استمع إلى الملخص
- تواجه الدول العربية تحديات اقتصادية كبيرة بسبب اعتمادها على صادرات النفط والغاز، حيث يؤدي تراجع أسعار النفط إلى عجز في الميزانيات وزيادة الضرائب والاقتراض الخارجي.
- تأثرت الأسواق المالية العربية سلباً بفرض الرسوم الجمركية، مما أدى إلى تراجع الأسهم وهروب الأموال، لكن يمكن استخدام الصناديق السيادية والأموال الخارجية لدعم الاقتصاد المحلي.
تمثل أجواء الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على كل دول العالم فرصة ذهبية للعرب لتوطين الصناعة الوطنية، والاعتماد على الذات في تموين الأسواق المحلية وتلبية احتياجات المواطن والصناعة، والاهتمام بقطاعات حيوية مثل إنتاج الغذاء والدواء والسلاح، وإعادة جزء من الأموال المستثمرة في الخارج والتي تقدر بتريليونات الدولارات للاستثمار في الداخل، وإقناع المستثمرين الأجانب بأن دول المنطقة صالحة للاستثمار وبيئة جذابة وليست طاردة أو عالية المخاطر، لكن هل يستفيد العرب من تلك الفرصة بعد أن ضيعوا آلاف الفرص من قبل؟
دعونا نعترف أولاً بأن الحرب التجارية تمثل تحدياً كبيراً للعرب ومأزقاً حاداً لمعظم الحكومات العربية، خاصة تلك التي تعاني دولها من جفاف شديد في السيولة النقدية والموارد الدولارية ومديونية عالية واعتماد أكثر على الخارج سواء في السلع أو الديون، وعجز مالي ضخم سواء على مستوى الموازنة العامة أو الميزان التجاري.
فمن جهة فإن الحرب التجارية لترامب ستدفع الاقتصادات الكبرى، ومنها الاقتصاد الأميركي، نحو الركود، وهو ما يدفع أسعار النفط نحو التراجع الشديد، وهذه نقطة خطرة للاقتصادات العربية المنتجة للنفط ومنها دول الخليج والعراق والجزائر. فهذه الدول تعتمد على صادرات النفط والغاز في توليد الإيرادات الدولارية، وفي حال تراجع تلك الإيرادات بشكل حاد فإن هذا يعني عجزا إضافيا في ميزانية تلك الدول، وهو ما قد يدفع حكوماتها نحو زيادة أسعار السلع والضرائب، والتوسع في الاقتراض الخارجي، وخفض الدعم، والاستغناء عن العمالة الأجنبية في محاولة لتقليص الأثر الناتج من تراجع الإيرادات الخارجية.
حرب ترامب ستدفع الاقتصادات الكبرى، ومنها الأميركي، نحو الركود، وهو ما يدفع أسعار النفط نحو التراجع، وهذه نقطة خطرة للاقتصادات العربية المنتجة للنفط ومنها الخليج والعراق والجزائر
أيضا من بين تداعيات حرب رسوم ترامب حدوث زيادات متوقعة في أسعار السلع الرئيسية داخل المنطقة العربية، خاصة المستوردة من الولايات المتحدة والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات سنويا، ونظرة لخريطة التجارة نجد أن دول الخليج تأتي في مقدمة الدول العربية المتضررة من رسوم ترامب.
فالإمارات التي تصنف على أنها أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في المنطقة هي الأكثر تضررا، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين نحو 34.4 مليار دولار في عام 2024، منها صادرات أميركية بقيمة 27 مليار دولار وواردات بقيمة 7.4 مليارات دولار. كما تأتي السعودية في المرتبة الثانية حيث إنها ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في المنطقة بقيمة نحو 25.9 مليار دولار في عام 2024.
ومن بين المتضررين أيضا من حرب ترامب التجارية مصر التي بلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين الولايات المتحدة نحو 8.6 مليارات دولار في عام 2024 منها صادرات أميركية بقيمة 6.1 مليارات دولار، وواردات 2.5 مليار دولار، وكذا المغرب والأردن والجزائر. كما أن الدول العربية التي فرض ترامب رسوما عالية عليها ستتضرر صادراتها للأسواق الأميركية بشدة ومنها سورية البالغة نسبة الرسوم عليها 41% والعراق 39% وليبيا 31% والجزائر 30%.
الارتداد الثالث لحرب ترامب التجارية على العرب ودول المنطقة هو ما حدث للبورصات وبعض العملات العربية عقب فرض الرسوم، حيث تهاوت أسعار الأسهم في تلك البورصات على خلفية هروب الأموال الساخنة وتهاوي أسعار النفط ومخاوف دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود.
فقد خرج من مصر مثلا ما يزيد عن ثلاثة مليارات دولار من الأموال الساخنة خلال الأيام القليلة الماضية وفق أرقام بنك ستاندرد شارتريد البريطاني، كما خرجت مليارات الدولارات من البورصات الخليجية التي شهدت تراجعات حادة مع الخسارة الكبيرة التي تكبدتها أسعار النفط والغاز المورد الأساسي للنقد الأجنبي في دول الخليج. وشهدنا أيضا تراجعا في قيمة عملات عربية جراء الاضطرابات العالمية، منها الجنيه المصري والليرة السورية والجنيه السوداني والريال اليمني والدينار التونسي.
الارتداد الثالث لحرب ترامب على المنطقة هو ما حدث لبورصات وعملات عربية عقب فرض الرسوم، حيث تهاوت أسعار الأسهم في البورصات على خلفية هروب الأموال الساخنة وتهاوي أسعار النفط
هذه الارتدادات وغيرها لحرب ترامب التجارية على المنطقة تجعلنا نسأل عن أدوات وأسلحة العرب المتاحة في مواجهة تلك الحرب والرسوم الجمركية، ومدى استغلالها لمواجهة إدارة الرئيس الأميركي، وأول تلك الأسلحة: الثروات الطائلة التي يمتلكها العرب سواء الدول أو المستثمرون.
فالصناديق السيادية الخليجية تمتلك أصولا تتجاوز قيمتها خمسة تريليونات دولار مستثمَرٌ معظمها في الغرب، والأموال العربية المودعة في البنوك الخارجية تقدر بأكثر من 1200 مليار دولار منها ما يقرب من 200 مليار دولار مخفية في البنوك السويسرية، والعرب يستثمرون ما يزيد عن 200 مليار دولار في أدوات الدين الأميركية من سندات وأذون خزانة منها 137 مليار دولار للسعودية وحدها. كما أن للعرب أصول ضخمة في أوروبا والولايات المتحدة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
وهذه الأموال يمكن إعادة جزء منها للمنطقة العربية وتوجيهها لإقامة صناعات واستصلاح أراض وإنتاج حيواني ومشروعات تكنولوجية وطاقة متجددة تسد احتياجات الأسواق العربية من الأغذية والأدوية، وتوفر فرص عمل لملايين الشباب، كما أن هذه الأموال يمكن أن تمثل عنصر ضغط على إدارة ترامب بحيث تدفعها إلى إلغاء الرسوم المفروضة على الصادرات العربية للأسواق الأميركية في حال التهديد بسحب ولو جزءا منها.