توقعات بخسارة مليار دولار سنوياً في إسرائيل بسبب تلويح أوروبا بفرض عقوبات
استمع إلى الملخص
- تمثل تجارة إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي نحو ثلث إجمالي تجارتها، ومع تصويت البرلمان الأوروبي على فرض عقوبات، تتزايد الضغوط على إسرائيل، حيث تعتمد النتيجة النهائية على مواقف دول مثل ألمانيا وإيطاليا.
- أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى ضرورة التكيف مع اقتصاد مكتفٍ ذاتيًا، مشبهًا الوضع باقتصاد "إسبرطة"، مع تزايد المخاوف من تأثير العزلة الاقتصادية.
بالتزامن مع تنبؤ رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مزيداً من العزلة الاقتصادية لبلاده بسبب إبادة غزة، ودعوته إلى التكيف أكثر فأكثر مع اقتصاد يتمتع بخصائص "الاكتفاء الذاتي"، اقترحت المفوضية الأوروبية الأربعاء الماضي، فرض عقوبات اقتصادية على التجارة مع إسرائيل بسبب استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، التي توقع اتحاد الصناعات الإسرائيلية أن تكلفهم مليار دولار سنوياً، فيما ألغت إسبانيا صفقات مع شركات سلاح إسرائيلية تُقدر بمليار يورو، وفق صحف إسرائيلية.
وأعلنت المفوضية الأوروبية الأربعاء، أن المفوضين سيقرون حزمة عقوبات تشمل تعليق امتيازات تجارية مع إسرائيل بسبب حربها على غزة، وفرض رسوم على السلع. وحذر رئيس اتحاد الصناعات الإسرائيلي، رون تومر، من أن فقدان هذه الامتيازات وفرض رسوم بين 3 إلى 6% على الصادرات الإسرائيلية، يعني كلفة إضافية تصل إلى مليار دولار سنويًا يتحملها اقتصاد الاحتلال، بحسب صحيفة "هآرتس" الثلاثاء الماضي. وأضاف أن "هذه العقوبات والإضرار بالسمعة الاقتصادية لإسرائيل من جانب أوروبا سيجعلان العديد من رجال الأعمال في أوروبا يفضلون تجنّب التعامل مع شركات إسرائيلية"، داعيًا الحكومة إلى دعم المصدّرين وفتح أسواق بديلة، حسبما أكد موقع "بوليتيكو" الأميركي في اليوم ذاته.
وتتضمن الخطة التي سيناقشها مجلس أوروبا أول أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تعليق بعض الأحكام التجارية بموجب الاتفاق الأورومتوسطي بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وفرض عقوبات على وزراء الحكومة المتطرفين والمستوطنين العنيفين. وتمثل تجارة إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي نحو ثلث إجمالي تجارة إسرائيل من البضائع، ما يجعل التكتل أهم شريك تجاري لإسرائيل. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إن حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل نحو 42.6 مليار يورو في عام 2024 (منها 17 مليار دولار صادرات إسرائيلية إلى أوروبا و25 مليار دولار واردات من أوروبا)، وإن المعاملة التفضيلية تبلغ حوالى 37% من ذلك، وهو ما سيُلغى بعد العقوبات وفرض رسوم.
وقال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جيري موراتينوس: "بالتأكيد هذه الخطوة سيكون لها ثمن باهظ بالنسبة إلى إسرائيل". وكان البرلمان الأوروبي قد صوّت، في وقت سابق، على نص قرار يدعو إلى فرض عقوبات على وزراء في الحكومة الإسرائيلية وتعليق اتفاقات التجارة بين بروكسل وتل أبيب، بموافقة 305 نواب، مقابل معارضة 151 نائبًا وامتناع 122 آخرين. وتضمّن القرار كذلك دعوة إلى إجراء تحقيق في "جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة جميع المسؤولين عنها". ووفق ما أورده موقع "بوليتيكو"، فإن القرار يدعم اقتراح رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين بتعليق جزئي للامتيازات التجارية في اتفاقية الشراكة.
ألمانيا وإيطاليا تحسمان الأمر
ويستلزم خفض مستوى الشراكة التجارية بين بروكسل وتل أبيب، تعديلاً جوهرياً يستلزم مصادقة مجلس الاتحاد الأوروبي بأغلبية خاصة (55% من الدول التي تمثل 65% من سكان الاتحاد)، ويتطلب إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل مصادقة على مستويين داخل الاتحاد الأوروبي: التصويت الأول عُقد الأربعاء الماضي في مجلس المفوضين، والذي اعتبر أن إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان، وبالتالي يجب وقف الاتفاق التجاري معها.
أما التصويت الثاني الذي سيُجرى لاحقاً، وتحيط به حالة من عدم اليقين، فهو يحتاج إلى تأييد 55% من الدول الأعضاء تمثل 65% من سكان الاتحاد. ووفق تحليل وزارات المالية والاقتصاد والخارجية الإسرائيلية، فإن الدول المطالبة بتشديد شروط التجارة باتت قريبة من حشد الأغلبية المطلوبة، ومع افتراض استمرار دعم ألمانيا لإسرائيل، فإن الموقف النهائي سيعتمد إلى حد كبير على موقف إيطاليا. وتوقع وزير الاقتصاد الإسباني كارلوس كويربو، أمس الجمعة، أن تكون هناك أغلبية مؤهلة في الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على إسرائيل.
وأقرّ المستشار الألماني، فريدريش ميرز، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الخميس، بوجود اختلافات في وجهات النظر بين حكومتيهما حيال الحرب الإسرائيلية على غزة، وذلك عقب إجرائهما محادثات في مدريد. وقال ميرز إن حكومته ستحدد موقفها النهائي من فرض عقوبات اوروبية على إسرائيل في الأيام المقبلة، على أن تعرضه خلال اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي في اجتماعه أول أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بينما أعرب سانشيز عن دعمه الكامل للعقوبات التي اقترحتها المفوضية الأوروبية على إسرائيل، محذراً من أن الهجوم الذي تشنه الدولة العبرية في غزة سيجعلها "أكثر عزلة".
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الخميس الماضي، إن بلاده منفتحة على دراسة فرض عقوبات تجارية من الاتحاد الأوروبي على إسرائيل ما دامت لا تؤثر في المدنيين. وأضاف تاياني في كلمة أمام مجلس الشيوخ الإيطالي أن روما تؤيد فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين ممن يتبنون مواقف "غير مقبولة" تجاه قطاع غزة والضفة الغربية. وبحسب صحيفة "هآرتس"، فإن إيطاليا تحت قيادة جورجيا ميلوني تُعتبر شريكًا تجاريًا رئيسيًا لإسرائيل، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في 2023 نحو 4.8 مليارات دولار (1.2 مليار صادرات إسرائيلية و3.6 مليارات واردات من إيطاليا).
اقتصاد إسبرطة
ويأتي القرار الأوروبي بعد يوم واحد من خطاب "إسبرطة" الذي أطلقه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمر المحاسب العام في وزارة المالية في القدس، معترفًا بأن إسرائيل تعيش "نوعاً من العزلة السياسية" بسبب الحرب على غزة، ومحذرًا من اقتصاد "إسبرطة" الذي قد يصبح واقعًا مع الخطوات الأوروبية، بحسب صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية.
وحذر مسؤول إسرائيلي كبير في تصريح لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الأربعاء الماضي، قائلًا: "إذا تحققت هذه التهديدات وتضررت التجارة، فإننا نتجه حقًا نحو إسبرطة"، في إشارة إلى خطاب نتنياهو الذي أخبر فيه الجمهور الإسرائيلي صراحة أن البلاد قد تحتاج إلى التحول نحو اقتصاد مكتفٍ ذاتيًا. وسخر المحلل الإسرائيلي ديفيد روزنبرغ، في صحيفة هآرتس الثلاثاء الماضي، مما قاله نتنياهو، مؤكدًا :"لم تنتهِ الأمور على نحوٍ جيد بالنسبة إلى إسبرطة، ولن تنتهي على نحوٍ جيد بالنسبة إلى إسرائيل أيضًا"، مؤكدًا أنه "في مواجهة تزايد المقاطعة والحصار، يقول نتنياهو إن على إسرائيل أن تصبح دولةً مكتفية ذاتيًا عسكريًا واقتصاديًا، لكن رؤيته محكوم عليها بالفشل".
وقبل الحرب اليونانية – الفارسية (480 ق.م)، لجأت إسبرطة إلى كاهنة معبد دلفي للحصول على المشورة، فقالت لهم "نبوءة" مفادها: "إما أن تُدمر مدينة إسبرطة، وإما أن يموت ملكها في المعركة"، وظهر التفسير التاريخي لهذه النبوءة في معركة ثيرموبيلاي، حيث ضحى الملك ليونيداس و300 من جنوده بأنفسهم لمواجهة جيوش الفرس، وانتهى الأمر بمقتله وتدمير اقتصاد إسبرطة، رغم محاولة الصمود أمام الحصار، وهو ما يشير إليه نتنياهو من زاوية واحدة، هي الصمود والتضحية دون أن يذكر حقيقة النبوءة، وهي مقتله هو والحكومة الإسرائيلية وانهيار اقتصاد إسبرطة الإسرائيلي الذي يبشر به.
وقال نتنياهو، الاثنين: "سنحتاج أكثر فأكثر إلى التكيف مع اقتصاد ذي سمات أوتاركية (اكتفاء ذاتي). يمكن أن نجد أنفسنا في وضع تُحاصر فيه صناعاتنا العسكرية، وسنضطر إلى تطوير صناعات محلية، نحن مضطرون إلى أن نكون أثينا وإسبرطة في آن واحد، بل سوبر إسبرطة"، زاعمًا أن إسرائيل ستُصبح "أثينا وإسبرطة عظمى". وبحسب ما ذكرته التقديرات الاقتصادية في تل أبيب، فإن تصريحات نتنياهو عن التحول إلى "اقتصاد إسبرطة" بدت وكأنها نبوءة تتحقق، في ظل اقتراب الاتحاد الأوروبي من اتخاذ إجراءات عقابية قد تغيّر قواعد التجارة مع إسرائيل.
إسبانيا تلغي صفقات سلاح مع إسرائيل
وضمن خسائر الاحتلال من المقاطعة الأوروبية، قالت صحيفة هأرتس الثلاثاء الماضي، إن مجموع قيمة الصفقات التي ألغتها إسبانيا مع شركات سلاح إسرائيلية وصل إلى مليار يورو، حيث ألغت إسبانيا عقدًا ضخمًا لشراء أنظمة مدفعية من إنتاج شركة إلبِيت الإسرائيلية. وهذه هي الصفقة الثانية لشراء سلاح إسرائيلي التي تلغيها الدولة هذا الشهر على خلفية الحرب في غزة، لتبلغ بذلك قيمة الصفقات الملغاة نحو مليار يورو. وقال نتنياهو مساء الثلاثاء، إن القيود المفروضة على الصناعات الأمنية الإسرائيلية مصدرها اعتبارات سياسية لا اقتصادية، في ظل حرب غزة وعزلة متصاعدة، وجاءت تصريحاته فيما تراجعت مؤشرات بورصة تل أبيب للجلسة الخامسة على التوالي متأثرة بالتصعيد وخطاب "إسبرطة".
وأوضح نتنياهو، في تصريحات تلت اضطراب الأسواق عقب خطابه عن "سوبر إسبرطة" الذي أقر فيه بعزلة إسرائيل السياسية، أنه قصد تحديدًا قطاع الصناعات الأمنية والأسلحة، مضيفاً: "هناك واجهنا بالفعل قيودًا سياسية خلال الحرب". وجاءت أقوال نتنياهو في مؤتمر صحافي اقتصادي، وُصف بأنه محاولة للحد من تداعيات خطابه السابق، المعروف بـ"خطاب إسبرطة"، الذي أثار ردود فعل واسعة داخليًا وخارجيًا، وترافق مع تراجعات متتالية في بورصة تل أبيب.
وقال نتنياهو: "خلافًا لكل التوقعات، الشيكل أقوى مما كان قبل الحرب"، مضيفًا أن "بورصتنا أقوى من مؤشر S&P في الولايات المتحدة وأوضح أن "البطالة عند أدنى مستوى تاريخي، وفي الأشهر الأخيرة نشهد تدفقًا كبيرًا جدًا للمستثمرين إلى اقتصاد إسرائيل". وتراجعت أسهم بورصة تل أبيب للجلسة الخامسة على التوالي، متأثرة بالتصعيد العسكري الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة، وتصريحات نتنياهو حول دخول إسرائيل في عزلة. وقال كبير الاقتصاديين في شركة "ليدر كابيتال ماركتس"، جوناثان كاتز، إن شنّ إسرائيل هجومًا بريًا جديدًا على غزة يضر بأداء السوق، "نظرًا لغياب أي مؤشرات على قرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار".