما سيعود بالفائدة على الدول العربية المصدرة للنفط أن اتجاه المضاربين لسوق النفط سوف يزيد من معدلات الطلب، وبالتالي زيادة أسعاره، وهنا تتحقق ميزة إيجابية للعوائد النفطية للدول العربية المصدرة للنفط.

أما عن التأثير المالي لقرار خفض الفائدة الأميركية على الدول العربية، فنجد أن تلك تنقسم ماليًا إلى قسمين، قسم لديه موارد ورؤوس أموال، وقسم لديه عجز وبحاجة للديون، وقد ذكرنا موقف الدول العربية من الحصول على الديون، ولكن الجديد هنا أن قرار خفض سعر الفائدة من قبل الفيدرالي صاحبه خفض في قيمة الدولار من ناحية، وهو ما سيكون له تأثير سلبي على الإيداعات العربية في السوق الأميركية، من حيث خفض قيمة تلك الثروات، بقيمة تخفيض الدولار.

والمعلوم أن الصناديق السيادية الخليجية تمتلك رؤوس أموال تقدر بنحو 5 تريليونات دولار، وخفض سعر الدولار يفرض ضرورة تنوع سلة العملات التي تتكون منها رؤوس أموال الصناديق السيادية الخليجية. ومن جهة أخرى، فإن خفض سعر الفائدة يعني تراجع معدلات العائد على الاستثمارات الخليجية والعربية في السوق الأميركية، وبخاصة خلال المرحلة المقبلة، بعد أن تصل عملية خفض سعر الفائدة إلى مستهدفاتها، وهذا يتطلب أيضًا رفع قيمة تلك الثروات بتحويلها إلى أصول رأسمالية تحافظ على قيمتها، ولا تكون عرضة لتقلبات السياسة النقدية، سواء في ما يتعلق بسعر الصرف أو سعر الفائدة.

في ظل انخفاض أسعار الفائدة في السوق الأميركية، يتوقع بنسبة كبيرة أن تزيد قيمة الأموال الساخنة في أسواق المال بالدول النامية والصاعدة، وهو ما يتطلب أن تتحسب دول هذه الأسواق بتعقيم اقتصاداتها ضد عدوى التضخم لتدفق هذه الأموال، من خلال تنظيم دخول هذه الأموال وخروجها، بما لا يعرضها لصدمات مالية.

والمتعارف عليه في هذه الحالة أن تفرض ضرائب عالية على تلك الأموال في حال دخولها وخروجها خلال فترة قصيرة، وأن تمنح الأموال التي تستقر لفترات مقبولة إعفاءات ضريبية متدرجة، بحيث تزيد قيمة الإعفاء كلما طال بقاء الأموال في السوق.

المساهمون