جون بول فيتوسي... اقتصادي فرنسي أثبتت نظرياته صحتها وقت الأزمات

جون بول فيتوسي... اقتصادي فرنسي أثبتت نظرياته صحتها وقت الأزمات

27 ابريل 2022
جون بول فيتوسي (فرانس برس)
+ الخط -

اقتصادي فرنسي سعى إلى التبسيط الذي يستحضر المواطن العادي. السهل الممتنع، الذي لا يتأتى سوى للمثقفين الذين نفذوا إلى أسرار تخصصاتهم، ولم يغفلوا مناحي المعرفة الأخرى وظلوا لصيقين بالناس والحياة.
جون بول فيتوسي من الاقتصاديين الذين فكروا خارج الصندوق، وظن البعض أنهم أضحوا على الهامش، قبل أن تنصفهم الأزمات، ويعود الجميع إليهم.

ذلك كان حال الاقتصادي الفرنسي جون بول فيتوسي، الذي دافع دائماً عن حضور تصوره الكينزي وحفز الاقتصاد عبر توسيع العجز الموازني مع الحرص على حصره في 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي. رؤاه التي شاطره إياها اقتصاديون آخرون، أذعنت لها الدول مع الأزمة الصحية و تعمل عليها مع الأزمة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
قبل أن يرحل منذ أيام عن عمر يناهز 79 عاماً، نشر جون بول فيتوسي آخر كتاب له قبل عامين، يؤكد فيه أنّ الجميع عالق في فخ دون أن يدرك ذلك، حيث يتم تسخير اللغة بهدف تأبيد وضعيات غير سوية، مستحضراً الروائي البريطاني جورج أورويل في رائعته 1984، التي يتحدث فيها عن اللغة الجديدة Novlangue، التي يراد من ورائها تنميط الناس والمجتمع.
يؤكد فيتوسي الذي تولى أمر المرصد الفرنسي للظرفيات الاقتصادية على مدى عقدين، أنّ الطريقة التي يجرى الحديث بها إلي الناس تؤدي بهم إلى قبول الوضعيات غير المقبولة، مثل البطالة والهشاشة وتدهور الفوارق، حيث يتم الإيحاء بأنه ليس بالإمكان أكثر مما هو كائن، والحال أنّ الديمقراطية الحقيقة تقضي بالنقاش حول الأفكار البديلة، حتى لا يفضي الفكر السائد إلى التحكم في المجتمع.

يضرب مثلاً بالخطاب السائد حول البطالة، إذ تحاول اللغة الاقتصادية التأكيد أنّ العاطلين يوجدون في تلك الوضعية بإرادتهم، إذ يكفي عبور الشارع كي يجدوا عملاً، بينما يرى فيتوسي أنّ فرص العمل لا تتاح عندما يجري البحث عنها، مضيفاً أنّ الخطاب السائد يوحي بأنّ تعويضات البطالة تنم عن سخاء يزج بالعاطلين في نوع من الكسل.
كان قادة الدول يستشيرونه، لم يكف عن الدفاع عن أفكاره عبر كتاباته ومحاضراته في المنتديات واللجان، هو الذي عرفته العديد من الجامعات في فرنسا و إيطاليا والولايات المتحدة الأميركية. وأبدى اهتماماً كبيراً بقضايا الفوارق. وقد كلفه الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي في 2008، بمعية الاقتصاديين جوزيف ستيغليتز وأمارتيا سين، الحاصلين على جائزة نوبل، بإعداد تقرير حول المؤشرات البديلة للنمو الاقتصادي.
شغِف بالعلوم الاقتصادية، التي كان يرى أنّها تجمع بين الرياضيات والفلسفة، هو الذي بدأ مساره الأكاديمي في السبعينيات من القرن الماضي، حين برز مثقفاً منشغلاً بقضايا التضخم والبطالة، بعيداً عن المقاربات التكنوقراطية الباردة، التي لا ترى في المواطنين سوى أرقام. في الثمانينيات من القرن الماضي، سعى هذا الاقتصادي ذي التوجه الكينزي إلى المساهمة في بناء نماذج اقتصادية تستلهم نظرية المفكر الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز، إذ لم يغفل الجوانب المرتبطة بمعدلات الفائدة وسعر الصرف.

كان قادة الدول يستشيرونه، لم يكف عن الدفاع عن أفكاره عبر كتاباته ومحاضراته في المنتديات واللجان، هو الذي عرفته العديد من الجامعات في فرنسا و إيطاليا والولايات المتحدة الأميركية


انشغل بالبناء المؤسساتي للاتحاد الأوروبي في التسعينيات من القرن الماضي، إذ كان هذا المراقب المسلح بمرجعية فكرية صلبة، ينتقد البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية، ساعياً إلى التدليل على تهافت المقولة التي تؤكد، في ظلّ سيادة الأرثوذوكسية النقدية والموازنية المستوحاة من النيوليبرالية، على أنّه لا توجد بدائل. عبّر صاحب كتاب "النقاش الممنوع" الصادر قبل ثمانية وعشرين عاماً، عن أنّ هناك سياسات موازنية ونقدية أخرى ممكنة، منتقداً بميوله الكينزية صرامة السياسات المتبعة في الاتحاد الأوروبي. وقد التفت كثيرون إلى كتاباته في الأزمة التي عرفها العالم قبل أربعة عشر عاماً وتلك التي خلقتها الأزمة الصحية الأخيرة، إذ تجلى أنّ هناك سياسات ممكنة تؤثر على عودة الدول وعدم الركون للسوق ويده الخفية، كما بدا أن توسيع العجز الموازني كان الحل ضمن مسعى التعافي.
أخذ عليه اعتباره توسيع العجز الموازني حلاً لجميع المشاكل، إلّا أنّ الجميع يتفق على أنّه كان مراقباً منشغلاً بتقليص الفوارق؛ هو العاشق لإيطاليا التي بكاه قادتها ومثقفوها بعد شيوع خبر وفاته.

المساهمون