ثمن باهظ للإغلاق الثاني... تداعيات أكثر قسوة في لبنان وسورية واليمن

ثمن باهظ للإغلاق الثاني... قطاعات لبنانية على شفير الإفلاس وتداعيات أكثر قسوة في سورية واليمن

25 نوفمبر 2020
الإغلاق المتجدد يفاقم الصعوبات المعيشية في لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

تتزايد الضغوط المالية في لبنان مع تجدد الإغلاق لكبح انتشار فيروس كورونا، ما يضع العديد من الأنشطة على شفير الإفلاس، بينما يواجه البلد أزمات متراكمة تسببت في هبوط الاحتياطي الأجنبي إلى مستويات قياسية، ما استدعى الإعلان عن إجراءات قد تنهي دعم واردات السلع الأساسية من دواء وقمح ومحروقات (وقود) خلال الأسابيع المقبلة.

وتتزامن الأزمات مع أبواب توصد في وجه بيروت لتلقي الدعم المالي من منظمات التمويل والدول المانحة بسبب عدم تشكيل حكومة جديدة حتى اليوم، وعدم القيام بأي إجراءات إصلاحية وضمنها التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي.

وتأتي هذه المشكلات في ظل الإغلاق العام الذي بدأ في الرابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري ويستمر حتى نهاية الشهر، حيث تتصاعد المعاناة المعيشية مع إقفال الشركات والمؤسسات أبوابها استجابة لتدابير مواجهة كورونا، وتتزايد حالات التسريح من العمل وخفض الرواتب نتيجة هبوط أرباح الشركات وإغلاق العديد منها نهائياً ومغادرتها السوق اللبنانية.

حجب أموال اللبنانيين

ويشكو المواطنون من احتجاز دولاراتهم في المصارف منذ العام الماضي، وخفض سقف السحوبات من المصارف بالعملة المحلية في محاولة من مصرف لبنان للسيطرة على جماح التضخم، ما يزيد من الضغوط على التجار والمستوردين لتأمين العملة الصعبة اللازمة لشراء السلع من الخارج.

وانعكست هذه الإجراءات على الأسعار في السوق المحلية التي ارتفعت إلى مستويات قياسية، بموازاة هبوط سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار إلى 8300 ليرة الثلاثاء، فيما لا يزال سعر الصرف الرسمي غير المعمول به ثابتاً عند 1507 ليرات.

ويفاقم تدهور قيمة العملة معاناة اللبنانيين المعيشية مع تجاوز نسبة البطالة 50%، وفقاً لتقديرات خبراء اقتصاديين مُعلنة في الأيام الماضية، في تزايد يُنذر بالأسوأ، قياساً بأرقام مسح القوى العاملة الصادر عن "المديرية العامة لإدارة الإحصاء المركزي"، والذي يغطي الفترة الممتدة بين إبريل/نيسان 2018 ومارس/آذار 2019، والتي أظهرت أن معدّل البطالة في لبنان بلغ 35% بين الشباب من حمَلة الشهادات الجامعية.

ووفق الباحث في "الدولية للمعلومات"، محمد شمس الدين، لـ"العربي الجديد"، فإن الخسائر اليومية المترتّبة على الإقفال العام تتراوح بين 50 إلى 60 مليون دولار. أما القطاعات الأكثر تضرّراً، فهي المطاعم، ومحلات بيع الألبسة والأحذية والعطورات، ويليها قطاع النقل.

وأضحت العديد من القطاعات على شفير الإفلاس، لا سيما القطاع السياحي، وفق تحذير أطلقه أخيراً الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي، الذي قال إن الوضع الحالي يأتي نتيجة الأحداث المتراكمة والأزمات التي فاقمها حجز المصارف للودائع بالدولار والقيود المشددة لسحب الأموال، إضافة إلى فيروس كورونا، وقرارات الإقفال والفتح بين فترةٍ وأخرى.

وأضاف بيروتي أن القطاع لم يعد يحتمل أي إقفال جديد، ولا سيما أنّ الدولة لم تقدّم بديلاً أو تعويضاً أو تتخذ إجراءً لصمود القطاع، كما فعلت دول العالم التي لجأت إلى الإقفال، من دفع رواتب للموظفين بنسبٍ كبيرة، وبدلات الإيجار، وغيرها من الإجراءات الاستثنائية.

استنزاف مستمر للسوريين

وفي سورية حيث استنزفت الحرب والعقوبات معيشة المواطنين، جاءت تداعيات كورونا لتعمق الأزمات، فقد زادت الإغلاقات الجزئية التي أعلنتها حكومة بشار الأسد، تفادياً لآثار الموجة الثانية من الوباء، من معاناة السوريين وأدخلت الموظفين ذوي الدخل الثابت إلى دائرة الفقر.

وأكدت مصادر من العاصمة السورية دمشق، وجود نقص في المعروض السلعي بشكل عام، نتيجة تراجع الاستيراد ومقايضة الإنتاج السوري الموسمي، مع طهران وزيادة التصدير إلى المملكة السعودية لتوفير سيولة مالية. وأشارت المصادر إلى ارتفاع الأسعار بأكثر من 15% خلال نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ما زاد تكاليف معيشة الأسرة، خاصة مع دخول تكاليف الدفء خلال فصل الشتاء بعد رفع أسعار الوقود الشهر الماضي وارتفاع أسعار مستلزمات الشتاء أكثر من 200%.

وفي حين لم تزد حكومة بشار الأسد الأجور والرواتب، كما وعدت مراراً وأبقت متوسط الأجور عند 50 ألف ليرة، وصلت تكاليف معيشة الأسرة إلى أكثر من 650 ألف ليرة شهرياً.

وقال المحلل المالي علي الشامي لـ"العربي الجديد" إن السوريين يعيشون أزمة نقص سيولة مع ارتفاع الأسعار وانسحاب الدولة تدريجياً من الدعم وزيادتها أسعار المشتقات النفطية والخبز.

وأضاف الشامي خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أن نسبة الفقراء تعدت 90% وليست 83% كما قدرتها المنظمات الدولية، متوقعاً زيادة النسبة جراء تعطّل الأعمال بواقع الإغلاقات الجديدة.

الصراع يطحن فقراء اليمن

ولا يختلف الوضع كثيراً في اليمن الذي نال الفقر من أغلب سكانه في ظل الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، وزادت معاناته بفعل تداعيات كورونا التي حجبت الكثير من تحويلات المغتربين في الخارج، بينما ظلت لسنوات طوق النجاة لمئات آلاف الأسر.

ووفق بيانات حديثة، تراجعت السيولة النقدية في السوق المصرفية بنسبة تزيد على 45% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وعلى الرغم من ارتفاع حجم الإصدار النقدي (طباعة النقود) خلال السنوات الماضية، إلا أن السوق المصرفية تعاني من شح في السيولة، الأمر الذي أرجعه مدير معهد الدراسات المصرفية عبدالغني السماوي، إلى تسرب النقد إلى خارج القطاع المصرفي الرسمي، وتشتت الكتلة النقدية في أكثر من منطقة في ظل الصراع.

ومنذ عام 2015، تآكلت احتياطيات النقد الأجنبي تدريجياً، وتعثرت صادرات النفط والغاز، وتخلى البنك المركزي عن تمويل استيراد السلع الأساسية والوقود على مراحل، بينما حافظت تحويلات المغتربين على قيمتها عند 3.3 مليارات دولار عام 2015، وارتفعت قليلاً إلى 3.7 مليارات دولار عام 2016، وقدرت بحوالي 3.4 مليارات دولار عام 2017، إلا أنها تقلصت بشكل كبير بعد جائحة كورونا وفق خبراء مصرفيين، خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية وتسريح العاملين في الدول التي يعمل بها أغلب اليمنيين، لا سيما في الخليج.

شكل آخر من الأزمة في الأردن

وفي الأردن أخذت الأزمة المالية ونقص السيولة لدى المواطنين شكلاً آخر تمثل في تزايد حالات التعثر المصرفي، ما دعا البنك المركزي إلى إصدار قرار، يوم الأحد الماضي، يقضي بتمديد تأجيل أقساط القروض المستحقة على القطاعات المتضررة من جائحة كورونا حتى 30 يونيو/حزيران المقبل، بهدف تقليل الآثار المترتبة على الجائحة وإعطاء الشركات والأفراد المتضررين الوقت الكافي الذي يمكنهم من سداد التزاماتهم تجاه البنوك لحين تعافي التدفقات النقدية لمصادر دخلهم المختلفة.

ودعا "المركزي" البنوك إلى تأجيل الأقساط المستحقة على الشركات المتضررة وعدم اعتبار ذلك هيكلة للتسهيلات، وبما لا يؤثر أيضاً على تصنيف الشركات الائتماني، وألا تتقاضى البنوك عمولة أو تفرض فوائد تأخير.

وكان محافظ البنك المركزي، زياد فريز، قد أعلن في مارس/آذار الماضي عن جدولة القروض والسماح بتقسيطها بدون أي فوائد للشركات والمؤسسات والأفراد. وتقدر مديونية الأفراد المترتبة للبنوك بنحو 15 مليار دولار، معظمها قروض شخصية وتسهيلات لشراء المساكن والسيارات والإنفاق على مجالات أساسية، مثل التعليم والصحة وغيرهما.