خصخصة شركات جيش السودان نافذة للنظام السابق: فساد الإيرادات المخبأة

خصخصة شركات جيش السودان نافذة للنظام السابق: فساد الإيرادات المخبأة

08 يونيو 2022
شركات الجيش ساهمت في تعميق الأزمات الاقتصادية والمعيشية (محمود حجاج/ الأناضول)
+ الخط -

اتجهت السلطة الحاكمة في السودان، خلال الفترة الأخيرة، نحو خصخصة شركات الجيش، في ظل حالة غموض حول ضوابط عمليات البيع المرتقبة، وحجم الإيرادات المخبأة من هذه الشركات طوال الأعوام الماضية، كما ثارت مخاوف من سيطرة رموز من النظام السابق على هذه الشركات عبر شرائها، خاصة مع امتلاكهم الأموال الكافية، وبالتالي اتساع تدخلاتهم في الحياة الاقتصادية.
وتأتي خطوة بيع شركات الجيش أيضاً، وسط أزمة مالية خانقة تمر بها البلاد دفعت الحكومة إلى البحث عن مخارج لها للحد من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتوفير سيولة للإنفاق على بنود الموازنة التي تعاني عجزا كبيرا.

وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم: الحكومة تتجه لخصخصة شركات يملكها الجيش عدا التي تنتج أسلحة

وحسب مراقبين، فإن شركات الجيش كانت من أبرز أسباب الأزمة التي يمر بها الاقتصاد السوداني، وكان لا بد من أن تضع وزارة المالية يدها عليها بصورة نهائية وكاملة من أجل استفادة الدولة منها، بدلا من حالة الغموض التي تحيط أنشطتها وإيراداتها.
وقطع وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، القول أخيراً، بأن بلاده سوف تبدأ تنفيذ خطط لخصخصة الشركات التي يمتلكها الجيش، وتجري في نفس الوقت محادثات مع دول الشرق الأوسط للمساعدة في تمويل الاقتصاد الذي يعاني من نقص التمويل.

وأضاف الوزير، أن الحكومة السودانية لا تزال في طريقها لغلق الكثير من الشركات المملوكة للدولة، وعددها 650 شركة، وخصخصة شركات أخرى، دون أن يحدد عدد وقيمة الشركات التي يملكها الجيش.
ولكن استناداً لبعض البيانات المالية الواردة في تقارير وزارة المالية، وسوق الخرطوم للأوراق المالية، والمراجِع القومي، وغيره، فإن مجموعة الصناعات الدفاعية هي الشكل المؤسسي الذي تم تحت مظلته تجميع عدد من الشركات الفرعية التابعة للجيش، لتكون تحت إدارة موحدة تفعيلاً للحوكمة والمؤسسية.

تقدر أصول وموجودات هذه المجموعة بنحو 750 مليون دولار، تضاف إليها أصول وموجودات بنك أم درمان الوطني بنحو 250 مليون دولار

وتقدر أصول وموجودات هذه المجموعة بحوالي 750 مليون دولار، تضاف إليها أصول وموجودات بنك أم درمان الوطني بحوالي 250 مليون دولار، لتكون القيمة التقديرية لكل استثمارات الجيش في حدود مليار دولار، في حين يقدر آخرون قيمة استثمارات الجيش بأضعاف هذا الرقم.
ومن جانبه، يقول الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز، لـ"العربي الجديد" إن التوجه الذي ينبغي أن نعمل عليه كسودانيين، هو أن ندفع نحو إدراج كل المؤسسات الاقتصادية الكبرى بما فيها المملوكة للجيش وللقوات النظامية الأخرى، في سوق الخرطوم للأوراق المالية، أي البورصة، بحيث تكون مفتوحة لمساهمات المواطنين والمستثمرين، ومعروضة حساباتها بشفافية، حسب قانون السوق.

إلا أن الاقتصادي السوداني، عادل خلف الله، يرى أنه "من الغريب أن يعلن وزير في الحكومة السودانية هذا الموقف، وكان ينبغي عليه أن يكون حريصا على أن تكون هذه المؤسسات العسكرية دائمة المساهمة في الإيرادات العامة".

واعتبر خلف الله تصريح الوزير بخصوص وجود شركات تابعة للقوات المسلحة، أنه يأتي في إطار استكمال الخطة التي وضعتها حكومات النظام السابق منذ فبراير/ شباط 1992 تحت بند الخصخصة.

وأضاف أن تقييم التجربة السابقة للخصخصة يبين أنها أذهلت الشعب بسبب حجم فسادها.
أكد خلف الله لـ"العربي الجديد" أن الخصخصة على نطاق واسع تراجعت على مستوى كافة الدول، ولكن اللافت للنظر أن الإجراء الحالي تزامن مع الموقف السلبي من لجنة التفكيك، حيث استعاد كثير من رموز النظام السابق (نظام عمر البشير) أملاكهم، خاصة ما يتعلق بفك تجميد وحظر الحسابات التي تتبع لهم.
وأضاف أن القرار في توقيته بوضع المؤسسات العسكرية على طريق الخصخصة وتحويلها إلى شركات مساهمة عامة يهدف إلى تمليك عناصر النظام السابق لتلك المؤسسات، الأمر الذي يدعو إلى استنهاض الهمم والعاملين في المؤسسات المدنية للحيلولة دون ذلك.

قدّرت عدد الشركات التابعة للجيش بنحو 200 شركة تعمل في مجالات حيوية، منها 34 شركة تابعة لوزارة الدفاع تشمل شركات الأمن الغذائي

وحسب بيانات سابقة، قدّرت عدد الشركات التابعة للجيش بنحو 200 شركة تعمل في مجالات حيوية، منها 34 شركة تابعة لوزارة الدفاع تشمل شركات الأمن الغذائي، الكيميائيات والخدمات التقنية الطبية المحدودة، التأمين وإعادة التأمين، وغيرها.

وشرعت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في الحكومة السابقة فعليا في حصر شركات الجيش والشركات الحكومية، ونشرت على موقعها الإلكتروني مصفوفة أولية إلا أن عملية الحصر لم تستكمل.

الخبير الاقتصادي خالد التجاني النور، تساءل عن عدم وجود شفافية من وزارة المالية في طرح شركات الجيش للبيع. وأضاف لـ"العربي الجديد": "لا يعقل أن يسمع السودانيون بطرح أمر يهمهم من وسائل إعلام خارجية".
وقال: "ما هي الشركات التي ستطرح ورؤوس أموالها، مشيراً إلى حديث يدور في الخفاء عن وجود شركات إسرائيلية زارت الخرطوم ستدخل في هذه الشركات برؤوس أموال كبيرة".

وقرن التجاني النور ذلك بحديث وزير المالية الذي أوضح أن الحكومة تجري محادثات لتنفيذ خطة مع دول الشرق الأوسط، قائلا: "هذا سؤال كبير ومهم، حيث أظنها دعوة لتلك الشركات لتكون طرفا في عمليات الخصخصة".
وقال وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، أول من أمس، لوكالة بلومبيرغ إن الحكومة تتجه لخصخصة شركات يملكها الجيش عدا التي تنتج أسلحة، ضمن مساع لتخفيف حدة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان، لـ"العربي الجديد" إن تصريحات وزير المالية بخصوص تحويل شركات الجيش إلى شركات مساهمة عامة هي جزء من الإصلاحات الاقتصادية التي التزمت بها حكومة عبد الله حمدوك السابقة لصندوق النقد الدولي ومجموعة أصدقاء السودان، في إطار خطة لتصحيح الاختلالات في الاقتصاد السوداني.

المساهمون