طلقات تحذيرية صينية في مواجهة ترامب... حرب المعادن النادرة تجعل ترسانة أميركا بلا مقذوفات

10 فبراير 2025
مصنع ذخيرة في مدينة سكرانتون بولاية بنسلفانيا، 16 إبريل 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسومًا جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات الصينية، مما دفع الصين للرد بفرض قيود على تصدير خمسة معادن نادرة حيوية، مما أثار قلقًا عالميًا حول تأثير هذه القيود على الصناعات الاستراتيجية في الغرب.

- تعتمد العديد من الدول على الصين في توريد المعادن النادرة، مما يمنح الصين قوة اقتصادية كبيرة تستخدمها كأداة ردع في النزاعات التجارية.

- يتوقع بعض المحللين محادثات بين الولايات المتحدة والصين لتجنب تصعيد الحرب التجارية، بينما يواصل ترامب الضغط بتهديدات رسوم إضافية.

لم يكد الحبر الذي كتب به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمر فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات من الصين، يجف حتى مد الرئيس الصيني شي جين بينغ، يده إلى "هراوة الردع القاتلة" للرد. ففي الرابع من فبراير/شباط الجاري، أمر شي بفرض قيود على خمسة معادن نادرة، منها التنغستن المستخدم في الرصاص الخارق للدروع، والموليبدنوم المستخدم في صنع الصواريخ.

جاءت هذه الخطوة بعد نحو شهرين من حظر الصين تصدير معادن الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون إلى الولايات المتحدة، وهي معادن نادرة ضرورية لصنع الرقائق الإلكترونية المتقدمة والأسلحة والذخائر، وذلك رداً على فرض الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قيوداً على بيع رقائق الذاكرة عالية النطاق الترددي التي تصنعها شركات أميركية وأجنبية إلى الصين.

ويبدو أن القيود الصينية الأخيرة على بيع المعادن النادرة، كانت بمثابة طلقة تحذيرية وليس بداية لحرب تجارية شاملة، فقد منحت بكين نفسها القدرة على حظر صادرات المعادن الخمسة، لكنها لم تفعل ذلك بعد. ولكن تبني الصين المتزايد لقيود وحظر التصدير يشير إلى نيتها استخدام قوتها الاقتصادية لتسليح سلاسل التوريد ومعاقبة البلدان والشركات الأجنبية.

وعلى هذا النحو، أثارت هذه الخطوة قلق صناع السياسات والمحللين في أميركا، الذين يخشون أن تلحق الضرر بصناعاتهم الاستراتيجية. وفي هذا السياق، أشارت جريسلين باسكاران وميريديث شوارتز من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، في تقرير للمركز إلى أن "الصين تعمل في وضع الحرب في حين تعمل الولايات المتحدة في وضع السلم فيما يتصل بتعزيز الاستعداد العسكري، ولن يؤدي حظر المدخلات المعدنية الحيوية إلا إلى السماح للصين بالتفوق على الولايات المتحدة".

ذعر بين الحكومات من أوروبا إلى شرق آسيا

كما سبّبت الخطوة الصينية حالة من الذعر بين الحكومات من أوروبا إلى شرق آسيا، التي تخشى أن يتم توجيه الأسلحة الاقتصادية نفسها ضدها. وقد أجرت بعض الحكومات مباحثات لمعرفة كيف تتصرف إذا تم خنق مدخلات إنتاج حاسمة، كما تتجمع مجموعات غير متوقعة من البلدان معاً في اتفاقيات تجارية جديدة لحماية نفسها. الواقع أن نظام الرقابة على الصادرات الجديد في الصين يتتبع ظاهرياً العناصر التي تعتبر "ذات استخدام مزدوج"، أي إنها ذات تطبيقات مدنية وعسكرية. ويتعين على المصدرين الصينيين للمنتجات المدرجة الآن أن يخبروا الدولة من هم عملاؤهم وما هي الاستخدامات المحتملة للسلع. ولكن العقوبات التي فرضها الرئيس الصيني تتجاوز إلى حد كبير هذا الأمر، ويبدو أنها تهدف إلى ترسيخ هيمنة الصين الاقتصادية على التكنولوجيات والمواد والصناعات الرئيسية.

وإلى جانب المعادن النادرة يتعمق اعتماد الكثير من البلدان على الصين في مجالات مثل الألواح الشمسية والبطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية. وقد وصف محللون، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية، اعتماد العالم على الصين في هذه التكنولوجيات المتقدمة بأنه "هراوة القتل"، التي ستمنح الصين "قدرات رادعة تقوم على قطع الإمدادات عن الآخرين، إذا فرضوا عقوبات عليها.

على سبيل المثال، يعتمد المنتجون الكنديون على استخدام المدخلات الصينية أكثر بعشر مرات من اعتماد المنتجين الصينيين على المدخلات من كندا. وعلى نحو مماثل، يتعلق الأمر بشكل صارخ في ما يخص دول الاتحاد الأوروبي.

وقد سمح الرئيس الصيني باستهداف نقطة ضعف في الاقتصادات الغربية، واستغلال إحدى نقاط القوة الرئيسية في الصين. وتعتمد مجموعة واسعة من الإلكترونيات، من أجهزة الرادار وشواحن الهواتف الذكية إلى شرائح الكمبيوتر التي سيتم استخدامها لتدريب الذكاء الاصطناعي، على عدد صغير من المعادن النادرة التي تهيمن عليها الصين. أحد هذه المعادن هو الغاليوم الذي لم تنتجه الولايات المتحدة منذ عام 1987. وعلى الرغم من أن أميركا استوردت أقل من 150 مليون دولار من هذه المادة في العام الماضي، لكن تأثيرها أكبر بكثير لأنها تستخدم في منتجات عالية القيمة.

الغاليوم ليس المعدن الحاسم الوحيد الذي تهيمن عليه الصين حالياً. على الرغم من وجود العديد من المعادن النادرة في أماكن مثل أستراليا والبرازيل وجنوب أفريقيا وجزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، لكن حوالي 90% من قدرة العالم على تكريره موجودة في الصين. وتنتج الصين كل الجرمانيوم والمنجنيز تقريباً في العالم، وثلاثة أرباع الليثيوم والجرافيت الطبيعي ونصف الإثمد (الأنتيمون). وكثيراً ما لا توجد بدائل جيدة لمثل هذه المعادن. فعندما يتعلق الأمر بالمغناطيسات المستخدمة في توربينات الرياح، على سبيل المثال، فإنّ النيوديميوم فقط هو الذي سيفي بالغرض. والبدائل إما أن تكون أكثر تكلفة وإما أنها ليست بالجودة نفسها.

اعتماد الغرب على الصين يتجاوز المعادن النادرة بكثير

ولكن المثير للقلق أن اعتماد الغرب على المدخلات المصنوعة في الصين لصناعاته الخاصة يتجاوز المعادن النادرة بكثير. فمعظم خبراء الاقتصاد أو الاستراتيجيين ينظرون ببساطة إلى مقدار ما تستورده الدول الغربية من الصين عند تقييم نقاط الضعف. وعندما تشمل أيضاً الواردات من دول ثالثة تحتوي على مدخلات صينية، فإن الرقم يقفز بحدّة، وفقاً لريتشارد بالدوين من كلية إدارة الأعمال في المعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا. وإذا جرى النظر إلى الأمر بهذه الطريقة، فإنّ اعتماد أميركا على الصين أكبر بأربع مرات مما تشير إليه إحصاءات التجارة الثنائية.

وبعيداً عن وقف تدفق المدخلات الخام، يحرص البيروقراطيون الصينيون أيضاً على إبطاء جهود البلدان المناوئة لها لبناء سلاسل توريد تتجاوزها. وفي السنوات الأخيرة، نقلت كل من الشركات الصينية الإنتاج إلى دول ثالثة لتجنب التعرفات الجمركية. وهذا التحول، المعروف باسم "الصين زائد واحد" يعزز قبضة الصين على عدد متزايد من سلاسل التوريد العالمية.

وحذر المحللون من أن اندلاع حرب تجارية شاملة بين الصين والولايات المتحدة بعد الرسوم الإضافية التي فرضها ترامب مطلع الشهر الجاري ورد الصين برسوم جمركية على العديد من السلع المنتقاة وقيود التصدير على خمسة معادن نادرة. وقال تشانغ يان شين، الخبير في مركز الصين للتبادلات الاقتصادية الدولية لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أمس: "قد تكون هذه مجرد بداية لهذه المرحلة من الحرب التجارية.. قد يصبح هذا وضعاً سيئاً للغاية".

وكان بعض المحللين يتوقعون أن تعقد الولايات المتحدة والصين محادثات لتجنب الأعمال العدائية التجارية الكبرى. قال ترامب في البداية إنه يتوقع التحدث مع الرئيس الصيني، لكن بعد رد الصين، قال إنه "ليس في عجلة من أمره" وإن الرسوم الجمركية كانت "ضربة افتتاحية" مع تدابير "كبيرة جداً" مقبلة.

وعندما سُئل عما إذا كان فريق ترامب يتواصل مع الصين بالطريقة نفسها التي تعامل بها مع كندا والمكسيك، اللتين كانتا خاضعتين لرسوم جمركية أعلى قبل أن يمنحهما ترامب مهلة لمدة شهر، قال مسؤول في البيت الأبيض إن الولايات المتحدة "على اتصال دائم بنظرائنا، سواء في بكين أو هنا في واشنطن". وقال متحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن إنه لم يكن هناك "تطور جديد" منذ أعلنت الصين الرسوم الجمركية الانتقامية.

وقال خبراء في بكين إن تكتيكات ترامب الصادمة، التي تهدف إلى إجبار الرئيس الصيني على التوصل إلى اتفاق بسرعة، ربما أتت بنتائج عكسية. فقد حدد الرئيس الأميركي يومين فقط بين إعلان التعرفات الجمركية وتنفيذها، وهو جدول زمني ربما كان غير مقبول عند شي.

وقال ما وي، الباحث في معهد كاس للدراسات الأميركية التابع للحكومة الصينية: "الصين لا تريد صفقة كهذه... يجب أن تجري محادثات متكافئة واتفاقية متكافئة، وليس اتفاقية تفرض فيها رسوماً جمركية عالية عليّ أولاً، ثم تقول إننا يجب أن نبرم صفقة". لكن المحللين أشاروا إلى أن الرد الصيني المدروس، يشير إلى مجال للمفاوضات.

لكن الخبراء في بكين قالوا إن المحادثات ربما توقفت لأن ترامب كان يطالب بالتعاون على جبهات أخرى غير مكافحة تهريب مادة الفنتانيل المخدرة، مثل الضغط على روسيا بشأن غزوها لأوكرانيا أو التنازل عن ملكية منصة الفيديو القصيرة "تيك توك" لمشترٍ أميركي. وقال جون جونغ، أستاذ في جامعة الأعمال والاقتصاد الدولية: "الفنتانيل قضية يمكن معالجتها بسهولة، لقد تعاونت الصين بالفعل مع الجانب الأميركي في هذا الشأن... لكن ترامب ربما يريد شيئاً أكثر لا يمكنهم التحدث عنه علناً".

وقال ترامب، يوم الجمعة الماضي، إنه سيعلن المزيد من الرسوم الجمركية، يوم الاثنين أو الثلاثاء. لكنه لم يقدم أي معلومات عن الدول التي سيتم استهدافها. وقالت ويندي كاتلر، الخبيرة التجارية ونائبة رئيس معهد سياسة جمعية آسيا، إنه على عكس كندا والمكسيك، ستلعب الصين لعبة أطول. وأوضحت كاتلر: "من المرجح أن تتبنى بكين نهج الانتظار والترقب قبل النظر في الرد، بما في ذلك الحصول على مزيد من اليقين بشأن ما إذا كانت ستتأثر بشكل أكبر بالرسوم الجمركية الإضافية".

المساهمون