حكومة الأسد تعوّض نقص إيراداتها وخسائر كورونا من جيوب السوريين

حكومة الأسد تعوّض نقص إيراداتها وخسائر كورونا من جيوب السوريين

01 ديسمبر 2020
أزمة كورونا ستزيد أزمة الاقتصاد السوري (الأناضول)
+ الخط -

لا ينفك نظام الأسد يكبد السوريين تكاليف فقد إيراداته والخسائر التي ترتبها تدابير مكافحة فيروس كورونا على الاقتصاد، وها هو اليوم يتنكر لموجة الوباء الثانية.

في السياق، يرى الاقتصادي السوري فارس عبد الله أن "أزمة كورونا ستزيد سوءا الاقتصاد السوري أكثر مما هو سيئ"، لأن نظام الأسد الذي أعلن عن إغلاق جزئي في آذار/مارس الماضي، يتنكر اليوم للموجة الثانية ويستمر بالمكابرة، وكأن "وباء كورونا سر دولة أو يؤثر على هيبة النظام".

ويضيف عبد الله لـ"العربي الجديد" أن الشلل الذي ستزيده موجة الوباء اليوم، ستؤدي إلى مزيد من تراجع الموارد العامة وشلل الاقتصاد، مبيناً أن الناتج المحلي الإجمالي ببلاده تراجع من نحو 60 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 10 مليارات العام الماضي، وكذلك حجم الموازنة العامة التي يتم خلالها التلاعب وإعلان الزيادة وفق الليرة السورية، لأنها عملياً تراجعت من نحو 16.6 مليار دولار عام 2010 إلى 6.8 مليارات للعام المقبل "ثمانية آلاف و500 مليار ليرة".

وفي حين يتوقع عبد الله خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن آثار تفشي الوباء "بأعداد مرعبة" ستزيد من الوفيات وارتفاع الأسعار، لكنه لن يدفع النظام للاعتراف بالإصابات الحقيقية أو يوقف الأجور والرواتب.

وكان وزير الصحة لحكومة الأسد، حسن غباش قد نفى أخيراً ما يتم تداوله عن إغلاق المدارس أو الحظر الجزئي في البلاد. مؤكداً أن الوزارة تراقب تطور انتشار وباء كورونا، والأرقام التي يتداولها البعض غير حقيقية، وكذلك ما يجريه البعض من مقارنات مع الإصابات في دول الجوار.

وتبلغ الإصابات بسورية بحسب بيانات وزارة صحة الأسد 7079 حالة شفيت منها 2986 وتوفيت 368 حالة.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش، قد انتقدت في تقرير أصدرته الشهر الماضي، غياب الشفافية حول عدد الإصابات المعلَنة في سورية، في حين تتراكم أخبار نعي الأطباء وأعضاء الطاقم التمريضي المتصدين لفيروس كورونا.

وتراجعت الموارد المالية والإيرادات العامة للدولة بسورية، بعد شلل السياحة وعجز الميزان التجاري وخسائر المؤسسات الاقتصادية، وتحول الميزان النفطي إلى خاسر، إثر تراجع الإنتاج من نحو 380 ألف برميل يومياً قبل عام 2011 إلى نحو 25 ألف برميل يسيطر عليها الأسد اليوم، ما أوصل فاتورة استيراد النفط شهرياً لنحو 200 مليون دولار شهرياً، وهي الضربة الأكبر على موارد الخزينة التي كانت تعتمد من ذي قبل، على عائدات تصدير نحو 160 ألف برميل يومياً. 

لتأتي آثار لإغلاقات كورونا والعقوبات الاقتصادية الأوروبية والأميركية، وما سببته من آثار على تراجع الإنتاج والصادرات وتدهور سعر العملة من 50 ليرة مقابل الدولار عام 2011 إلى نحو 2800 ليرة اليوم، ليزيد نظام بشار الأسد من التمويل بالعجز الذي بدأ منذ مطلع الحرب، عبر طبع العملة بروسيا بعد العقوبات الأوروبية، وتوقف الشركة السويسرية عن طبع الأوراق النقدية لسورية، بحسب الاقتصادي والمفتش المالي، ابراهيم محمد.

ويشير محمد من مدينة إدلب لـ"العربي الجديد" إلى أن نظام الأسد بدأ بالتمويل بالعجز منذ عام 2012 ولعل زيادة ضخ العملة السورية وإصدار فئات نقدية كبيرة، من دون معادل إنتاجي أو خدمي أو حتى أرصدة عملات ومعادن، كان لها الدور الأبرز بزيادة معروض العملة وتراجع سعرها، لكنها كانت السبيل الوحيد المتاح للنظام وقتذاك.

ويضيف المالي السوري أن نظام الأسد وفضلاً عن تبديد الاحتياطي النقدي بالمصرف المركزي المقدر بنحو 20 مليارا عام 2011، عبر تمويل الاستيراد وشراء الأسلحة وجلسات التدخل لحماية الليرة من التهاوي، بدأ يلجأ للدين الداخلي عبر طرح سندات خزينة وشهادات إيداع، لتصل الديون هذا العام وحتى نهاية الربع الثالث إلى 474 مليار ليرة سورية، وهي بنحو 11.6% من إجمالي اعتمادات الموازنة العامة.

لكن المشكلة الأكبر بالديون الخارجية، والتي لم تزل سراً برأي الاقتصادي السوري، لكنها لا تقل عن 30 مليار دولار بالحد الأدنى، بين ديون لإيران ثمة أسلحة وخطوط ائتمان فتحتها حتى العام الماضي بقيمة 7 مليارات دولار، إضافة إلى الديون الروسية.

وحول انعكاس تأزم حكومة الأسد المالي على الموظفين وخاصة بمحافظة إدلب، يبيّن المالي السوري أن الموظفين بسورية جميعهم، تحت خط الفقر، لأن متوسط الأجور 50 ألف ليرة، في حين نفقات الأسرة وبالحد الأدنى 600 ألف ليرة "بعلمي لم يتوقف منح الأجور للعاملين بمناطق النظام"، ولكن جلّ الموظفين والعاملين لدى الدولة بالمناطق المحررة، تم فصلهم منذ سبع سنوات وفق القرارين رقم 527 المؤرخ في 24-2-2013 و 678 المؤرخ في 10-3-2013 الصادرين عن رئاسة مجلس الوزراء، وبقي بعض المعلمين يتقاضون أجورهم.

وتحدث "العربي الجديد" مع المعلم "أبو إياد" من محافظة إدلب الذي أكد أنه والمعلمين بالمحافظة، لم يتقاضوا أجورهم منذ نحو ستة أشهر، وذلك على إثر دخول جيش النظام لمناطق شرق إدلب وقطع الطرقات بين مناطق المعارضة والنظام.

ويشير المعلم الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن معلمي المناطق المحررة، ومنذ تحرير إدلب عام 2015، كانوا يذهبون لمدينة حماة لتقاضي رواتبهم، وأحياناً كل ثلاثة أشهر، ولكن منذ شهر نيسان/أبريل العام الجاري، توقفت رواتبهم واستحال عليهم الوصول لحماة، كما أن النظام يرفض إرسال الأجور عبر معتمدين.

ويضيف المعلم السوري أن بعض المدرسين تعاقدوا مع الحكومة المعارضة "الإنقاذ"، وبعضهم مع منظمات خاصة تمول العملية التعليمية بإدلب، لكن الأكثرية من دون أي عمل حتى اليوم، مبيناً أن أجور المعلمين لدى نظام الأسد كانت تتراوح بين 45 و55 ألف ليرة في حين المنظمات اليوم، تدفع للمتعاقدين وبالحد الأدنى 150 دولاراً "أكثر من 400 ألف ليرة".

وبحسب اتصالات "العربي الجديد" مع عاملين وموظفين عديدين بدمشق واللاذقية، أكدوا جميعهم أن رواتبهم لم تتوقف حتى اليوم، بل يتم دفع أجور العاملين بمناطق سيطرة النظام في 30 من كل شهر من دون تأخير، لكنهم أشاروا إلى تواضع هذا المبلغ بواقع غلاء الأسعار، وإلى أن "الراتب لا يكفي لمصاريف 5 أيام".

ويرى اقتصاديون أن نظام الأسد لم يوقف الأجور حتى اليوم، ليبقى يروّج أنه متماسك وقوي، ولكن ثمة ملاحظتين كما يقول الاقتصادي السوري محمود حسين لـ"العربي الجديد".

الأولى أن الأجر لم يعد يتناسب على الإطلاق مع المصاريف والنفقات، الأمر الذي حوّل الموظفين بسورية، إلى الطبقة الأفقر، معتبراً أن نظام الأسد لا يمكن أن يوقف الأجور كي لا يظهر إفلاسه ويوسع دوائر الاحتجاج عليه.

وأما النقطة الثانية حسب الاقتصادي السوري، فإن نظام الأسد يسترد الرواتب عبر رفع أسعار السلع والمواد التي كان يسميها بالمدعومة، إلى أعلى من سعرها العالمي، وخاصة المازوت الذي شهد ارتفاعاً سبع مرات خلال الثورة.

ويشير حسين إلى أن النظام السوري وهذا العام فقط، ربح من رفع سعر الخبز والمشتقات النفطية لتغطية تراجع الموارد، وذلك رغم ما يروجه من مبالغ الدعم خلال إقرار الموازنة العامة، مبيناً أن سعر البنزين ارتفع الشهر الفائت 200 ليرة والمازوت 350 ليرة وتضاعف سعر الخبز 100%.

وحول من أين سيستمر نظام الأسد، بواقع زيادة العقوبات وتراجع الإيرادات وإغلاقات كورونا الأخيرة، يرى الاقتصادي السوري أن الأسد استنزف فرص الديون من الخارج، خاصة بعد أن أوقفت إيران الخط الائتماني، والحل الوحيد، استمرار الجباية من المواطنين المنهكين أو استمرار بيع ورهن ثروات ومقدرات سورية.

ولم يخف نظام الأسد هذه الحقيقة، إذ أشار وزير ماليته، كنان ياغي خلال تصريحات صحافية إلى أن "حجم الوفر من رفع سعر ربطة الخبز والمازوت الصناعي وصل إلى 370 مليار ليرة.

 كما يلجأ نظام الأسد إلى رفع الرسوم والضرائب والغرامات، على السلع والمعاملات الحكومية وعلى التعامل بغير الليرة السورية، وصلت غرامات المواد المهربة فقط، منذ نيسان حتى أيلول العام الجاري، إلى نحو 1.4 مليار ليرة، بحسب تصريح الآمر العام للضابطة الجمركية في سورية، آصف علوش قبل أيام.

المساهمون