Skip to main content
جدار طالبان ضد العقوبات: عزوف عن البنوك يعرقل مساعي أميركا لخنق الموارد
العربي الجديد ــ كابول
سوق للصرافة في العاصمة كابول (فرانس برس)

غالبا ما تتبع وزارة الخزانة الأميركية النظام المالي العالمي كمنهج رئيسي في تطبيق العقوبات التي تفرضها على الدول والكيانات، إلا أن هذا النظام قد لا يكون فاعلاً حال فرض عقوبات على حركة طالبان التي تعزف بالأساس عن البنوك.

فضلا عن أن أفغانستان لا تزال غالباً خارج النظام المصرفي العالمي، وتعتمد بدلاً منه على الدولار الورقي ونظام الحوالات المالية والتعامل النقدي، لذا تزداد جهود واشنطن في فرض قيود مالية على طالبان تعقيداً بسبب ندرة القنوات المصرفية الرسمية في الدولة.

يقول أليكس زيردن، ملحق وزارة الخزانة السابق في كابول في عامي 2018 و2019 لوكالة بلومبيرغ الأميركية إن "النظام المصرفي في أفغانستان ضعيف، ويمثل النظام المالي الرسمي جزءاً صغيراً للغاية من الاقتصاد هناك، لذا تأثير العقوبات يمكن أن يكون محدوداً".

وتبذل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حالياً جهوداً لإيقاف تدفق الأموال إلى أيدي طالبان، من خلال تجميد الولايات المتحدة نحو 9 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني.

إذ يشير محافظه أجمل أحمدي، الذي فر من أفغانستان، في تصريحات نقلتها وكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس الاثنين، إلى أن 7 مليارات دولار من ذلك المبلغ توجد مع بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. كما أوقفت إدارة بايدن الشحنات النقدية، وأبقت وزارة الخزانة على إدراج طالبان في قائمة العقوبات.

أفغانستان لا تزال خارج النظام المصرفي العالمي، وتعتمد بدلاً منه على الدولار الورقي ونظام الحوالات المالية والتعامل النقدي

وبالرغم من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة لتعزيز الاقتصاد والقطاع المصرفي الأفغاني لمدة 20 عاماً، إلا أن حالة البلاد بدائية إلى حد كبير، إذ يعيش نحو 74% من السكان في المناطق الريفية، في حين تتخذ أغلب مصارفها من المدن الثلاث الكبرى مقراً لها، وفقاً لبيانات البنك الدولي.

ونظراً لعدم قبول العملة الأفغانية في التجارة العابرة للحدود، يعتمد الاقتصاد على الدولار الورقي والحوالات، وهو نظام قائم على الثقة منذ عقود في نقل النقد للتجارة الدولية في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب آسيا بأكمله، قبل ظهور الخدمات المصرفية الحديثة.

ولا تزال الحوالة جوهرية في الأنظمة المالية بالعديد من تلك الدول، وخصوصاً أفغانستان. من هذا المنطلق، استهدفت السلطات الأميركية بعض شبكات الحوالة التي تساعد ما تصفهم واشنطن بالإرهابيين في نقل الأموال.

وضغطت إدارة بايدن، لمنع طالبان من الوصول إلى احتياطيات طارئة، تقدر قيمتها بنحو 400 مليون دولار في صندوق النقد الدولي، وبالفعل أعلن صندوق النقد، الأربعاء الماضي، أن أفغانستان لن يكون بمقدورها الوصول إلى موارد الصندوق، بما في ذلك تخصيص جديد لاحتياطيات حقوق السحب الخاصة، بسبب الافتقار إلى الوضوح حيال الاعتراف بحكومتها، بعد أن سيطرت طالبان على كابول.

وقال متحدث باسم الصندوق في بيان: "كما هو الحال دائما، فإن صندوق النقد الدولي يسترشد بآراء المجتمع الدولي... يوجد حاليا عدم وضوح داخل المجتمع الدولي في ما يتعلق بالاعتراف بحكومة في أفغانستان، ونتيجة لذلك، فإن هذا البلد لا يمكنه الوصول إلى حقوق السحب الخاصة أو أي موارد أخرى لصندوق النقد الدولي".

لكن يبدو أن طالبان تحظى بتقبل دولي أقل تحفظاً مما كان عليه الأمر خلال نظامها المتشدد جداً بين 1996-2001، فقد رحبت روسيا والصين وتركيا بالفعل بالتصريحات العلنية الأولى لقادة الحركة، وهو ما قد يحد كثيرا من تأثير العقوبات الأميركية في حال بناء علاقات مع هذه الدول.

في مقابل الصعوبات التي قد تواجه واشنطن في فرض عقوبات مالية على طالبان، فإنها قد تتمكن من خنق المساعدات الدولية التي تصل إلى الشعب الأفغاني

وفي مقابل الصعوبات التي قد تواجه واشنطن في فرض عقوبات مالية، فإنها قد تتمكن من خنق المساعدات الدولية التي تصل إلى الشعب الأفغاني. إذ تشير بيانات البنك الدولي إلى أن نحو 75% من الإنفاق العام يتم من خلال المساعدات الدولية، في حين يأتي الجزء الرئيسي من الاقتصاد غير المشروع من إنتاج الأفيون والمخدرات والتهريب.

ويرى جوش ليبسكي، مدير مركز "جيو إيكونوميكس" التابع للمجلس الأطلسي، وفق وكالة بلومبيرغ أن "الشعب الأفغاني حالياً يتعرض إلى خطر هائل" بسبب نضوب المساعدات الدولية، مشيرا إلى أنه من المرجح أن يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى تعزيز أسعار المواد الغذائية، وزيادة الضغط على الدولة الفقيرة.

وفي السياق، قال محافظ البنك المركزي الأفغاني في مقابلة مع شبكة بلومبيرغ، إن العملة الأفغانية، المعروفة باسم "أفغاني"، ستشهد على الأرجح هبوطاً جديدا بعد أن وصلت إلى مستوى قياسي منخفض الأسبوع الماضي، مضيفا أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلكين من خلال زيادة تكلفة الواردات.

وأشار أحمدي إلى أنه بالنظر إلى تجميد الغالبية العظمى من أصول البنك المركزي التي تزيد عن 9 مليارات دولار من قبل الولايات المتحدة، تواجه أفغانستان أزمة اقتصادية محتملة، بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا والجفاف الإقليمي وأزمة النازحين.

وأضاف أن طالبان "ستحاول على الأرجح التوجه إلى دول أخرى لتحل محل الولايات المتحدة، وربما كانت الصين، أو باكستان، أو دولا إقليمية أخرى، للعثور على بعض مصادر التمويل، إلا أنه وضع صعب".

وبخلاف التقارير الغربية التي تتحدث عن أن أبرز مصادر تمويل طالبان تأتي من تجارة الأفيون والتهريب، فإن تقريرا حديثا صادرا عن حلف شمال الأطلسي "ناتو"، يشير إلى أن حركة التعدين غير الشرعية في البلاد وتصدير المعادن الثمينة ومن بينها الأحجار الكريمة والفحم والملح، تعد مصدر تمويل مهما لطالبان فضلا عن الضرائب التي تفرضها على التجار وحركة النقل ومرور البضائع بالمناطق التي تسيطر عليها مقابل الحماية التي توفرها للتجار.

وربما تكون ثروات باطن الأرض بمثابة ورقة تفاوض نحو إقامة علاقات اقتصادية فاعلة مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي يسعى إلى إزاحة الولايات المتحدة لتصعد بكين وتحل مكان واشنطن في قيادة العالم اقتصادياً وسياسياَ.

أنشطة التعدين غير الشرعية وتصدير المعادن الثمينة ومن بينها الأحجار الكريمة والفحم والملح، مصدر تمويل مهما لطالبان فضلا عن الضرائب التي تفرضها على التجار وحركة النقل ومرور البضائع

ويختزن باطن الأرض في أفغانستان ثروة واعدة من النحاس والليثيوم والأحجار الكريمة والمعادن النادرة، حيث صارت اليوم تحت أقدام طالبان. وقُدرت إمكانات جميع الموارد الجوفية في أفغانستان بنحو تريليون دولار في تقرير مشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يعود لعام 2013.

وحتى قبل انتصار طالبان في أفغانستان، قال مختصون في قطاع التعدين إن الصين دعمت عدداً من فصائل طالبان بهدف تسهيل وصولها إلى بعض المناجم الواعدة، حيث تنتج الصين 40% من النحاس في العالم وما يقرب من 60% من الليثيوم وأكثر من 80% من الأتربة النادرة، وفق وكالة الطاقة الدولية.