حسن عبد الله ... أكثر من علامة استفهام مشروعة

حسن عبد الله ... أسئلة مشروعة

01 يونيو 2021
كان عبدالله من أقرب الشخصيات الاقتصادية لجمال مبارك الطامح إلى دور سياسي (العربي الجديد)
+ الخط -

في 6 سبتمبر/أيلول 2018 نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية عن مصادر مصرفية لم تسمها خبرا مفاجئا مفاده أن طارق عامر محافظ البنك المركزي عزل حسن عبدالله الرئيس التنفيذي للبنك العربي الأفريقي الدولي من منصبه وعينه في منصب شرفي هو مساعد محافظ البنك، وفي رواية أخرى في منصب مستشار المحافظ، مع اختيار شريف علوي بدلا منه. 

وبعدها نشرت الصحف والمواقع المصرية الخبر ولكن باقتضاب شديد مع عدم ذكر أي تفاصيل. 

استغرب مجتمع الأعمال والمال والمصارف الخبر الصدمة لأسباب عدة منها قوة مركز عبدالله المصرفي والسياسي، إذ إن المصرفي البارز رأس البنك لمدة 16 سنة متواصلة نجح خلالها في تحويله لمؤسسة مصرفية ناجحة وكبيرة، وكان وقتها يحظى بثقة كبار مساهمي البنك، وهما الهيئة العامة للاستثمار بالكويت التي تستحوذ على 49.37% من أسهم البنك مقابل حصة مماثلة للبنك المركزي المصري.

وقبل قيام ثورة 25 يناير، كان عبدالله من أقرب الشخصيات الاقتصادية لجمال مبارك الطامح إلى دور سياسي وحكم البلاد في ذلك الوقت عبر التوريث، وكان عضوا بارزا في اللجنة الاقتصادية للحزب الوطني المنحل، وعضوا بمجلس إدارة عدة مؤسسات مرموقة، منها البنك المركزي المصري والبورصة المصرية والمعهد المصرفي والمصرية للاتصالات ولسنوات طويلة.

ما حقيقة المزاعم الموجهة لحسن عبد الله حول تورطه في قضايا فساد مالي واستيلاء على المال العام، ومنح كبار عملاء البنك الذي رأسه 16 عاماً تسهيلات ائتمانية بلغت 9.2 مليارات جنيه؟

ولم تفلح ساعتها محاولات عدة، سواء من قبل موظفي البنك العربي الأفريقي أو من قبل المساهمين الكويتيين، في إثناء محافظ البنك المركزي عن قراره والإبقاء على عبد الله في منصبه رغم صلة الأخير القوية بأجهزة مسؤولة ورفيعة في الدولة، حيث أصر عامر على قراره المفاجئ وقتها للقطاع المصرفي

وردا على تلك الخطوة رفض عبدالله، عرض العمل كمستشار بالبنك المركزي، بعد الإطاحة به من البنك العربي الأفريقي، حيث إنه يدرك جيدا أن هذا المنصب شرفي و"ركنة" في أدراج الثلاجة، بل وإهانة شخصية له ولتاريخه المصرفي، خاصة وأنه تم ترشيحه من قبل لمنصب محافظ البنك المركزي.

موقف
التحديثات الحية

لم يتم غَلق الباب ساعتها على قرار عزل حسن عبد الله من منصبه خاصة وأن كثيرين لم يقتنعوا وقتها بمبررات قرار الإقالة، إذ لم يذكر قرار محافظ البنك المركزي أسباباً واضحة للإقالة؟

وما هي الأخطاء التي ارتكبها المصرفي البارز المقال حتى يلقى كل هذا الغضب الشديد عليه وانتزاعه من منصب مرموق حلم في أن يكون سلما إلى منصب أعلى، رئيس وزراء مثلا أو محافظا للبنك المركزي؟

وهل صحيح أن سبب العزل هو أن عبد الله لم يكن واحدا من "أفراد الشلة"؟، لا أحد يعرف على وجه التحديد السبب، ولا أحد يملك الإجابة عن تلك الاسئلة المشروعة سوى مصدر القرار.

لكن بعد أشهر تدحرجت كرة الثلج، وبلغت ذروتها في مايو 2019 حينما تم إطلاق شائعات مضمونها أن حسن عبد الله وراء تسريب "قضية فساد كبرى" لها علاقة غير مباشرة ببعض الأطراف التي كانت سببا في اختفائه من القطاع المصرفي وإزاحته من منصبه، وكان الرد سريعا وهو تسريب تقارير أخرى مضادة ضد الرجل وقيل إنها صادرة عن قطاع التفتيش بالبنك المركزي وتدين عبد الله ماليا.

تسريبات منسوبة إلى البنك المركزي تزعم حصول عبد الله على أموال من البنك العربي الافريقي بدون وجه حق تزيد عن 400 مليون جنيه وحصوله كذلك على مزايا مالية أخرى

التقارير التي نشرتها عدة مواقع وصحف في ذلك الوقت زعمت وجود شبهات مالية تحوم حول المصرفي المقال، ومزاعم أخرى منسوبة إلى البنك المركزي المصري حول "تورطه في قضايا فساد مالي واستيلاء على المال العام، ومنح كبار العملاء تسهيلات ائتمانية بلغت 9.2 مليارات جنيه، واستخدام جزء منها في سداد تسهيلات وقروض ممنوحة لهم من البنك نفسه بقيمة 2.8 مليار جنيه، وبنوك أخرى بقيمة 191 مليون جنيه".

ونقلت الصحف والمواقع وقتها عن تلك التقارير المسربة والتي أكدت أنها صادرة عن قطاع التفتيش والرقابة على البنوك في البنك المركزي، أن عبدالله "منح الشركات تسهيلات ائتمانية وقروضا بما يخالف قرارات تأسيسها وطبيعة نشاطها، ولم يقم بالمتابعة لاستخدام القروض والتسهيلات لبعض العملاء، كما أنه حصل مع مسؤولين كبار بالبنك على أموال من دون وجه حق، وصلت إلى 5.2 ملايين دولار في 2018 وحده، وأجرى تعديلات على لائحة صندوق العاملين لصرف مستحقاته بالدولار بدلًا من الجنيه من دون عرض التعديلات على مجلس الإدارة، وبمقتضاها صرف لنفسه 19.3 مليون دولار بزيادة 11 مليونًا، ليصل إجمالي ما حصل عليه من أموال من دون وجه حق إلى 24.5 مليون دولار، أي بما يعادل أكثر من 411 مليون جنيه".

وشملت قائمة المخالفات التي قيل إن البنك المركزي وجهها لحسن عبدالله وكانت سببا في عزله، استخدام التسهيلات وقروض البنك في زيادة رؤوس أموال شركات قائمة بنحو 950 مليون جنيه، ولسداد قيمة شراء أراض لهؤلاء العملاء، بقيمة 2.9 مليار جنيه. 

كما ارتكب عبد الله مخالفات مالية أخرى بحسب ما نسبته التقارير المنشورة إلى البنك المركزي، ومنها التحايل لإظهار عملاء البنك المتعثرين بصورة العملاء المنتظمين في سداد الديون المستحقة عليهم رغم تعثرهم في السداد، وهو ما يخالف الواقع كلية.

ووفق التسريبات والمزاعم المنسوبة لقطاع التفتيش بالبنك المركزي، فقد قام الرئيس التنفيذي للبنك العربي الأفريقي بزيادة راتبه من 55 ألفا إلى 78.8 ألف دولار، دون الإفصاح عن ذلك، بالمخالفة لمبدأ الشفافية، وسحب مبالغ بالدولار إخلالًا بالنظام الأساسي للبنك، كما وافق على مد عمل بعض العاملين فوق سن التقاعد دون الرجوع لمجلس الإدارة.

كما تبين، وحسب المزاعم والتسريبات، أن الرئيس التنفيذي للبنك العربي الأفريقي وافق على منح 5 شركات 180 مليون جنيه قرضاً لشراء أسهم من شركات شقيقة لها، ولسداد مديونيات، وأنه تم تحويل جزء من القرض لمؤسسات خارجية غير معلومة، وبالرغم من عدم سداد هذه الديون تم تصنيف المجموعة من ضمن الجهات المقترضة المنتظمة. 

إلا أن تلك التسريبات لم يعترف بها البنك المركزي صراحة ولم تتبعها أي تحقيقات معلنة أو مساءلة قضائية لعبدالله. 

ما صحة المزاعم المالية الخطيرة الموجهة إلى حسن عبد الله والمنسوبة لقطاع التفتيش بالبنك المركزي المصري، وهل تم فتح تحقيق بشأنها من قبل البنك؟، وأين اللجنة المشكلة من البنك، وما مصير تحقيقاتها؟

وظلت هذه الاتهامات لا تراوح مكانها وتتداول فقط على صفحات بعض الصحف وفي المواقع، بل إن البعض، خاصة القريبين من عبد الله، لم يصدق تلك الاتهامات والمزاعم الموجهة لرئيس البنك العربي الأفريقي المقال واعتبروها مجرد تصفية حسابات بين عامر وعبد الله في إطار حملات ممنهجة ومتبادلة لتشوية صورة الرجلين أمام الرأي العام.

يوما بعد يوم هدأ الملف الساخن واختفى حسن عبد الله عن الأنظار، إلا أنه عاد للأضواء مرة أخرى عقب الإعلان بداية هذا الأسبوع عن اختياره رئيسا لمجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي المؤسسة الإعلامية الكبيرة المملوكة لأجهزة سيادية في الدولة.

ومع هذه العودة اللافتة تعود أسئلة مشروعة وعلامات استفهام كثيرة، منها مثلا ما صحة الاتهامات المالية الخطيرة الموجهة إلى حسن عبد الله والمنسوبة لقطاع التفتيش بالبنك المركزي المصري، وهل تم فتح تحقيق بشأنها من قبل البنك المركزي؟

وإذا تم، فما مصير تلك التحقيقات؟ هل تمت إحالتها إلى النيابة العامة للتحقيق بشأنها، أم أن تقرير التفتيش المذكور، على ما فيه من اتهامات خطيرة، سيظل حبيس الأدراج، وأين الحقيقة إذن؟

وما حقيقة مطالبة البنك المركزي في خطابات رسمية إلى إدارة البنك العربي الأفريقي الدولي السرعة في إجراء تحقيقات داخلية في ما ورد بتقرير قطاع الرقابة والتفتيش، وتشكيل لجنة في البنك تضم في عضويتها ممثلين من البنك المركزي، واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد المسؤولين عن المخالفات الجسيمة، على أن يتم ذلك خلال شهر من استلام تقرير التفيش يوم 28 مايو 2019. 

هل التسريبات كان الغرض منها فقط ابعاد عبد الله من موقعه المصرفي باعتباره منافسا محتملا على منصب محافظ البنك المركزي كما جرى مع آخرين من بينهم هشام عز العرب رئيس البنك التجاري الدولي؟

وإذا لم تكن هذه الوقائع والمزاعم المنسوبة للمصرفي البارز، فلمَ هذه الحملة الممنهجة ضد عبد الله منذ شهر سبتمبر 2018 والتي طاولت سمعته المصرفية وذمته المالية؟

وهل صحيح أن هذه التسريبات كان الغرض منها فقط هو إبعاد عبدالله من موقعه باعتباره منافسا محتملا على منصب محافظ البنك المركزي كما جرى مع آخرين من بينهم هشام عز العرب الذي تمت الإطاحة به من رئاسة البنك التجاري CIB - مصر رغم خبراته المصرفية الطويلة ودعم كبار المستثمرين والمساهمين والموظفين له؟

هذه الأسئلة المشروعة وغيرها يجب الإجابة عنها صراحة وبشكل سريع وقاطع، خاصة وأننا نتحدث عن شخصية مصرفية في وزن حسن عبد الله بات يتولى إدارة مؤسسة إعلامية ضخمة تدير أموالا بمليارات الجنيهات سواء اعتبر البعض الأموال أموالا خاصة بالمؤسسة، أم أموالا عامة تابعة لجهات سيادية في الدولة.

المساهمون