حقيقة نمو الاقتصاد المصري

حقيقة نمو الاقتصاد المصري

28 يوليو 2021
مشهد من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة (getty)
+ الخط -

احتفت أغلب وسائل الإعلام المصرية مؤخراً بخبر اختيار "فوربس الشرق الأوسط"، التي تعد النسخة العربية لمجلة المال والأعمال الأميركية الشهيرة، مصر كثالث أكبر اقتصاد في المنطقة، معتبرة أنه جاء "ليكمل سلسلة النجاحات التي حققتها مؤشرات الاقتصاد المصري رغم التبعات الاقتصادية المترتبة على انتشار فيروس كورونا المستجد خلال الفترة الأخيرة".

ونشرت وسائل الإعلام نفسها رسماً بيانياً منقولاً عن نفس المصدر، يوضح حجم الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات العربية الكبرى في 2020 و2021، ويؤكد ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لمصر من 361.8 مليار دولار في 2020 إلى 394.3 مليار دولار في 2021، مشيرة إلى أن الأرقام المذكورة تمثل أحدث تقديرات صندوق النقد الدولي.
ولما كانت الأرقام المذكورة تعني نمو الاقتصاد المصري خلال العام الحالي بمعدل سنوي 9%، وهو ما يتجاوز أقصى طموحات أي اقتصاد في العالم، ويخالف المنطق، ويرفضه أي متابع جيّد لحالة الاقتصاد المصري حالياً، فقد سارعتُ بالاتصال بأحد الأصدقاء الذي يعمل مسؤولاً بارزاً في صندوق النقد الدولي، وطلبت منه التأكيد أن هذه التقديرات تعبر حقيقةً عن رأي الصندوق، فما كان منه إلا أن تجاهل الرسم والأرقام اللذين أرسلتهما، مؤكداً أن تقديرات الصندوق منشورة حالياً على موقعه على الإنترنت.
انتقلت إلى موقع صندوق النقد الرسمي على الإنترنت فوجدته يتحدث عن معدل نمو للاقتصاد المصري لا يتجاوز 2.5% خلال العام الحالي 2021!
الغريب في الأمر أن تقرير المجلة الذي نقلته المواقع المصرية يتحدث بوضوح عن توقعات الصندوق لمصر بتحقيق معدل نمو 2.8% في السنة المالية 2020 /2021، ثم معدل نمو 5.2% في السنة المالية 2021/ 2022، أي تلك التي لم يمر منها سوى شهر واحد حتى الآن، ولا أعرف حقيقةً من أين أتى موقع "فوربس الشرق الأوسط" أو المواقع التي نقلت عنه بمعدل 9% المزعوم.

وبغض النظر عن النهج الذي أصبحت وسائل الإعلام المصرية، والحكومة في كثير من الأحيان، تتبعه من الاحتفاء بتوقعات مستقبلية لا يعرف أحد متى تتحقق، مثلما حدث مع توقعات دخول مصر ضمن أكبر عشرة اقتصادات في العالم بحلول عام 2030، وخطط تصنيع السيارة الكهربائية والهاتف المحمول والتابلت بأيادٍ وعقول مصرية، لا يسع المرء إلا أن يقف مشدوهاً أمام مصادر إعلام تنشر أرقاماً لا يراجعها أحد، ولا يقبلها منطق أو عقل شخصية الباز افندي "ساقط الإعدادية" في الفيلم المصري الشهير "ابن حميدو"، حيث تظهر المعلومة وما ينفيها بوضوح في نفس التقرير.

تحدث تقرير المجلة، نقلاً عن صندوق النقد، عن "ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي" الذي اتبعته مصر منذ عام 2016 بمساعدة صندوق النقد، وهو ما مكنها من مواجهة تبعات فيروس كوفيد-19، بينما تجاهل حقيقة أن فترة الاثني عشر شهراً التي بدأت أول الربع الثاني من العام الماضي، وتلت ظهور الفيروس وانتشاره في البلاد مباشرة، شهدت زيادة الدين الخارجي لمصر بما يقرب من 22.8 مليار دولار، تمثل أكثر من 20% من مستواها في بداية الفترة، وتعادل ما يقرب من 360 مليار جنيه، تقول الحكومة المصرية إنها أنفقت ما يقرب من مائة مليار جنيه منها فقط على المساعدات المقدمة للشركات والأفراد المتضررين من أزمة الجائحة.
أكد التقرير أن "الإصلاحات الاقتصادية التي تم تنفيذها منذ عام 2016، وفي مواجهة حالة عدم اليقين المحلية والعالمية غير المسبوقة، مكّنت السياسات التي اتبعتها السلطات من تحقيق توازنٍ بين تأمين التمويل اللازم لحماية النفقات الصحية والاجتماعية الضرورية والحفاظ على الاستدامة المالية أثناء إعادة بناء الاحتياطيات الدولية"، وكأنه يتحدث عن واحد من أقوى اقتصادات العالم، متجاهلاً حقيقة أن مصادر تمويل النفقات الصحية والاجتماعية كانت كلها، وأكثر منها، الاقتراض الخارجي، وأن الاحتياطيات الدولية التي يتحدّث عن بنائها التقرير لم تشهد ارتفاعاً خلال الفترة إلا بأقل من 250 مليون دولار، لا تسمن ولا تغني من جوع مع هذا الارتفاع الجنوني في التزاماتنا الخارجية، والتي بلغت بنهاية الربع الأول من العام الحالي 134 مليار دولار، أو أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي في مصر.

موقف
التحديثات الحية

 لم تتحمّل الحكومة المصرية تكلفة ما أطلق عليه الصندوق "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، وإنما تحملها المواطن الذي انخفض أجره الحقيقي وتراجعت قيمة أصوله بعد التعويم الكامل للعملة المصرية الذي أفقدها في فترة وجيزة 60% من قيمتها، وارتفعت مصاريفه بعد إلغاء الجزء الأكبر من الدعم ورفع أسعار الكهرباء والماء والخبز والوقود عدة مرات كان آخرها الأسبوع الماضي، وزادت عليه الضرائب، وفُرض عليه دفع قيمة مصالحة في مخالفات بناء لم يرتكبها، وتم إقرار كل ذلك دون الرجوع إليه، أو إخباره بحقيقة ما يحدث في اقتصاد بلاده، اللهم إلا من خلال معلومات بسيطة تتم الموافقة عليها في برلمان شكلته الأجهزة السيادية، ويتهم من يطلب مناقشة الأرقام فيه بالإساءة لمؤسسات الدولة.
لا يحزنني بالتأكيد صلاح حال الاقتصاد المصري، فرغم وجودي خارج البلاد إلا أن لدي عائلة واستثمارات واهتمامات في مصر لا أملك معها رفاهية السعادة بفشل النظام الحالي في إصلاح أحوال البلاد والعباد، وإن خالفته في الرأي أو تحفظت على بعض قراراته. لكن ليس كذلك تدار الأوطان.  

التعامل مع المواطنين باعتبارهم دجاجاً في الحظيرة، لا يعنيهم ما يتم اتخاذه من قرارات وإن دفعوا تكلفتها، طالما يتم تقديم الخبز الجاف لهم كل يوم، لا يليق ببلد بحجم مصر في هذا الزمان، ولا بحجم أي دولة في العالم، ولا يصح بأي حال تقديم معلومات مغلوطة أو إيهام المواطنين والتحدث معهم عن أرقام متوقعة بعد عقد كامل على أنها من الإنجازات التي يتعين الاحتفاء بها الآن.
المواطن المصري يستحق الاطلاع على الحقائق، خاصة الاقتصادية، والمشاركة في صنع القرار من خلال مؤسساته الحقيقية، ولا أعتقد أنه مستعد للاستسلام والقبول بغير ذلك، وسنرى.

المساهمون