خدمات التوصيل في ليبيا... قطاع اقتصادي ناشئ بمواجهة البطالة
استمع إلى الملخص
- صالح الزرق، خريج تقنية طبية، يعمل في التوصيل عبر التطبيقات بسبب عدم توفر وظائف في تخصصه، مما يعكس توفير دخل متواضع للشباب خارج الأطر الرسمية وبدون ضمانات اجتماعية.
- الخبير الاقتصادي حسين البوعيشي يقترح تنظيم قطاع التوصيل لتحويله إلى صناعة تسهم في تقليل البطالة، رغم التحديات الاقتصادية والانقسام المؤسساتي في ليبيا.
بينما يعاني الاقتصاد الليبي من تباطؤ شديد وتراجع فرص العمل في القطاعات العامة والخاصة، وجد آلاف الشباب في خدمات التوصيل نافذةً ضيقةً للتغلب على البطالة التي تحاصرهم منذ سنوات. داخل أحد أحياء العاصمة طرابلس، ينطلق عبد الوهاب القاضي، وهو شاب في الثالثة والثلاثين، بدراجته النارية محملاً بالطلبات.
يروي القاضي لـ"العربي الجديد" كيف بدأت قصته مع هذا النشاط قبل سنوات، قائلاً: "بدأت بشكل بسيط عبر دراجة نارية لإيصال الطلبات القريبة. شيئاً فشيئاً أصبح لدي زبائن دائمون، ثم كوّنت شبكة صغيرة من المتعاونين. لم أكن أتوقع أن يصل دخلي إلى 2900 دينار (نحو 527 دولاراً)، الذي تمكنت بفضله من إعالة أسرتي". بالنسبة إلى عبد الوهاب، لم يكن قطاع التوصيل مجرد مهنة مؤقتة، بل بديلاً فرضته ظروف البطالة وانعدام فرص العمل المستقرة. لكنه يقرّ بأن "العمل يظل مرهقاً وغير مضمون، ومع ذلك يبقى أفضل من الانتظار بلا أمل".
على الضفة الأخرى من التجربة، يقف صالح الزرق، خريج تقنية طبية في تخصص الصحة العامة. بعد سنوات من الدراسة، لم يتمكن من العثور على وظيفة تناسب شهادته. لجأ بدوره إلى خدمات التوصيل عبر التطبيقات الهاتفية، لكن دخله ظل محدوداً وغير منتظم. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يكن هذا ما حلمت به بعد التخرج. حلمي كان أن أعمل في مستشفى أو مركز صحي. اليوم أنا أوصل الطلبات بين الأحياء. هو الخيار الوحيد المتاح أمامي، وأغلب زملائي يعيشون الوضع نفسه".
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حسين البوعيشي، إن "انتشار خدمات التوصيل يعكس جانبين متناقضين، فمن جهة، ساهمت هذه الخدمات في توفير دخل، ولو متواضعاً لآلاف الشباب، وأعطت دفعة لحركة البيع والشراء داخل المدن". لكنه ينبه من جهة أخرى إلى أن "هذا النشاط يحصل خارج الأطر الرسمية، بلا إحصاءات دقيقة، ويُحرَم الاقتصاد عوائد ضريبية محتملة، ويبقى العاملون فيه بلا أي ضمانات اجتماعية أو تأمين صحي".
وأضاف البوعيشي لـ"العربي الجديد"، أنه "إذا نُظِّم القطاع بآليات واضحة، يمكن أن يتحول من مبادرات فردية إلى صناعة قائمة بذاتها، تسهم في امتصاص البطالة وتوفير فرص عمل دائمة، شرط تطوير البنية التحتية الرقمية والطرقية، ووضع تشريعات حديثة تستوعب هذا النشاط". تأتي هذه الظاهرة في بلد يواجه تحديات مركّبة: انقسام مؤسساتي، هشاشة البنية التحتية، واعتماد شبه كلي على عائدات النفط، ففي شوارع طرابلس وبنغازي ومصراتة، بات مشهد الدراجات النارية وسيارات التوصيل جزءاً من الحياة اليومية. ورغم أن هذه الخدمات وفرت متنفساً لآلاف العاطلين، إلا أنها لم تخرجهم من دائرة الهشاشة الاقتصادية.
يقول نزار عريبي الذي يعمل في مجال خدمات التوصيل، إنها "مجرد حل مؤقت"، مضيفاً قبل أن ينطلق مجدداً في جولة جديدة من التوصيل: "لكن على الأقل، أشعر أنني أعمل وأكافح من أجل عائلتي". وبلغت مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي الليبي 25.4% وفق بيانات البنك الدولي لعام 2023، فيما تواجه نحو 60% من الأسر صعوبات في الحصول على الخدمات الأساسية. كذلك سجلت البلاد معدل بطالة يقارب 30%، ما يزيد من الضغط الاجتماعي ويحد من قدرة الدولة على تقديم الدعم لمواطنيها.
(الدولار= 5.5 دنانير ليبية)