خسائر موثقة بتقارير مالية لشركات دعمت إسرائيل
استمع إلى الملخص
- اعترفت شركات مثل "كوكاكولا" و"ستاربكس" بتأثير المقاطعة في تقاريرها السنوية، مما يعكس خطورة الحملة على استقرارها المالي وسمعتها، ودفعها لتبني استراتيجيات تسويقية جديدة.
- أدت المقاطعة إلى إغلاق 60 ألف شركة إسرائيلية وتراجع السياحة بنسبة 70%، كما تضررت شركات أميركية مثل "دومينوز" و"ماكدونالدز"، وتحولت المقاطعة إلى حركة جماهيرية واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
في تحوّل يعكس البعد الاقتصادي للمقاطعة الشعبية، تواجه شركات كبرى عالمية اتهامات متزايدة بالتورط في دعم إسرائيل، ما جعلها عرضة لخسائر مالية متراكمة انعكست بشكل واضح في الأسواق العالمية. وتكبّدت أسهم تلك الشركات تراجعات وصلت إلى 15%، وسط تصاعد حملات المقاطعة التي باتت تحظى بزخم شعبي متنامٍ منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ورغم محاولات هذه الشركات الالتفاف على الحملات عبر إنفاق ملايين الدولارات في الدعاية والإعلان، فإن تقاريرها السنوية الأخيرة بدأت تكشف حجم الضغط الممارس عليها. وظهر مصطلح "المقاطعة" للمرة الأولى بشكل صريح في التقارير السنوية للشركات المستهدفة، وهو ما اعتبره خبراء مؤشراً على إدراك عميق لتأثير هذه الحملات على سمعة الشركات ومكانتها في الأسواق الدولية.
خسائر متراكمة
قال عضو هيئة التدريس في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة بهتشه شهير التركية، براق دوغان، لـ"الأناضول"، إن الخسائر الأولية لحملات المقاطعة بدت جلية في أسواق المال. وقال، وهو أحد المشاركين في إعداد تقرير لمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي التابع لمؤسسة "إلكه" (مقرها إسطنبول): "قمنا بدراسة آثار المقاطعة خلال الفترات الأولى من الحرب على غزة، ولاحظنا أن أسعار أسهم الشركات المستهدفة تراجعت بين 10 و15%".
وأوضح أن بيانات عام 2024 عكست بوضوح بداية مرحلة جديدة من التراجع في مبيعات تلك الشركات، خصوصاً في تركيا، حيث انكسر مسار النمو التصاعدي الذي كانت تسجله خلال السنوات السابقة. وأكد أن هذا التراجع لم يكن ظرفياً أو قصير الأمد، بل استمر على مدى عدة أرباع مالية متتالية، ما يعني أن أثر المقاطعة أصبح جزءاً من المشهد الاقتصادي طويل المدى.
وأشار دوغان إلى أن حملات المقاطعة ضد منتجات مرتبطة بإسرائيل ليست جديدة، إذ تعود بدايتها إلى عام 2005، حين أعلنت أكثر من 170 منظمة مجتمع مدني فلسطينية "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات". وهذه الحملة التي سرعان ما تحولت إلى حركة عالمية، استهدفت شركات متعددة الجنسيات أبرزها "مايكروسوفت"، و"إنتل"، و"كارفور"، و"شيفرون"، وغيرها من الشركات المتهمة بدعم إسرائيل واستدامة منظومتها الاقتصادية.
المقاطعة موثقة رسمياً
ولفت دوغان إلى أن بعض الشركات العملاقة لم يعد بإمكانها إنكار أثر المقاطعة؛ فقد اضطرت شركات مثل "كوكاكولا" و"ستاربكس" إلى الاعتراف بشكل غير مباشر بتأثير هذه الحملات، حيث ظهر مصطلح "المقاطعة" لأول مرة في تقاريرها السنوية الأخيرة. وأضاف: "في تقرير كوكاكولا وردت كلمة المقاطعة مرة واحدة، بينما وردت في تقرير ستاربكس ست مرات". واعتبر أن هذا التغير في الخطاب المؤسسي يعكس إدراكاً عميقاً من قبل هذه الشركات لخطورة الحملة على استقرارها المالي وسمعتها التجارية، مؤكداً أنها لجأت في المقابل إلى استراتيجيات تسويقية وإعلانية مكثفة لمواجهة التأثير المتصاعد.
الضغط الشعبي
وشدد الأكاديمي التركي على أن الأثر الحقيقي للمقاطعة يكمن في الاستمرارية، مشيراً إلى أن الأهم ليس انضمام مقاطعين جدد، بل استمرار الذين بدأوا بالمقاطعة في موقفهم، مؤكداً أن الشركات بالفعل تتعرض لخسائر جسيمة. وطالب دوغان المقاطعين بالاستمرار في تبني هذه المنهجية، مؤكداً أن تراكم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية قد يساهم في خلق وعي عالمي جديد، يمكن أن ينعكس في نهاية المطاف على السياسات الإسرائيلية. وختم بالإعراب عن أمله في أن يؤدي هذا الوعي إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وجراء المقاطعة الاقتصادية، أعلنت شركات غربية إغلاق أبوابها في بعض دول المنطقة، مثل "كارفور" و"كنتاكي" و"بيتزا هت"، بالإضافة إلى تضرر الاقتصاد الإسرائيلي نفسه. وبحسب موقع مختص بالاقتصاد الإسرائيلي، فإن 60 ألف شركة إسرائيلية أغلقت أنشطتها عام 2024. كما تراجعت السياحة الوافدة إلى إسرائيل بنحو 70% خلال العام الماضي مقارنة مع 2023، حيث انخفضت إلى 952 ألف سائح في 2024 بعدما كانت 3 ملايين سائح في 2023، وفق مكتب الإحصاء الإسرائيلي. كذلك، تضررت العديد من الشركات الأميركية جراء المقاطعة الشعبية، مثل "دومينوز"، و"ماكدونالدز"، و"ستاربكس".
مع اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، اكتسبت حملات المقاطعة زخماً غير مسبوق، إذ انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع، وتحولت من مبادرات فردية إلى حركة جماهيرية واسعة طاولت أسواقاً عربية وغربية على حد سواء. هذا التوسع كشف أن المقاطعة لم تعد مجرد شعار سياسي، بل أصبحت أداة ملموسة لها آثار مالية حقيقية، إذ اضطرت بعض الشركات لأول مرة إلى الاعتراف بذكر مصطلح "المقاطعة" في تقاريرها السنوية. هذا التطور يعكس انتقال المقاطعة من مجرد احتجاج رمزي إلى إحدى أدوات الضغط الاقتصادي الفاعلة، التي باتت قادرة على إرباك الأسواق، والتأثير على قرارات شركات كبرى، وخلق وعي عالمي جديد بمسؤولية المؤسسات في النزاعات الدولية.
(الأناضول، العربي الجديد)