استمع إلى الملخص
- السياسات الاقتصادية لإدارة ترامب، مثل التعرفة الجمركية، تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي وتساهم في احتمالية الركود، وفق تحذيرات مؤسسات دولية.
- الحروب التجارية مع شركاء رئيسيين مثل الصين والهند تزيد من الضغوط على الاقتصاد الأميركي وتثير مخاوف من تأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي.
على الرغم من حالة الجلبة والصخب الشديد التي أحدثتها السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه في الشهور الماضية، والحديث عن إنجازات غير مسبوقة على أرض الواقع، إلا أن مؤشرات الاقتصاد الأميركي الأخيرة مقلقة مع زيادة ضراوة الأزمات التي يواجهها أقوى اقتصاد في العالم، وأن المستهلك بات يتململ من غلاء الأسعار، وأن المخاوف من تداعيات تلك السياسات على معدل النمو، وسياسات التوظيف، وتكاليف المعيشة، والأسواق المالية، تتصاعد.
وأن تلك المؤشرات يجب أن تمثل قلقاً لصانع القرار الاقتصادي وأسواق المال وكبار المستثمرين وقيادات منظمات الأعمال والبنوك وبورصات "وول ستريت"، وأن العصر الذهبي الذي وعد به ترامب ربما يتأخر كثيراً، وأنه حتى طفرة الذكاء الاصطناعي الهائلة وقفزات أسهم التكنولوجيا تخفي خلفها هشاشة هذا الاقتصاد، وأن احتمال حدوث ركود داخل الولايات المتحدة يزيد عن 50%، في ظل حدوث تدهور ملحوظ في سوق العمل خلال الأشهر الأخيرة، علماً بأنه لم تسجل أميركا هذه النسبة المرتفعة من قبل إلا خلال فترات الركود الاقتصادي.
وفي الوقت الذي تتباهى فيه الولايات المتحدة بأنها تمتلك أضخم اقتصاد حول العالم، ويزعم البيت الأبيض بأن التعرفة الجمركية حققت تريليونات الدولارات في صورة إيرادات للولايات المتحدة، نجد أن هناك سوساً ينخر في الاقتصاد الأميركي الذي بات يواجه رياحاً معاكسة ويعاني من أزمات عدة، من أبرزها التضخم، واحتمالية التعرض لحالة كساد، وتفاقم الدين العام وزيادة العجز المالي، وتدهور سوق العمل، وتصاعد شكوى المستهلكين من عدم القدرة على توفير احتياجاتهم اليومية، والنمو غير المتوازن بين الولايات.
الاقتصاد الأميركي يواجه يواجه رياحاً معاكسة ويعاني من أزمات، منها التضخم، واحتمالية التعرض لحالة كساد، وتفاقم الدين العام وزيادة العجز المالي، وتدهور سوق العمل، وتصاعد شكوى المستهلكين
إضافة إلى أزمات أخرى منها تسييس الاقتصاد وفقدان مؤسسات الاقتصاد استقلالها وفي المقدمة بنك الاحتياط الفيدرالي، حيث أقال ترامب رئيس مكتب إحصاءات العمل بعد ساعات من صدور تقرير أظهر تباطؤاً مفاجئاً في وتيرة التوظيف، وأقال عضوة بنك الاحتياط الفيدرالي ليزا كوك، قبل أن تعيدها محكمة الاستئناف لمنصبها في وقت لاحق. كما هدد مرات عدة بإقالة جيروم باول محافظ البنك الفيدرالي.
هذه الحالة المقلقة في المشهد الاقتصادي الأميركي عبر عنها بنك الاحتياطي الفيدرالي قبل أيام، حيث قال إن الاقتصاد الأميركي شبه متوقف وأن الرسوم الجمركية تُفاقم التضخم، وأكد في تقريره الدوري المعروف بـ"بيج بوك"، إن النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة شهد "تغيراً طفيفاً أو معدوماً" في معظم مناطقه خلال الأسابيع الأخيرة، بينما تواصل الرسوم الجمركية دفع الأسعار للارتفاع وسط تباطؤ وتيرة التوظيف.
صندوق النقد الدولي أرسل أيضاً إشارات تحذيرات، حيث قال قبل أيام إن الاقتصاد الأميركي بدأ في إظهار علامات على التراجع بعد أعوام من الصمود، وسط تباطؤ الطلب المحلي وتراجع نمو الوظائف رغم اقتراب التضخم من هدف الفيدرالي عند 2%. كما أن السياسات التجارية والهجرية التي تنتهجها إدارة ترامب قد تقود الاقتصاد إلى حالة ركود، وفق صحيفة "واشنطن بوست". دعم هذا الرأي جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف جيه بي مورغان الاستثماري العملاق، الذي قال إن بيانات وزارة العمل الأميركية الأخيرة تؤكد أن الاقتصاد في حالة تباطؤ، وأن "الاقتصاد يضعف".
موديز أنتلتكس -وحدة التحليلات الاقتصادية والمالية التابعة لوكالة موديز للتصنيف الائتماني- حذرت هي الأخرى هذا الأسبوع من خطورة استمرار الوضع الحالي للاقتصاد الأميركي، موضحة أن احتمالية حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة ارتفعت إلى 48% في أغسطس/ آب 2025، وهو أعلى مستوى منذ بداية جائحة كوفيد عام 2020.
يواجه الاقتصاد الأميركي مخاطر متصاعدة جراء دخوله في حرب تجارية شرسة مع الشركاء التجاريين، وتنامي صداماته مع دول العالم، كما لوّح ترامب بشن حرب اقتصادية شرسة ضد روسيا
حال المستهلك الأميركي هو الآخر لا يختلف كثيراً عن حال الاقتصاد، فبحسب بيانات جامعة ميشيغن "يعتقد 7 من كل 10 أميركيين أن دخلهم لن يواكب ارتفاع الأسعار خلال العام الجاري أو العامين المقبلين"، وهي أعلى نسبة منذ 30 عاماً على الأقل، ويتوقع معظم الأميركيين أن يستمر التضخم في أكل ثرواتهم.
عالمياً، يواجه الاقتصاد الأميركي مخاطر متصاعدة جراء دخوله في حرب تجارية شرسة مع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وفي المقدمة الصين والهند واليابان، وتنامي صداماته مع دول العالم خاصة منطقة اليورو، كما لوّح ترامب قبل أيام بشن حرب اقتصادية شرسة ضد روسيا، وهو ما يرفع منسوب المخاطر الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة.