استمع إلى الملخص
- كشفت الحرائق عن إخفاقات سوق التأمين في كاليفورنيا، حيث انسحبت شركات التأمين، مما أجبر السكان على الاعتماد على خطة "كاليفورنيا فير" ذات التغطية المحدودة، تاركة العديد دون تعويضات كافية.
- يتوقع الخبراء زعزعة استقرار سوق العقارات في كاليفورنيا، مما قد يؤثر على الاقتصاد الأميركي، مع تحذيرات من انهيار القطاع العقاري وأزمة مالية مشابهة لأزمة 2008.
أفاقت مدينة لوس أنجليس في ولاية كاليفورنيا الأميركية قبل أيام، على حرائق مباغتة وصفتها تقارير إعلامية بأنها "عدو غير متوقع"، دمر آلاف المباني والمنازل وشرد أكثر من 180 ألف شخص، تاركة المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الولايات المتحدة، في أزمة كبيرة لا تقتصر على الخسائر التي تقدر بين 50 و150 مليار دولار، والتي ستضرب ميزانيات ملاك العقارات المدمرة وشركات التأمين في العمق، وإنما أيضاً ظهور أزمة إسكان معقدة باهظة التكاليف.
وقبل أن تدمر الحرائق الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، والتي اندلعت، الأسبوع الماضي، ما يقدر بنحو 12 ألف مبنى، بما في ذلك آلاف المنازل، كانت المدينة تواجه أزمة إسكان غير مسبوقة.
وقالت المديرة التنفيذية لـ Strategic Actions for a Just Economy، وهي منظمة غير ربحية تبحث في سياسات الإسكان لصالح سكان لوس أنجليس من ذوي الدخل المنخفض، سينثيا ستراثمان: "إذا أصبحت فجأة بلا مأوى ونازحاً، فإن سوق الإسكان في لوس أنجليس ليس هو السوق الذي تريد أن ينتهي بك الأمر فيه".
في جميع أنحاء كاليفورنيا، كان نقص الإسكان حاداً بالفعل بسبب تكاليف الأراضي والبيئة التنظيمية الصارمة والعرض المحدود. ويبلغ متوسط الإيجار في لوس أنجليس 2820 دولاراً شهرياً، وفقاً لموقع زيلو (Zillow) العقاري، وهو أعلى بكثير من المتوسط في عموم الولايات المتحدة البالغ 1983 دولاراً، وقد ترتفع الإيجارات بشكل أكبر بعد الحرائق. كما لا يزال متوسط الإيجار البالغ 3800 دولار في مدينة ألتادينا، القريبة من لوس أنجليس أعلى بنسبة 90% من المتوسط الوطني، وفقًا لأرقام "زيلو" حتى السبت الماضي.
خلال السنوات الأخيرة، اتخذت لوس أنجليس خطوات لمعالجة نقص الإسكان، حيث جرى إقرار تدابير على مستوى المدينة وولاية كاليفورنيا عموماً لتمويل برامج الإسكان بأسعار معقولة ومكافحة التشرد. ووقعت عمدة لوس أنجليس، كارين باس، على أمر تنفيذي في عام 2023 لتبسيط إجراءات بناء العقارات بأسعار معقولة.
لكن إعادة البناء بعد كارثة كبرى مثل الحرائق الحالية تجلب مشاكل جديدة، وفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست، أمس الأحد، إذ يحذر الخبراء من الإجراءات الشائكة وأعمال البناء المعقدة التي تنتظر الجميع، والتي أصبحت أكثر صعوبة بسبب تحديات العمل في المدن الكثيفة. كما يجب نقل الحطام من مئات قطع الأراضي المتجاورة.
وستحتاج آلاف تصاريح البناء إلى المعالجة. كذلك أشار الخبراء إلى أنه يجب أن يكون هناك عدد كافٍ من عمال البناء والكهربائيين والسباكين لإعادة الإعمار، لكن هناك في الغالب نقص في هذه العمالة. وأشارت لورين فينيجان، الباحثة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى وجود صعوبات بسبب "حجم الطلب الهائل الذي يحدث في وقت واحد"، حيث يتدافع الناس والشركات للحصول على المواد والعمالة الماهرة وتصاريح البناء.
قضت الحرائق على جزء كبير من حي باسيفيك باليساديس الساحلي الذي يبلغ عدد سكانه 23 ألف شخص، حيث بلغ متوسط سعر بيع المنزل 3.3 ملايين دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفقًا لموقع ريدفين العقاري.
الكثير من المنازل لن تحصل على تعويضات
كما تكشف الحرائق عن إخفاقات في سوق التأمين المتهالكة في كاليفورنيا، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية. فقد تراجعت الشركات عن توفير التأمين على المنازل في الولاية خلال السنوات الأخيرة. وفي عام 2022، توقفت شركة أولستيت، رابع أكبر شركة تأمين على المنازل والحوادث في كاليفورنيا آنذاك، عن توفير تغطية تأمينية للمنازل. وفي مارس/آذار الماضي، ألغت شركة ستيت فارم، وهي شركة تأمين أخرى، 30 ألف بوليصة تأمين على المنازل، بما في ذلك 1600 بوليصة في "باسيفيك باليساديس". وسلطت الشركة الضوء على المخاطر المتزايدة للخسائر الناجمة عن حرائق الغابات كسبب للانسحاب من السوق.
ونتيجة لذلك، انتهى الأمر بالعديد من سكان كاليفورنيا إلى الاعتماد على خطة "كاليفورنيا فير" (California FAIR)، وهو برنامج خاص أنشأته الولاية وصُمم ليكون شركة تأمين ضد الحرائق كملاذ أخير. وعادةً ما تكون التغطية أكثر تكلفة وأقل شمولاً من بدائل التأمين الخاصة، لكن سكان كاليفورنيا يتجهون إلى البرنامج بأعداد كبيرة، حيث كان هناك حوالي 452000 بوليصة سكنية سارية المفعول اعتباراً من سبتمبر/أيلول 2024، أي أكثر من ضعف المستوى في نفس الشهر من عام 2020.
وعلى الرغم من أن الخطة لديها ما يصل إلى 458 مليار دولار من الأصول المؤمن عليها، اعتباراً من سبتمبر/أيلول الماضي، فقد اعترفت سابقاً بأن لديها أصولاً وإعادة تأمين أقل بكثير لتغطية الأضرار. وتتعرض الخطة لمطالبات محتملة بقيمة 3 مليارات دولار في "باسيفيك باليساديس"، وهو رقم نما بنسبة 85% من عام 2023 إلى 2024 مع انسحاب شركات التأمين الخاصة من السوق. سينتهي الأمر ببعض أصحاب المنازل باهظة الثمن إلى تحمل الخسائر، حيث تغطي الخطة ما يصل إلى 3 ملايين دولار فقط من الخسائر، حيث لن يكون العديد من ملاك العقارات مؤمنين.
ويقدر خبراء وفقاً لموقع ياهو فاينانس (Yahoo Finance) سعر المنزل الواحد بنحو 3.5 ملايين دولار في "باسيفيك باليساديس" التي كانت إحدى خمس مناطق طاولتها الحرائق في لوس أنجليس. كما تفيد تقارير أميركية بأن معرفة المدى الكامل للأضرار الناجمة عن الحرائق التي لم تهدأ بعد سوف تستغرق أسابيع.
والتهمت خمسة حرائق نحو 29000 فدان من الغابات والمنازل في جميع أنحاء لوس أنجليس والمناطق المحيطة في الولاية والتي تعاني من الجفاف الذي دام شهوراً. ولم تقتصر خسائر أصحاب المنازل الأثرياء في لوس أنجليس، على الحرائق التي التهمت منازلهم ومقتنياتهم، بل امتدت إلى تضاؤل فرص الحصول على تعويضات كافية من شركات التأمين.
وفي وقت متأخر من يوم الخميس الماضي، قدر بنك جيه بي مورغان تشيس قيمة الأضرار المؤمن عليها بأكثر من 20 مليار دولار. كما توقع بنك ويلز فارغو وقوع خسائر مشمولة بالتأمين بذات المبلغ. وقال إن الضرر الاقتصادي الإجمالي الناجم عن الكارثة قد يتجاوز 60 مليار دولار. وأشارت وكالة بلومبيرغ في تقرير لها إلى أن الحرائق قد تزعزع استقرار سوق العقارات السكنية في كاليفورنيا التي تبلغ قيمتها 10 تريليونات دولار.
تحذيرات من امتداد لهيب الخسائر إلى الاقتصاد الأميركي
يتوقع خبراء مناخ في تصريحات لوكالة بلومبيرغ، أن يشهد جنوب كاليفورنيا اندلاع المزيد من الحرائق الشديدة خلال أشهر الشتاء، مما يترك ملايين السكان وبعض العقارات الأكثر قيمة في البلاد في مرمى النيران. وهو ما دفع السيناتور الديمقراطي عن الولاية، شيلدون وايتهاوس، للتعبير عن مخاوفه من انهيار القطاع العقاري في كاليفورنيا ومن ثم امتداده لباقي الاقتصاد الأميركي متسبباً في أزمة مالية جديدة على غرار الأزمة المالية في 2008.
وقال وايتهاوس لـ"بلومبيرغ" إن "هذه الكوارث سوف تجعل شركات التأمين أكثر حذراً بشأن تأمين المنازل والشركات في المجتمعات المعرضة للخطر. وهذه هي الطريقة التي تبدأ بها الإخفاقات المتتالية، فالممتلكات غير القابلة للتأمين غير قابلة للرهن العقاري، والممتلكات غير القابلة للرهن العقاري تفقد الكثير من قيمتها مع تقلص مجموعة المشترين المتاحين". وأضاف: "كما رأينا مع الأزمة المالية في عام 2008، فإن الانهيار في قيم الممتلكات سرعان ما يتحول إلى انهيار على مستوى الاقتصاد بأكمله".
ونهاية العام الماضي، وصلت حالات الإفلاس بين الشركات الأميركية إلى أعلى مستوى لها منذ تداعيات الأزمة المالية العالمية، حين عاقبت أسعار الفائدة المرتفعة وضعف الطلب الاستهلاكي الشركات المتعثرة. وقدم ما لا يقل عن 686 من الشركات الأميركية طلبات إشهار إفلاس في 2024، بزيادة بلغت نسبتها 8% عن عام 2023، وهو أعلى من أي عدد جرى تسجيله منذ تسجيل 828 حالة إفلاس في عام 2010، وفقاً لبيانات شركة ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس (S&P Global Market Intelligence). وشهدت المناورات خارج المحاكم، التي تهدف إلى تجنب الإفلاس، أيضاً زيادة العام الماضي، حيث تجاوزت عدد حالات الإفلاس بمعدل يقارب اثنين إلى واحد، وفقاً لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني.