"حجز الرواتب" يفاقم معاناة آلاف الأسر الكويتية

05 مايو 2025
الغلاء يدفع الأفراد إلى زيادة الاقتراض من البنوك (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شهدت الكويت جدلاً حول تعديل قانون المرافعات رقم 59 لسنة 2025، الذي شدد إجراءات حجز الرواتب، مما أثر سلباً على آلاف العائلات وأثار انتقادات للحكومة بسبب تجاهل معاناة المواطنين لصالح البنوك.

- تتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مع سحب الجنسيات من آلاف الأفراد، مما أدى إلى تعليق رواتبهم. يؤثر هذا على أكثر من 20 ألف شخص، مع جهود لإيجاد حلول مستدامة وسط تقدم بطيء.

- يواجه القطاع الخاص مشكلة تأخير الرواتب رغم الوضع المالي القوي للدولة، حيث تبرز هذه الظاهرة في الشركات المتعاقدة مع القطاع العام. يطالب الخبراء بتعزيز الرقابة لضمان حقوق العمال.

سلط وجود وسم #حجز_الراتب في قائمة صدارة أخبار الكويت على منصة إكس خلال الأيام الماضية، الضوء على ظاهرة اقتصادية متكررة ذات انعكاس معيشي على آلاف الكويتيين، تتمثل في حجز رواتب الآلاف منهم على خلفية مديونيات مستحقة عليهم. وتعود القصة إلى تعديل قانون المرافعات رقم 59 لسنة 2025، الذي فتح الباب لتشديد إجراءات الحجز على رواتب من صدرت بحقهم أحكام قضائية لضمان سداد مديونياتهم، ما ترك عائلات تواجه شبح العجز عن تلبية احتياجاتها الأساسية.

وإزاء ذلك، يعاني آلاف الكويتيين من حجز رواتبهم بنسب تصل إلى 50% في بعض الحالات، ما يدفع البعض للتفكير في ترك وظائفهم بسبب عدم كفاية الراتب المتبقي للنفقات المعيشية، وسط تقاطع للأزمة مع ارتفاع المديونية وثقافة الاستهلاك السائدة في البلد الخليجي. وألقى ذلك بظلاله على النسيج الاجتماعي الكويتي، وسط اتهامات للحكومة بتجاهل معاناة المواطنين لمنفعة مصالح البنوك، حسبما أظهرت المنشورات والتعليقات على وسم "#حجز_الراتب".

وركزت أغلب المطالبات في الوسم على دعوة الحكومة الكويتية للتدخل وإيقاف أو تعديل قرارات حجز الراتب، وتسليط الضوء على مقارنات مع دول مثل أميركا وبريطانيا، حيث تُحدد قوانين صارمة نسبة الحجز (مثل 25% كحد أقصى في الولايات المتحدة). وحسب وكالة فيتش، فقد تصاعدت إصدارات الديون بالدولار في المؤسسات الكويتية، إلى 13.6 مليار دولار في 2024 مقارنة بـ60 مليون دولار فقط في 2023، ما يعكس زيادة كبيرة في الاقتراض على مستوى القطاعين العام والخاص، بما في ذلك البنوك التي تلعب دوراً رئيسياً في تمويل الأفراد.

وهذا الارتفاع في إصدار الديون يشير إلى زيادة في الاقتراض الشخصي، ما يرفع من احتمالية زيادة معدلات التعثر، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية وارتفاع تكاليف المعيشة، حسب مراقبين.

وبينما يعكس الوسم قلقاً اجتماعياً واقتصادياً يرى في حجز الراتب كإجراء يفاقم الديون بدلا من حلها، يبرز من فصول الأزمة تقاطع خفي مع قرار سحب الجنسية من آلاف الكويتيين، على خلفية مراجعة "استحقاقهم لها" من قبل "اللجنة العليا لتحقيق الجنسية"، إذ باتت آلاف المسحوبة جنسياتهم غير مستحقين لرواتب "المواطنين"، وبالتالي شملهم الحجز.

سحب الجنسيات في الكويت

هذه الزاوية، أشار إليها الخبير الاقتصادي الكويتي محمد رمضان، لـ "العربي الجديد"، موضحاً أن أزمة حجز الرواتب مرتبطة بمواجهة الكويت إشكالية كبيرة تتعلق بسحب الجنسيات من فئات مختلفة من السكان، سواء ممن حصلوا عليها بطريقة قانونية أو غير قانونية، وهي قضية تشمل شريحة واسعة من الأفراد، بمن في ذلك زوجات الكويتيين الأجانب اللواتي حصلن على الجنسية الكويتية بعد استيفاء الإجراءات المطلوبة.

ويوضح رمضان أن أعداد المتضررين من هذه القضية تقدر بأكثر من 20 ألف شخص، ما يجعلها قضية ذات تأثير مجتمعي واسع، لا يتوقف فقط عند سحب الجنسيات، بل يمتد إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة، إذ تم تعليق رواتب المتضررين وإغلاق حساباتهم البنكية، ما أدى إلى تفاقم معاناتهم اليومية.
ويبين رمضان أن هذه المشكلة، رغم أنها بدأت تأخذ طريقها نحو الحل، إلا أنها استغرقت وقتاً أطول مما كان متوقعاً، ما زاد من تعقيد الوضع وأثّر سلباً على حياة المتضررين.

ويؤكد رمضان أن الجهود الحالية تتجه نحو إيجاد حلول مستدامة لهذه القضية، التي تمس جوانب حقوقية وإنسانية بالدرجة الأولى، وعلى الرغم من التقدم البطيء فإن هناك بوادر تشير إلى أن الأزمة قد تشهد انفراجة قريباً إذا استمرت الجهات المعنية في التعامل معها بجدية وفعالية، حسب تقديره.

القطاع الخاص

يشير الخبير الاقتصادي محمد الناير، لـ "العربي الجديد"، إلى ظاهرة أخرى متعلقة بالرواتب في الكويت، وهي تأخيرها في القطاع الخاص بدون مبررات منطقية أو مقبولة، في ظل الوضع المالي القوي الذي تتمتع به الدولة، موضحاً أن الظاهرة لا تطاول القطاع العام بالأساس، حيث تلتزم الحكومة بسداد التزاماتها الشهرية تجاه موظفيها بشكل منتظم، مستندة إلى إمكاناتها المالية الكبيرة ومواردها الوافرة، وإنما تتركز في القطاع الخاص.

ويوضح الناير أن المشكلة تبرز بشكل أساسي في الشركات الخاصة التي تعمل مع القطاع العام بموجب عقود تقديم خدمات، مثل شركات الأمن والنظافة والحراسة، فرغم أن الدولة تسدد مستحقات هذه الشركات بانتظام وفق جداول زمنية واضحة، إلا أن بعض الشركات لا تلتزم بدفع رواتب عمالها في الوقت المحدد، وعندما يحتج العمال أو يلجؤون إلى الإضراب بسبب تأخر الرواتب، تظهر القضية وكأنها مشكلة مرتبطة بالدولة، بينما الحقيقة أن الأمر ينحصر في سوء إدارة هذه الشركات لالتزاماتها.

ويطالب الناير الدولة بتحمل دور أكبر في ضمان التزام الشركات الخاصة بواجباتها تجاه عمالها، كما يدعو إلى وضع آليات رقابة صارمة لمتابعة الشركات ومعاقبة المخالفة منها، وذلك لتجنب أي تأثير سلبي على سمعة الكويت الاقتصادية. ويؤكد الناير أن الكويت تمتلك موارد مالية كبيرة وإمكانات اقتصادية تجعلها في وضع مريح على مستوى الموازنة العامة، ما يعزز قدرتها على التعامل مع هذه المشكلة، لكن بعض الشركات الخاصة تتبع نهجاً "غير مسؤول"، حسب توصيفه، ما يؤثر سلباً على حقوق العمال.

ويخلص الناير إلى أن دولة الكويت لا بد أن تكون حازمة في هذا الشأن، وتتخذ إجراءات مشددة لضمان عدم تكرار هذه الظاهرة، فالقطاع الخاص ليس كياناً منفصلاً عن الاقتصاد الوطني، بل هو جزء أساسي منه، ما يتطلب تنظيماً دقيقاً لتحقيق التوازن والاستقرار.

المساهمون