استمع إلى الملخص
- دعم إعادة الإعمار والتنمية المستدامة: الاتفاقية تدعم جهود إعادة الإعمار في سورية بتوفير تركيا 6 ملايين متر مكعب من الغاز و1000 ميغاوات من الكهرباء يومياً، مع التركيز على نقل الخبرات والتكنولوجيا ومشاريع الطاقة المتجددة.
- تحليل الخبراء وأبعاد الاتفاقية: تمثل الاتفاقية تحولاً في العلاقات، مما يسهم في تحسين الاستقرار الاقتصادي واندماج سورية في شبكات الطاقة الإقليمية، مع توقعات بأن تصبح ممراً إقليمياً مهماً للطاقة.
في خطوة تحمل أبعاداً استراتيجية وسياسية واسعة، وقّعت سورية وتركيا، اليوم الجمعة، اتفاقية طاقة استراتيجية، وسط تحولات إقليمية متسارعة تفتح المجال أمام فرص إعادة الإعمار وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدَين. وجاء توقيع الاتفاقية في العاصمة السورية دمشق، إذ التقى وزير الطاقة السوري محمد البشير بنظيره التركي ألب أرسلان بيرقدار، بهدف تعزيز الشراكة في مجالات الطاقة خاصة ربط الشبكات الكهربائية وتوفير الغاز الطبيعي، ضمن رؤية تتجاوز الأبعاد الفنية لتشمل اعتبارات اقتصادية وجيوسياسية أوسع.
الوزيران اتفقا على استكمال خط الغاز الذي يصل بين تركيا كلس وحلب، وتشغيله خلال يونيو/حزيران، الأمر الذي يسهم في زيادة توليد الطاقة وانعكاسها الإيجابي على المواطن السوري، وكذلك بحثا استكمال إجراءات الربط لخط الـ 400 كيلوفولت الذي يصل تركيا بسورية، ما يساعد في استيراد الكهرباء بحوالى 500 ميغاوات، الذي يُتوقع أن يكون جاهزاً مع بداية العام الحالي.
سورية ومشروع الطاقة المتجدّدة والربط الكهربائي
وخلال مؤتمر صحافي مشترك عُقد في مبنى وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، أكد البشير أن العمل مستمر لإنجاز الربط الكهربائي عبر خط بقدرة 400 كيلو فولت يمتد من تركيا إلى شمال سورية. وأشار الوزير السوري إلى أن مشروع الربط الكهربائي سيشكل تحولاً جوهرياً في منظومة الطاقة السورية التي تعرضت لأضرار بالغة خلال سنوات الصراع، مضيفاً: "نواصل استكمال الإجراءات الفنية والتقنية، ومن المتوقع تشغيل المشروع بحلول نهاية العام الجاري، ما سيسهم في تعزيز استقرار الشبكة الكهربائية وتحسين تلبية احتياجات المواطنين والصناعات المحلية"، كما أوضح أن الاتفاقية تأتي ضمن خطة أوسع تشمل تعزيز التعاون في مجال الطاقة المتجدّدة وتطوير البنية التحتية، مع الاستفادة من الخبرات التركية في هذا المجال الحيوي.
من جانبه، شدّد الوزير التركي ألب أرسلان بيرقدار على أهمية الاتفاقية في دعم جهود إعادة الإعمار في سورية، لافتاً إلى الدور المحوري لقطاع الطاقة في دفع عجلة النمو الاقتصادي. وقال بيرقدار: "منذ كانون الأول الماضي، دخلت سورية مرحلة جديدة من إعادة البناء، ونرى أن دعم قطاع الطاقة هو مفتاح لتسريع هذه العملية. بموجب الاتفاق، ستوفر تركيا ستة ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً لسورية، إلى جانب 1000 ميغاوات من الكهرباء، وهي خطوة لا تقتصر على تلبية الاحتياجات الفورية، بل تهدف إلى بناء شراكة طويلة الأمد تعزّز الأمن الطاقي للمنطقة بأكملها"، وأكد أن التعاون سيشمل نقل الخبرات والتكنولوجيا وتدريب الكوادر السورية، بالإضافة إلى مشاريع مشتركة في مجال الطاقة المتجدّدة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في إطار رؤية شاملة لتحقيق التنمية المستدامة.
رؤية استراتيجية.. وخبراء يحلّلون الاتفاقية
هذا ويقول خبراء إنّ هذه الاتفاقية تأتي في وقت حرج وتشكل نقطة تحول في العلاقات بين البلدَين، إذ تمهد الطريق لاندماج سورية تدريجياً في شبكات الطاقة الإقليمية، وهو ما قد يسهم في تحسين الاستقرار الاقتصادي وخلق فرص جديدة للتنمية. وفي هذا السياق، قال الدكتور أيمن السليمان، الخبير في شؤون الطاقة والاقتصاد، لـ"العربي الجديد": إنّ "الاتفاقية ليست مجرد تزويد بالطاقة، بل هي مدخل لإعادة بناء البنية التحتية في سورية وتحسين الاستقرار الاقتصادي، فالربط الكهربائي وتوفير الغاز سيقلّلان من الأعباء المالية على الحكومة، ويعزّزان فرص التنمية في البلاد"، وأضاف السليمان: "مع تشغيل خط الربط، يمكن لسورية أن تصبح ممراً إقليمياً مهماً للطاقة، خصوصاً إذا تزامنت هذه الخطوة مع إصلاحات داخلية تعزّز القطاع وتفتح أسواقاً جديدة".
ولم تقتصر العلاقات بين سورية وتركيا على اتفاقية الطاقة الأخيرة، بل سبقتها سلسلة اتفاقيات اقتصادية، شملت قطاعات التجارة والنقل وإدارة الموارد المائية. وشهدت الأعوام الماضية جهوداً مستمرة لتعزيز التبادل التجاري، إذ وصل حجمه إلى 1.5 مليار دولار سنوياً، وسط توقعات بارتفاع هذا الرقم مع تحسن العلاقات بين البلدَين.
وعلى صعيد النقل واللوجستيات، أدى فتح معابر جديدة وتسهيل حركة البضائع عبر الحدود إلى تخفيف الأعباء الاقتصادية، في حين جرى تنفيذ مشاريع مشتركة لضمان إمدادات المياه للمناطق الحدودية السورية، إضافةً إلى تنسيق الجهود في إدارة الموارد المائية. وفي مجال الطاقة، تشير بيانات رسمية إلى أن تركيا تزود سورية حالياً بنحو 1000 ميغاوات من الكهرباء يومياً عبر الربط الكهربائي، إلى جانب ستة ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما يسهم في تلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة، كما أن هناك دعماً محدوداً في قطاع النفط الخام ومشتقاته من خلال اتفاقيات خاصة بين شركات من الجانبَين.
وفي إطار التعاون التقني، تستمر تركيا في تقديم الدعم الفني والتدريب ونقل التكنولوجيا لتعزيز القدرات السورية في هذه القطاعات الحيوية، ضمن استراتيجية طويلة الأمد تستهدف تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية المشتركة.