حمى شراء الذهب وبيتكوين تجتاح العالم

22 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 03:06 (توقيت القدس)
اسعار الذهب مرشحة لمزيد من الصعود، 5 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتجه المدخرون نحو الذهب والبيتكوين كملاذات آمنة لحماية القوة الشرائية من تآكل العملات الوطنية، خاصة مع خفض أسعار الفائدة وتزايد المخاطر الاقتصادية.

- الطلب على الذهب يرتفع بشكل ملحوظ، حيث تواصل الصين والهند تصدر قائمة المشترين، وتعمل البنوك المركزية على تعزيز احتياطياتها من الذهب كاستراتيجية لتنويع الأصول.

- البيتكوين تبرز كملاذ رقمي، مع تزايد التبني الشعبي رغم تقلباتها، وتُعتبر وسيلة لحماية المدخرات وتسهيل التحويلات المالية، لكنها تبقى محفوفة بالمخاطر.

في عام تتزاحم فيه الأخبار عن العجز القياسي والتضخم والديون المتفاقمة وارتفاع تكاليف الفائدة، يتجه جزء متزايد من المدخرين حول العالم إلى ما يعتبرونه أصولاً صلبة أو آمنة، سواء أكان ذهباً يمكن لمسه واقتناؤه، أو حتى عملة بيتكوين الرقمية التي كان ينظر إليها قبل سنوات خياراً هامشياً للمغامرين في أسواق العملات المشفرة، ثم تحولت تدريجياً إلى سلوك دفاعي شعبي يهدف إلى حماية القوة الشرائية من التضخم وتهديدات تآكل العملات الوطنية، كونها لا يمكن طباعتها أو التحكم فيها بقرار حكومي.

ومن المتوقع زيادة هذه الموجة من شراء الذهب والعملات الرقمية، عقب إجراء خفض ملحوظ في أسعار الفائدة على العملات الرئيسية، وفي مقدمتها الدولار واليورو، وتنامي المخاطر الاقتصادية، خاصة داخل أوروبا والولايات المتحدة. ومع اختلاف دوافع المدخرين حول العالم من آسيا إلى أميركا، ومن الأسواق المتقدمة إلى الناشئة، حول العودة إلى شراء الذهب أو بيتكوين، إلا أن السبب، بحسب محللين، قد يكون في الغالب واحداً، وهو البحث المحموم عن ملاذ خارج النقود الورقية أو العملات الوطنية، والبحث عن عائد استثماري مناسب، خاصة مع تراجع أسعار الفائدة على العملات.

تكثيف شراء الذهب

تظهر متابعة الأسواق أن الطلب الشعبي على الذهب لم يهدأ رغم ارتفاع الأسعار إلى قمم تاريخية، فقد أفادت "رويترز" بأن أقساط الذهب التي يدفعها المشترون في الهند قفزت هذا الأسبوع إلى سبعة دولارات للأونصة فوق السعر المحلي الرسمي، وهو أعلى مستوى منذ عشرة أشهر، مع اقتراب مواسم الشراء التقليدية مثل دشيرا وديوالي، رغم أن الأسعار المحلية لسبائك العشرة غرامات بلغت مستوى قياسياً عند نحو 110,666 روبية (1253 دولاراً).  وأكد متعاملون أن موجة الصعود الأخيرة عززت قناعة الأفراد بأن الذهب سيواصل الارتفاع، ما دفعهم إلى تكثيف المشتريات من العملات والسبائك الصغيرة. وفي الاتجاه نفسه، أظهرت بيانات الجمارك السويسرية أن صادرات الذهب إلى الصين قفزت في أغسطس/آب الماضي بنسبة 254% مقارنة بيوليو/تموز، لتسجل أعلى مستوى منذ مايو/أيار 2024، في إشارة إلى أن عودة الطلب الآسيوي لا تنحصر في الهند وحدها، بل تمتد إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم.

وتدعم هذه المؤشرات الميدانية قراءات أوسع للسوق؛ فوفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي، ارتفع الطلب الإجمالي على الذهب في الربع الثاني من 2025 إلى 1249 طناً، بزيادة 3% على أساس سنوي، رغم المستويات القياسية للأسعار. وسجلت صناديق الذهب المتداولة عالمياً تدفقات صافية قدرها 170 طناً خلال الربع نفسه، بينما ارتفعت أصول صناديق الذهب الهندية إلى أكثر من 8.3 مليارات دولار مع تدفقات صافية شهرية بلغت نحو 252 مليون دولار في أغسطس/آب الماضي، وهو أعلى مستوى منذ سبعة أشهر. ويذهب محللو بنوك استثمارية كبرى إلى أن ديناميات العرض والطلب، مقرونة بمخاطر الديون السيادية، قد تبقي الذهب في مسار صعودي ممتد، إذ رفعت مؤسسات مثل "دويتشه بنك" الألماني توقعاتها لسعر الذهب إلى أربعة آلاف دولار للأونصة بحلول 2026، مشيرة إلى أن شراء الاحتياطيات الرسمية والطلب الاستهلاكي في آسيا يخلقان أرضية دعم صلبة للأسعار. 

خريطة الطلب العالمي

تتصدر الصين والهند قائمة أكبر المشترين للذهب عالمياً، حيث تمثلان معاً أكثر من نصف الطلب الاستهلاكي العالمي على المجوهرات والسبائك والعملات. ففي الهند، بلغ إجمالي الطلب على الذهب في النصف الأول من 2025 نحو 385 طناً، بدعم من مواسم الأعياد والزفاف التي تشكل ذروة الطلب الموسمي. أما في الصين، فقد سجل الطلب الكلي نحو 505 أطنان خلال الفترة نفسها، مدفوعاً بزيادة الإقبال على السبائك والعملات ملاذاً آمناً وسط تقلبات سوق العقار وتباطؤ النمو الاقتصادي. ورغم تراجع طفيف في الطلب على المجوهرات مقارنة بالعام الماضي، ظل الاستثمار في السبائك يحافظ على مستويات قوية، ما أبقى الصين في صدارة المستهلكين العالميين للذهب، بحسب بيانات الجمارك السويسرية.

وعلى صعيد البنوك المركزية، واصل البنك المركزي الصيني إضافة الذهب إلى احتياطياته للشهر التاسع على التوالي، ليرتفع الإجمالي إلى أكثر من 2264 طناً، فيما جاءت بولندا وتركيا بين أكبر المشترين الرسميين للذهب في 2025، إذ أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي أن بولندا أضافت منذ بداية العام وحتى مايو نحو 67 طناً إلى احتياطياتها، ليرتفع إجمالي حيازتها إلى نحو 515.5 طناً، وهو أعلى مستوى تاريخي للبنك الوطني البولندي. أما تركيا، فأضافت نحو 11 طناً في الربع الثاني من 2025، ليصل إجمالي احتياطياتها الرسمية إلى حوالي 635 طناً من الذهب، وفق بيانات موقع تريدينغ إيكونوميكس، وتبلغ قيمتها السوقية نحو 64.3 مليار دولار بحسب بيانات منصة سييك (CEIC) حتى ديسمبر/كانون الأول 2024. وهذا المستوى يجعل تركيا من بين أكبر عشر دول حيازة للذهب عالمياً، ويعكس استراتيجية البنك المركزي التركي في تعزيز احتياطياته وتنويعها بعيداً عن الدولار، في محاولة للحد من تقلبات الليرة والتضخم المرتفع.

بيتكوين تتحول لملاذ رقمي

وبجوار الذهب التقليدي، تتقدم عملة بيتكوين المشفرة في وعي الجمهور على أنها "ذهب رقمي" محدود الكمية، لا يمكن تسييله بقرارات حكومية ولا يخضع لحدود وطنية. وشهدت صناديق بيتكوين المتداولة في البورصة تحركات لافتة خلال سبتمبر/أيلول الجاري، حيث أظهرت بيانات مؤسسة فارسايد إنفستورز تسجيل تدفقات صافية إيجابية بقيمة 23 مليون دولار في 9 سبتمبر، قادها صندوق آي شيرز بيتكوين تراست الذي استحوذ وحده على نحو 169.3 مليون دولار من هذه التدفقات. 

لكن في 17 سبتمبر الحالي، انقلب المشهد ليسجل القطاع تدفقات خارجة صافية بلغت 51.3 مليون دولار، مع خروج ملحوظ من صناديق كبرى مثل "جي بي تي سي" و"إف بي تي سي"، ما يعكس حساسية هذه المنتجات الاستثمارية لحركة الأسعار والتقلبات في السوق الفورية. ويرى محللون أن هذه التحركات السريعة تعبر عن طبيعة أشهر عملة رقمية أصلاً عالي السيولة وسريع الاستجابة للأخبار الاقتصادية والقرارات التنظيمية، وأن الاتجاه العام مل يزال صاعداً على المدى المتوسط رغم هذه الموجات قصيرة الأجل من جني الأرباح.

وتؤكد مؤشرات تبني العملات المشفرة العالمية الصادرة عن شركة تشين أناليسيس أن الهند تتصدر المرتبة الأولى عالمياً في التبني الشعبي للعملات المشفرة، تليها الولايات المتحدة، بينما تظهر أسواق ناشئة مثل فيتنام والبرازيل ونيجيريا معدلات دخول مرتفعة؛ ففي فيتنام مثلاً، يمتلك نحو 27% من السكان شكلاً من أشكال العملات المشفرة، ما يجعلها من أكثر الدول اعتماداً على الأصول المشفرة بالنسبة لعدد السكان. ويرى محللون أن هذا التبني الشعبي يعكس عوامل اقتصادية مباشرة مثل حماية المدخرات من تراجع قيمة العملة المحلية، وتسهيل التحويلات المالية العابرة للحدود في ظل رسوم منخفضة نسبياً مقارنة بالنظام المصرفي التقليدي.

وهذه التحولات لا تعني أن بيتكوين باتت بلا مخاطرة؛ إذ يحذر خبراء من تقلباتها الحادة وحساسيتها تجاه السيولة العالمية والتطورات التنظيمية. لكنهم يلفتون إلى أن جزءاً من الطلب الحالي يأتي من مدخرين يخصصون حصة صغيرة من محافظهم تحوطاً طويل الأجل ضد سيناريوهات التضخم أو تراجع القوة الشرائية للنقود الرسمية، على غرار طريقة التعامل مع الذهب قبل عقود.

المساهمون