استمع إلى الملخص
- معدلات الفقر تجاوزت 90% مع انعدام فرص العمل، مما يدفع السكان للاستدانة أو بيع ممتلكاتهم لتغطية الاحتياجات الأساسية، بينما ارتفعت أسعار الوقود بشكل جنوني، مما جعل التنقل رفاهية لا يقدر عليها معظم السكان.
- النازحون يواجهون تحديات مضاعفة في أماكن نزوحهم، حيث تتضاعف الأسعار وتلتهم المدخرات، مما يحول الحياة اليومية إلى معركة للبقاء وتأمين أبسط مقومات العيش وسط انهيار الاقتصاد المحلي.
باتت الحياة اليومية لسكان قطاع غزة مثقلة بتكاليف لم يعرفوها قبل حرب الإبادة التي تقترب من إكمال عامين، فلم يعد الهمّ يقتصر على النجاة من القصف والنزوح، بل أصبحوا يواجهون أعباء إضافية تستنزف ما تبقى لديهم من قدرة على الصمود. وخلال شهور الحرب الممتدة، تحوّل الماء العذب إلى سلعة نادرة تُشترى يومياً والحطب صار الوسيلة الوحيدة للطهي بعد انقطاع الغاز فيما غدت عملية شحن الهواتف والكشافات ضرورة لا غنى عنها لمواجهة الظلام الطويل الذي يفرضه غياب الكهرباء المستمر.
هذه النفقات الطارئة وإن بدت بسيطة في ظاهرها سرعان ما تتحول إلى عبء ثقيل، خاصة أن معظم الأسر لا تملك دخلاً في ظل تراكم الأزمة الاقتصادية بغزة خلال سنوات الحصار وانفجارها بالكامل مع الحرب الجارية، لتدفع السكان إلى حافة الانهيار الاجتماعي والاقتصادي.
وقال الفلسطيني شادي غراب (27 عاماً): "يومياتي باتت محصورة في البحث عن وسائل لتأمين الحاجات الأساسية لعائلتي، فأضطر لشراء الحطب لطهي الطعام بعد أن انقطع الغاز منذ بداية الحرب، وكذلك شراء المياه العذبة للشرب بعدما تعطلت شبكات التوزيع، حتى شحن الهاتف والكشاف أصبح بنداً ثابتاً من مصاريفي اليومية، وهذه التكاليف كلها من دون وجود أي دخل".
وأضاف غراب الذي يقطع في مخيم النصيرات في حديث لـ"العربي الجديد": "كل يوم عليّ أن أبحث عن مال لا أملكه، بينما أبسط احتياجاتي تكلفني الكثير، فهذه المصاريف الصغيرة في ظاهرها باتت تفوق طاقتي، خصوصاً أنني كنت أتلقى راتب جريح وهو متوقف منذ بداية الحرب".
وتزيد الخلفية الاقتصادية من قتامة المشهد، إذ تجاوزت معدلات الفقر في غزة حاجز الـ90% فيما انعدمت فرص العمل تقريباً، لتبدو التكاليف اليومية للأسر عبئاً يعادل قوت يوم لعائلة كاملة. وأكد الفلسطيني عماد أبو الطرابيش (32 عاماً)، النازح من مخيم جباليا إلى منطقة الرمال بمدينة غزة، أنه يحتاج يومياً إلى نحو 25 شيكلاً (الدولار= 3.3 شواكل) لتغطية احتياجات أسرته الأساسية من مياه وحطب وشحن للهاتف وغيرها.
وقال أبو الطرابيش في حديث لـ"العربي الجديد": "قد يبدو المبلغ بسيطاً، لكن في ظل انعدام الدخل فهو تحدٍ كبير، كل يوم أحتاج أن أستدين أو أبيع شيئاً من أغراضي، حتى زيارة أهلي أو التنقل لمكان آخر أصبحت صعبة، المواصلات مرتفعة الثمن ولذلك لا أتنقل إلا للضرورة القصوى".
ومنذ اندلاع الحرب، قفز سعر لتر الوقود من نحو خمسة شواكل إلى أكثر من 130 شيكلاً في السوق السوداء، وهذا الارتفاع الجنوني في أسعار الوقود جعل التنقل شبه مستحيل، وحوّل المواصلات إلى رفاهية لا يقدر عليها معظم السكان. وختم أبو الطرابيش حديثه: "حين يصبح البقاء على قيد الحياة مرهوناً بامتلاك 25 شيكلاً يومياً، فهذا يعني أننا نعيش مأساة لا توصف ومجرد التفكير في الغد يتحول إلى كابوس يثقل صدورنا".
معاناة متواصلة في غزة
وتروي آلاء العطل (34 عاماً)، والتي نزحت من مخيم جباليا إلى خانيونس، معاناتها بعد النزوح قائلة: "اضطررنا للانتقال من جباليا في شمال غزة إلى مواصي خانيونس، لكن النزوح لم يكن خلاصاً، بل بداية لمعاناة جديدة، فأضطر يومياً إلى شراء المياه والحطب إلى جانب دفع مبالغ إضافية للتنقل وشحن الكشافات والهواتف.
وقالت العطل في حديث لـ"العربي الجديد": "الحياة هنا قاسية، والأسعار مضاعفة في السوق، حتى أبسط الأشياء ندفع ثمنها أضعافاً، هذه المصاريف تلتهم ما تبقى لديّ من مدخرات، في وقت نضطر لدفع المال مقابل أبسط الخدمات". وختمت حديثها: "لم نكن نتصور أن حياتنا ستنحصر في مطاردة أبسط مقومات العيش، ماء نظيف للشرب وحطب للطهي ونور من كشاف نعيد شحنه كل يوم، لقد تحولت تفاصيل حياتنا إلى معركة يومية مرهقة، لا نبحث عن رفاهية ولا حتى عن راحة بل عن مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة وسط واقع يزداد قسوة يوماً بعد الآخر".
ويصف صالح مطر (37 عاماً) والذي يسكن مخيم المغازي وسط قطاع غزة، وضعه بأنه "حياة بلا استقرار"، قائلاً: "أصبحت مضطراً لتحمل مصاريف يومية جديد، هذه النفقات لم تكن جزءاً من حياتي من قبل، لكنها الآن أساسية رغم أنني أعمل بدخل ثابت في السوق بقيمة 50 شيكلاً يومياً".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "حتى أبسط الأمور مثل شرب ماء نظيف أو إضاءة لمبة أصبحت تكلفني مالاً لا أملكه، أشعر أن كل يوم هو اختبار جديد للبقاء، اضطر لدفع ربع راتبي اليومي لهذه المصاريف التي باتت ثابتة يومياَ".
وتشير تقارير اقتصادية حديثة إلى أن ما يحدث في غزة هو انهيار شامل للاقتصاد المحلي، بعد أن تراجعت القدرة الشرائية إلى أدنى مستوياتها وتوقف الإنتاج تقريباً. هذه المعطيات جعلت السكان يعيشون على هامش الحياة ويدفعون أثماناً مضاعفة مقابل أبسط أساسيات المعيشة.