حرب أوكرانيا تعزز نفوذ منتجي النفط وتُفسد خطط تقليص الانبعاثات

حرب أوكرانيا تعزز نفوذ منتجي النفط وتُفسد خطط تقليص الانبعاثات

14 ابريل 2022
حقل نفط في البصرة جنوبي العراق (فرانس برس)
+ الخط -

مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تبدلت مواقف الغرب من منتجي النفط، وعلى رأسهم بلدان منظمة أوبك، إذ يجري الاتحاد الأوروبي مفاوضات حثيثة من أجل إقناع أوبك بزيادة الإنتاج، بعد أن كان يمضي قدماً في خطط لتقليص حضور الوقود الأحفوري في الأسواق العالمية تحت شعار تقليص الانبعاثات، ما يضعف كثيراً من الدول المصدرة.

وبينما كانت الدول الغربية، لا سيما الأوروبية، تراهن على الطاقة النظيفة للحدّ من الوقود الأحفوري، تعمل الكثير منها لزيادة إمدادات الطاقة، سواء كانت نظيفة أم لا، خوفاً من توقف الإمدادات الروسية.

وفي وقت سابق من إبريل/ نيسان الجاري، أمر الرئيس الأميركي جو بايدن بالإفراج عن 180 مليون برميل من الاحتياطات الإستراتيجية الطارئة.

وتأتي التحركات الأميركية بالاتفاق مع وكالة الطاقة الدولية، التي أعلنت بدورها يوم الخميس الماضي، أنّه سيجري توفير حوالي 240 مليون برميل من مخزون النفط في حالات الطوارئ خلال الأشهر الستة المقبلة، أي ما يعادل أكثر من مليون برميل يومياً في السوق العالمية.

مفاوضات مع أوبك

كما سافر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى السعودية في مارس/آذار الماضي، من أجل تأمين إمدادات النفط وخفض أسعاره وكذلك زيادة الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب غزوه لأوكرانيا، في حين أشارت بولندا إلى رغبتها في استخدام الفحم لما بعد تاريخ 2050، الذي حدده الاتحاد الأوروبي للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية.

ووفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، فإنّ وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، أبرز تغير أحوال قطاع النفط خلال مؤتمر في دبي الشهر الماضي، وقال: "شعر منتجو النفط بأنهم غير مرغوب فيهم خلال قمة المناخ (كوب 26)، كما لو كنا محاصرين في مأزق، لكننا الآن مثل الأبطال الخارقين".

وقال المزروعي: "في القمة، طلبوا من المؤسسات المالية الحد من تمويل مشاريع النفط والغاز الجديدة، وبعد مرور 6 أشهر، أصبحوا يطلبون المزيد منه".

وخلال تلك القمة التي عقدت في غلاسكو الاسكتلندية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، حرمت المملكة المتحدة شركات النفط من صفقات الرعاية في القمة، قائلة إن أهداف الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية الخاصة بتلك الشركات غير موثوقة.

وطرق هذا القرار أيضاً على الوتر الحساس لدى المديرين التنفيذيين في شركات النفط، بمن فيهم بن فان بيردن، الرئيس التنفيذي لشركة "شل"، الذي اشتكى من عدم الشعور بالترحيب قبل محادثات العام الماضي.

دعاة حماية البيئة

وكان هذا انتصاراً لدعاة حماية البيئة، ممن انتقدوا بولندا لسماحها لشركات الفحم بإلصاق علامتها التجارية في جميع مؤتمرات "كوب" التي استضافتها في الفترة بين 2013 و2018.

لكن من غير المرجح أن يواجه الوقود الأحفوري نفس درجة المقاومة هذا العام. فمصر، التي ستشرف على "كوب 27" في مدينة شرم الشيخ السياحية شمال شرق البلاد خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، انضمت إلى مجموعة من البلدان النامية التي قاومت الضغط عليها لبذل المزيد من الجهود لخفض الانبعاثات.

وقالت مصر إنه لا ينبغي حرمان الدول الأفريقية من فرصة استغلال احتياطاتها من النفط والغاز، كما شددت على أن أولويات اجتماعات القمة هذا العام يجب أن تركز على تشجيع الدول الغنية لدفع المزيد من المال، حتى تساعد الدول النامية على الانتقال إلى الطاقة النظيفة.

ورغم أنّ الإمارات، التي تستضيف قمة "كوب" في 2023، كانت المرشح الأوفر حظاً نسبياً في المنطقة في ما يتعلق بسياسات المناخ، إذ أصبحت أول دولة منتجة للنفط في منطقة الخليج العربي تضع هدفاً للوصول لصافي الانبعاثات الصفرية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أنها ما تزال تؤيد بالكامل الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري.

وترغب الإمارات في تحويل رأي قمة "كوب" نحو الهيدروكربونات بحيث تنظر لها باعتبار أنّها جزء من الحل، بدلاً من المشكلة، وفقاً لمصدر مطلع على إستراتيجية الدولة.

قمة شرم الشيخ

وقال المصدر لوكالة بلومبيرغ، إن المسؤولين الإماراتيين والمصريين يعملون بالفعل عن كثب للتأكد من توافق المؤتمرين.

هناك أيضاً إشارات إلى أنّ المؤتمرين التاليين لقمة "كوب" عرضة لخطر تقييد أهدافهما لخدمة المصالح النفطية، بسبب العلاقة الوثيقة بين السعودية والدولتين المضيفتين. وتعهدت الرياض بتقديم 15 مليار دولار لدعم مصر مع تعرض اقتصادها لضغوط بسبب الحرب في أوكرانيا، كما أودعت المملكة أول 5 مليارات دولار من المبلغ خلال الشهر الماضي.

وتتزايد المخاوف الأوروبية بشكل خاص، من تعرض القارة العجوز لصدمات عنيفة اقتصادياً ومعيشياً في حال توقف إمدادات الطاقة من روسيا واستمرار منظمة أوبك في نهج زيادة الإنتاج تدريجياً الذي اتبعته مع تهاوي الأسعار خلال جائحة كورونا منذ عامين.

وحتى عندما سارع العالم إلى إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا والضغط الاقتصادي على الكرملين، زاد استهلاك أوروبا من النفط والغاز الروسي بالفعل منذ بداية الحرب.

وفقًا لمركز الأبحاث "بروجيل" ومقره بروكسل، اشترت أوروبا ما قيمته 24 مليار دولار من النفط والغاز في مارس/آذار وحده، بحسب ما نقل موقع "أويل برايس" الأميركي. كما تدفع أسعار النفط والغاز المتصاعدة، الكثير من البلدان إلى إهمال شعارات تقليص الانبعاثات، حيث تتحول نحو زيادة استهلاك الفحم لتشغيل محطات الكهرباء.

الصادرات الروسية تتعافى

ورغم العقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو، لا تزال صادرات الطاقة الروسية متماسكة بشكل كبير، إذ تعافت في الأسبوعين المنتهيين في الثامن من إبريل/نيسان، عقب تراجعها منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، بحسب بيانات أوردتها وكالة بلومبيرغ في تقرير مطلع الأسبوع الجاري، وفق تقارير تتبع الصادرات الروسية على متن ناقلات عابرة للمحيطات.

وبلغت الصادرات الروسية من النفط ما يقرب من 4 ملايين برميل يومياً في أول أسبوع من الشهر الجاري، لتكون أعلى مستوى أسبوعي هذا العام، بعد ارتفاعها بمقدار الربع تقريباُ عن الأسبوع السابق له.

والأمر نفسه ينطبق على عائدات رسوم التصدير التي تتلقاها روسيا، إذ ارتفعت خلال الأسبوع المنتهي في 8 إبريل/نيسان لأعلى مستوى هذا العام، بعد انخفاضها في الأسبوعين السابقين، بحسب التقرير.

وقبل الحرب الروسية الأوكرانية، كانت موسكو، ثاني أكبر مصدّر للنفط عالمياً بعد السعودية، وتصدّر تقريباً 5 ملايين برميل يومياً بقيمة سوقية فورية تزيد عن 500 مليون دولار، بعضها عن طريق خطوط الأنابيب مباشرة إلى مصافي التكرير في أوروبا والصين، في حين يُنقل 60% من النفط الروسي عن طريق البحر.

وكانت روسيا تنتج أكثر من 11.3 مليون برميل يومياً، قبل موافقتها على خفض إنتاجها أكثر من مليوني برميل يومياً، في إبريل/نيسان 2020، ضمن اتفاق مجموعة "أوبك+" الذي أقر تخفيضات إنتاج النفط بنحو 10 ملايين برميل يومياً، أي نحو 10% من إنتاج النفط العالمي، عقب تفشّي فيروس كورونا، الذي أدى إلى انهيار أسعار الخام.