جيران السودان: دعوات للتكامل الاقتصادي وإطفاء التوترات

جيران السودان: دعوات للتكامل الاقتصادي وإطفاء التوترات

02 أكتوبر 2021
تواجه شعوب دول الجوار مشكلات متشابهة (أشرق الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

تحيط بالسودان سبع دول هي جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا ومصر، فيما يفصلها البحر الأحمر عن السعودية. الحدود مستقرة نسبياً مع غالبية الدول الحدودية ويتخلل الهدوء توترات متقطعة، فيما تتزايد الدعوات لتحقيق نوع من التكامل الاقتصادي عبر مشاريع تنموية للمناطق الحدودية.

عدد من الدراسات يؤكد أنه يمكن العمل على تمايز كل دولة لتطوير أسس الترابط الاقتصادي. بعض الباحثين يشير إلى أنه يمكن الانطلاق من الحدود المصرية السودانية لإنشاء منطقة اقتصادية حرة، تتكامل فيها الأدوار وتلتقي فيها المزايا المصرية والسودانية من خلال المشروعات المشتركة.

ويؤكد البعض الآخر على أن الفكرة الأخيرة من الممكن أن تمتد إلى كافة الحدود السودانية الأخرى، بما يمكّن الخرطوم من أن تصبح رمانة الميزان في السوق الأفريقية والعربية. يقول الباحث والمتابع للشأن السوداني خالد البلولة لـ “العربي الجديد" إن "السودان والدول المحيطة به تمتلك موارد طبيعة لم تستغل نتيجة ضعف الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي".

ويشرح أن "السودان يمتلك أطول حدود مشتركة مع دولة جنوب السودان في شريط السافنا الغني، وثاني حدود الأكثر ثراء في الموارد غير المستغلة في الشريط المرتبط مع إثيوبيا". ويضيف أن "دولة جنوب السودان تعاني من التوترات، بالتالي كل المشاريع التي كان من المتوقع إطلاقها توقفت، وفقدت كل من جوبا والخرطوم سوقاً كبيرة".

ويتابع أن "خمس ولايات سودانية محاذية لدولة الجنوب لم تستطع إيجاد سوق بسبب التوترات الأمنية، ما نشّط تجارة التهريب".

جوبا وإثيوبيا

يعتبر الشريط الحدودي بين السودان وجنوب السودان من بين أغنى المناطق في العالم نتيجة للثروة الحيوانية واعتدال المناخ طوال فترات العام تقريبا وتوافر المياه لشهور طويلة، بالإضافة إلى الأنهار والجداول والخيرات الموسمية والنفط والثروات المعدنية المطمورة في باطن الأرض. ويرى محللون أن مجموعة من الضرورات تحتم على الدولتين بناء علاقات اقتصادية وتجارية بينهما، ما قد يحقق مكاسب اقتصادية تحسن المستوى المعيشي المتدهور في البلدين.

ويقول المحلل ستيفن لوال من جنوب السودان لـ “العربي الجديد" إن هنالك عدداً من المشروعات المشتركة بين الدولتين في مجال الزراعة والمعادن والنفط، إلى جانب مصاف نفطية كان الهدف منها أن تعود بعائدات كبيرة على البلدين. ويلفت إلى وجود مشاريع وأنشطة اقتصادية تم تجميدها حتى قبل انفصال دولة الجنوب في العام 2011، من ضمنها مشروعات دعم الوحدة بين السودان والجنوب ومشروع كهرباء أعالي النيل بمدينة "الرنك".

ويؤكد الخبير الاقتصادي السوداني هيثم فتحي أن الخرطوم وجوبا يمكنهما أن يخلقا سوق عمل مفتوحا للشباب، كما أن التبادل السلعي بين الدولتين يخلق أسواقا وقطاعات جديدة يمكنها أيضا أن تمتص البطالة. في المقابل يمتد الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا بمسافة 260 كيلومتراً، والمناطق الحدودية تعتبر من الأراضي السودانية الأكثر خصوبة، إلا أنها غير مستثمرة نتيجة التوتر بين البلدين.

ويرى خبراء ومتخصصون في الشأن الأفريقي أن أزمة الحدود بين إثيوبيا والسودان تفرض على الدولتين ضرورة بناء تكامل اقتصادي بينهما، استناداً إلى القواسم المشتركة بين الشعبين. وتعتبر الحدود بين إثيوبيا والسودان من أكثر المناطق الساخنة في أفريقيا بسبب عدم الترسيم، ما جعلها تظل قضية معلقة لفترة طويلة، حتى باتت ورقة ضغط للحكومات المتعاقبة في الدولتين وقت الخلافات، وحلقة وصل وتداخل ثقافي واقتصادي في أوقات السلم.

ويقول المختص في الشأن الإثيوبي والسوداني محمد حامد جمعة لـ “العربي الجديد" إن عملية التكامل الاقتصادي بين البلدين تمثل الخيار الأفضل لأنه سيكون المدخل المناسب لتجاوز حالة التوتر، شريطة أن يتم ذلك عبر اتفاق قانوني للاحتكام إليه وترسيم الحدود بين البلدين، وإلى حين ذلك يمكن تنظيم مشروعات شراكة خاصة في الزراعة والتجارة الحدودية.

ويشدد على أهمية التعاون بين المستثمرين في البلدين والولايات الحدودية مع تمثيل السكان المحليين. ويتفق معه المحلل والمتابع للشأن السوداني الإثيوبي عبد المنعم أبو إدريس ويلفت لـ “العربي الجديد" إلى أن أنسب منطقة للتكامل هي الحدود السودانية الإثيوبية.

ويضيف أنه ليس هنالك خيار اخر نسبة لوجود أراض زراعية شاسعة في السودان وقوى بشرية في إثيوبيا كلها تبحث عن تفعيل السوق وتوفير فرص العمل. ويضرب إدريس المثل بالنموذج الأوروبي الذي ارتبط بمصالح مشتركة بعد سنوات من الاقتتال.

تفاهمات مع مصر وتشاد

يعتبر مختصون من السودان ومصر أن الاتفاق على المناطق المتنازع عليها أصبح ضرورياً، وسط احتمال تقاسم القاهرة والخرطوم الثروات المعدنية والوقود الغنية في "مثلث الحلايب".

وهذا المثلث المتنازع عليه بين البلدين، يقع عند البحر الأحمر، وتزيد مساحته عن عشرين ألف كيلومتر مربع، ويعتقد المعنيون في البلدين أن هذا المثلث غني بالموارد المعدنية والخامات المختلفة‫.‬ ويقول السفير علي يوسف، رئيس جمعية العلاقات السودانية المصرية، لـ "العربي الجديد" إن المعالجات المبنية على التوافق تعتبر أفضل الحلول، فإذا اتفق البلدان على المناطق المتنازع حولها يمكن أن تصبح مساحات "تكاملية".

ويضيف السفير أن هذا الحل يتطلب إرادة سياسية من البلدين وترتيبات مبنية على هذا الأساس. وتربط السودان ومصر حدود طولها 1273 كيلومترا، مع إمكانية تنمية المعابر البرية، وإمكانية ربط البلدين بالسكك الحديدية وتعزيز النقل النهري. وتعتبر الجغرافيا المشتركة أرضية خصبة لزيادة الحركة التجارية لما يصب في صالح البلدين.

كذا، وقع كل من السودان وتشاد عدداً من الاتفاقيات المشتركة في وقت سابق، أبرزها اتفاقية القوات المشتركة السودانية التشادية والتجارة والاستثمار، واعتزم البلدان على تنفيذ الاتفاقيات المبرمة التي في مقدمتها طريق الإنقاذ القاري وخط السكة الحديد والمنطقة الحرة في كل من "الجنينة السودانية" "وأسنقا التشادية". واتفق البلدان على استئناف تجارة الحدود وتوقيع اتفاقية لتطوير التجارة البينية بين البلدين وتسهيل وتبسيط إجراءات تجارة الترانزيت والعبور بالنسبة للسلع والبضائع التشادية القادمة من ميناء بورتسودان.

ويقول المحلل الاقتصادي أحمد خليل لـ “العربي الجديد" إن السودان بحاجة الى تفعيل التعاون الاقتصادي مع تشاد كونها مدخلا إلى دول غرب أفريقيا "المغلقة"، خاصة بعدما اتفقت الحكومتان على إنشاء قوة دفاع مشتركة لتامين الحدود بينهما.

ويؤكد أن التفاهم بين البلدين يعود بالنفع والفائدة إلى المنطقة التي تتداخل فيها القبائل الحدودية وينتشر فيها التهريب والتجارة غير المشروعة.

المساهمون