حكومة الجزائر الجديدة: رهان على المتخصصين لمواجهة أزمة الاقتصاد

حكومة الجزائر الجديدة: رهان على المتخصصين لمواجهة أزمة الاقتصاد

10 يوليو 2021
توفير الوظائف من أبرز القضايا الملحة في الجزائر (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت الرئاسة الجزائرية، مساء الأربعاء، تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة أيمن بن عبد الرحمان، وهي الثالثة في عهد الرئيس الجديد عبد المجيد تبون. واللافت في التشكيلة الحكومية الجديدة، التي قلصت فيها الوزارات من 39 إلى 34 وزارة، تولي رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمان وزارة المالية، التي يقودها منذ يناير/ كانون الثاني 2020، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر.

واعتبر عدد من المحللين أن هذه الخطوة تترجم حرص تبون على إحداث إصلاحات اقتصادية عميقة، ومواجهة الأزمات المالية التي تعصف بالبلاد، خاصة أزمتي السيولة وتهاوي الدينار. فيما تعتبر أزمة البطالة خاصة لدى فئة الشباب وتداعيات فيروس كورونا على القطاعات الاقتصادية وعلى تمدد الفقر، من القضايا الملحّة التي ستواجه الحكومة الجديدة، وسط مطالبة شعبية بإيجاد حلول سريعة لها.

تركة ثقيلة

وتنتظر الحكومة الجزائرية الجديدة تركة اقتصادية ثقيلة، فاقمتها أزمة مزدوجة لفيروس كورونا وانهيار أسعار النفط، دفعت بالسلطات الجزائرية إلى تقليص الإنفاق الحكومي، بواقع النصف تقريبا وتجميد مشاريع في عدة قطاعات.

ويرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "الحكومة الجديدة تبدو ذات توجه اقتصادي، وهو ما تترجمه التركيبة، حيث أكثر من ثلثي الوزراء لديهم توجه تقني اقتصادي".

ويضيف الخبير الاقتصادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الجديدة، ووفق تصريحات رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمان، ستواصل تطبيق برنامج الرئيس تبون، ما يعني مواصلة تطبيق برنامج الإنعاش الاقتصادي المصادق عليه في منتصف 2020، إلا أن الإشكال ليس في البرنامج فهو معلوم لدى الجميع، بل الإشكال في تمويل مخطط عمل الحكومة الجديدة، من أين ستأتي بالأموال في ظل شح الموارد المالية؟".

كما ستجد الحكومة المقبلة نفسها في مواجهة بطالة متفاقمة، إذ تشير بيانات رسمية جزائرية إلى أن البلاد فقدت نحو نصف مليون وظيفة بسبب الجائحة. وامتدت آثار الأزمة لتطاول أسعار المواد الاستهلاكية على اختلافها، وستكون الحكومة أمام رهان إطفاء لهيب الأسعار التي اشتدت وطأتها منذ أشهر، وخصوصا مع حلول شهر رمضان الماضي، وتدهورت معها القدرة الشرائية.

أزمة العملة

ولم تسلم العملة الجزائرية من تبعات الأزمة، إذ بلغت مستويات قياسية من الانهيار أمام الدولار واليورو. ويتوقع قانون الموازنة العامة لعام 2021، أن يبلغ متوسط سعر الصرف 142 دينارا لكل دولار، و149 دينارا في عام 2022. وحسب بيانات بنك الجزائر المركزي، بلغ سعر صرف الدينار في مطلع يونيو/ حزيران الماضي، مستوى 134 مقابل الدولار و160 مقابل اليورو. ويرى الخبير المالي نبيل جمعة أن "لجوء رئيس الجمهورية لإعطاء قيادة الحكومة والمالية لوزير واحد هو أيمن بن عبد الرحمان، يعني أن الرئيس يدعم مقاربة بن عبد الرحمان الإصلاحية، التي بدأت بإعادة هيكلة وزارة المالية، وتعديل السياسة النقدية والتمويلية لموازنة الدولة، التي اعتمدها رئيس الحكومة الجديد المبنية على الاستدانة الداخلية".

وأضاف جمعة، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "منح قيادة الحكومة والمالية لعبد الرحمان سيعطيه إمكانية التنسيق بين مختلف الوزارات وإحداث التناغم في ما بينها بعدما شاهدنا في السابق تغريد كل وزير وحده، ما أربك عمل الحكومات".

تغييرات واسعة

وفي ما يتعلق بالتشكيلات، عصفت رياح التغيير، للمرة الثانية في ظرف ستة أشهرٍ، بوزارة الصناعة، حيث أقال تبون محمد باشا. وحسب معلومات تحوز عليها "العربي الجديد"، فإن الإقالة تعود لسوء تسييره ملف استيراد السيارات بالإضافة إلى تسجيل سوء إنفاق في ما يتعلق بمصاريف التنقل والإيواء والطعام.

وعوض محمد باشا تم تعيين محمد زغدار، الأستاذ في العلوم الاقتصادية في جامعة الجزائر ورئيس لجنة المالية في البرلمان الجزائري سابقا، عن حزب جبهة التحرير الوطني. وعجّلت أزمة المياه والعطش التي ضربت الجزائر منذ أشهرٍ، بذهاب وزير الموارد المائية كمال ميهوبي المُعين في شهر فبراير/ شباط المنصرم، الذي تم استبداله برئيس مجلس إدارة شركة "سيال" لتوزيع المياه في العاصمة كمال حسني.

ولحقت التغييرات أيضاً بقطاع العمل والضمان الاجتماعي، بعد إقالة الهاشمي جعبوب المحسوب على حركة مجتمع السلم (التيار الإخواني)، بعد رفض الحركة المشاركة في الحكومة الجديدة، وتم تعيين عبد الرحمان لحفاية مكانه، وهو المدير العام لصندوق الضمان الاجتماعي (التغطية الصحية). قطاع السياحة هو الآخر لا يعرف الاستقرار منذ وصول تبون، فبعد أقل من 6 أشهرٍ من تعيين محمد بوغازي على رأس القطاع، قرر تبون استبداله بالأمين العام للوزارة ذاتها ياسين حمادي، الذي تدرج في مناصب إدارية داخل وزارة السياحة.

كما تم تعيين عتو بن زيان، الأستاذ في العلوم الطبية والباحث في الطاقات المتجددة، على رأس وزارة الانتقال الطاقوي خلفا لشمس الدين شيتور، الأستاذ الجامعي في الطاقات التقليدية. وعين الرئيس عبد المجيد تبون وزير التجارة الخارجية سابقا عيسى بكاي على رأس قطاع النقل، الذي كان يترأسه وزير الأشغال العامة كمال ناصري بالنيابة، منذ مطلع السنة، بعد إقالة الوزير الأسبق لزهر هاني، في أعقاب تفجير فضيحة فساد تتعلق بصفقات أبرمتها الخطوط الجوية الجزائرية دون استشارة الحكومة. وفي المقابل، حافظ وزير الطاقة محمد عرقاب، بالإضافة لوزير الأشغال العامة كمال ناصري، والسكن محمد بلعريبي، ووزير الفلاحة عبد الحميد حمداني، والرقمنة والإحصاء حسان شرحبيل، على مناصبهم.

وعكس كل التوقعات، نجح وزير التجارة كمال رزيق في الاحتفاظ بمقعده في حكومة أيمن بن عبد الرحمان، رغم فشله في تسيير قطاعه الذي شهد عدة أزمات، منها أزمة الحليب المتكررة وندرة مواد واسعة الاستهلاك عند بداية تفشي كورونا، بالإضافة لانفلات الأسعار في الأسواق الجزائرية. وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد كلف في الأسبوع المنصرم أيمن بن عبد الرحمان، وزير المالية، بتشكيل حكومة جديدة بعد التشاور مع الأحزاب التي حصدت غالبية المقاعد في البرلمان الجديد، في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 يونيو المنصرم.

وسيكون وزير المالية ومدير بنك الجزائر السابق أمام تحدي التوفيق بين الطابع التكنوقراطي لحكومته وبين الشراكة الشكلية التي أضفاها الرئيس تبون على المشهد مع حلفائه السياسيين الفائزين في الانتخابات التشريعية الأخيرة. فهو مطالب بإيجاد التوافق والانسجام بين الأسماء التي اختارها للقطاعات التقنية، وبين الأسماء التي جاءت من الأحزاب السياسية والمقدرة بثمانية وزراء.

المساهمون