تهميش درعا اقتصادياً... غياب الاستثمارات وسط اضطرابات أمنية

17 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 03:33 (توقيت القدس)
إهمال اقتصادي لمحافظة درعا، 10 يونيو 2025 (رامي السيد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني درعا من غياب الاستثمارات بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة، وضعف البنية التحتية، وهجرة الكفاءات، مما أدى إلى تهميشها في بروتوكولات الاستثمار الحكومية.

- تسعى درعا إلى تحسين بنيتها التحتية وجذب الاستثمارات من خلال تحديث القوانين، إنشاء مدينة صناعية، وتقديم ضمانات استثمارية وتخفيضات ضريبية، مستفيدة من موقعها الجغرافي كبوابة جنوبية لسوريا.

- تمتلك درعا مقومات اقتصادية وسياحية كبيرة، لكنها تواجه تحديات في القطاع العقاري، مما يتطلب تنظيم السوق وتبني سياسة إعلامية متكاملة للترويج للاستثمار والاستقرار.

 

غابت محافظة درعا عن بروتوكولات الاستثمار التي وقعتها الحكومة السورية مؤخراً مع مستثمرين بقيمة 15 مليار دولار، فاسم بوابة سورية الجنوبية لم يذكر في قائمة المناطق المستفيدة، ما استدعى أهلها إلى طرح أسئلة تبدأ عند التهميش ولا تنتهي عند تهديدات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف المحافظة.

وتقع درعا في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد، تحدها من الجنوب المملكة الأردنية، ومن الغرب محافظة القنيطرة، ومن الشمال محافظة ريف دمشق، ومن الشرق محافظة السويداء.
في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي والمخلص الجمركي أحمد المسالمة، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن غياب الاستثمارات عن محافظة درعا السورية يعود إلى مجموعة عوامل متشابكة، تجمع بين الأوضاع الأمنية والسياسية، وضعف البنية التحتية، إلى جانب هجرة الكفاءات ورؤوس الأموال، وتراجع الخدمات المصرفية.
ويشير المسالمة إلى أن الوضع الأمني والسياسي في بعض مناطق درعا بعد الحرب السورية شكّل عائقًا أمام المستثمرين، إذ ما تزال بعض المناطق تعاني مظاهر السلاح والانفلات الأمني. كما ساهم ضعف البنية التحتية في الحد من النشاط الاستثماري، نتيجة تدهور شبكات الكهرباء والمياه والطرق، وبطء عملية إعادة الإعمار، فضلًا عن غياب أو عدم تفعيل المناطق الصناعية.
ويضيف إلى ذلك هجرة الكفاءات ورأس المال، حيث غادر عدد كبير من أبناء درعا خلال الأزمة، واستثمروا أموالهم في الخارج أو في مدن سورية أكثر أماناً. كما ساهمت الصورة الذهنية السلبية المرتبطة بأحداث السنوات الماضية في ترسيخ عزوف المستثمرين، بحسب الخبير الاقتصادي.

كما لا يمكن إغفال أثر ضعف الخدمات المصرفية والتمويلية، مع قلة الفروع الفاعلة وشح السيولة والقيود على التحويلات، على إمكانية تمويل المشاريع الكبرى، وفق المسالمة لافتًا إلى أن استعادة جاذبية درعا الاستثمارية تتطلب خطوات جادة، تبدأ بتحسين الواقع الأمني بشكل ملموس، وتوفير حوافز استثمارية حقيقية، وإطلاق مشاريع بنية تحتية كبرى، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع إعادة إدماج الكفاءات.
ويرى أن قوة درعا الاستثمارية يجب أن تعتمد بالدرجة الأولى على أبنائها المنتشرين في دول عدة، خصوصًا في الخليج العربي.
في السياق نفسه كشف مدير الاستثمار في درعا المهندس قاسم زنيقة، لـ"العربي الجديد" أن هناك رؤية متكاملة لإعادة تأهيل محافظة درعا وتحويلها إلى بيئة جاذبة للاستثمار، مستفيدة من موقعها الجغرافي بوابةً جنوبيةً لسورية على الأردن ودول الخليج، ما يجعلها مؤهلة لاستقطاب استثمارات كبرى في المرحلة المقبلة.
وأشار الزنيقة إلى أن العمل يجري على إعادة تقييم المخططات التنظيمية ودراستها، خاصة في الأحياء المدمرة كلياً، مع التركيز على إيجاد صيغة قانونية واضحة تنظم العلاقة بين أصحاب الملكيات والمستثمرين أو المطورين العقاريين، بما يضمن حقوق جميع الأطراف ويسهل انطلاق مشاريع إعادة الإعمار.
وأضاف أن تحديث القوانين يعد محوراً أساسياً في الخطة، لافتاً إلى أهمية دراسة زيادة الارتفاع الشاقولي (الرأسي) للأبنية، إذ إن المخططات التنظيمية الحالية لا تسمح بأكثر من 4 إلى 5 طوابق، وهذه الزيادة تتطلب إعادة تأهيل البنى التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي لتواكب هذه التغييرات.

وفي سياق المشاريع الاستثمارية، أوضح الزنيقة أن المدينة الصناعية المقترحة في درعا يمكن أن تتحول إلى أكبر فرصة استثمارية في المنطقة، إلى جانب مشاريع استراتيجية أخرى.
كما لفت الزنيقة إلى أن المشاريع الاستثمارية الاستراتيجية ستكون تحت إشراف السلطة السياسية العليا، ما يضمن تنفيذها ضمن رؤية وطنية متكاملة.
وأشار إلى أهمية المرسوم 114 الذي أصدره الرئيس أحمد الشرع، عبر إدخال تعديلات وضمانات استثمارية جاذبة للمستثمرين وتخفيضات ضريبية منافسة على مستوى قوانين الاستثمار المعمول بها دولياً.
واختتم الزنيقة تصريحه بتأكيد أن درعا، بما تمتلكه من مقومات جغرافية وقوى بشرية وبنية تحتية واعدة، ستكون من أبرز المحافظات السورية القادرة على جذب الاستثمارات الكبيرة خلال المرحلة المقبلة.
فيما حذر ابن محافظة درعا ومدير شركة "الدار العقارية" في إسطنبول، يامن الصالح، من تحديات قد تواجه القطاع العقاري السوري خلال المرحلة المقبلة، رغم توقعاته بطفرة كبيرة في الطلب وانتشار العمران في مختلف المحافظات.
وقال الصالح في تصريح لـ"العربي الجديد": "الفترة المقبلة ستشهد زيادة واضحة في النشاط العمراني، لكن في المقابل، هناك أخطار جدية إذا لم يتم تنظيم السوق منذ البداية". وأوضح أن المشكلة تبدأ حين تدخل السوق شركات تفتقر إلى الخبرة أو رأس المال الكافي، وتعتمد على تمويل مشاريعها حصراً من الدفعات المسبقة التي تحصل عليها من الزبائن، وهو أسلوب وصفه بأنه شديد الخطورة إذا غاب عنه التنظيم والرقابة.
وشدد الصالح على أن ضبط السوق يتطلب تصنيف الشركات وفق قدراتها المالية وسجل إنجازاتها، بحيث يُحدد لكل منها حجم المشاريع المسموح بتنفيذها، إلى جانب سن قوانين واضحة لمواعيد التسليم تفرض غرامات على أي تأخير غير مبرر، وتأسيس صناديق استثمارية عقارية داخل سورية توفر السيولة من خلال شراكة الأرباح بدلاً من الفوائد الربوية، وأخيراً أن تتولى الحكومة، عبر جهة رسمية تابعة لوزارة الإسكان، دور الضامن للمشاريع، بحيث تُنقل فوراً إلى شركات أخرى في حال تعثرها أو تأخرها عن المدة المتفق عليها.

موقف
التحديثات الحية

كما وجّه نصيحة إلى أصحاب الأراضي بعدم التسرع في قبول العروض المغرية، وضرورة دراسة الشريك المحتمل والتأكد من قوته وخبرته قبل توقيع أي اتفاق، مؤكداً أن الطفرة العقارية المقبلة إما أن تضع البلاد على طريق البناء وإما أن تعيدها خطوات إلى الوراء إذا أُديرت بارتجال.
وتحدث الصالح عن خصوصية محافظة درعا، قائلاً: "درعا ليست فقط مهد الثورة السورية، بل تملك مقومات اقتصادية وسياحية هائلة، من موقع استراتيجي قريب من الأردن ودمشق، إلى طبيعة متنوعة وأرض خصبة ومناخ معتدل".
وأشار إلى أن المحافظة مؤهلة لتصبح وجهة سياحية مميزة، مع إمكانية إقامة مشاريع مثل المنتجعات الريفية والمزارع السياحية والمخيمات العائلية والسياحة العلاجية.
ولفت إلى أن نمط السكن في درعا يختلف عن كثير من المناطق السورية، إذ يفضل أهلها البيوت المستقلة ذات الحدائق والمساحات المفتوحة، ما يجعل مشاريع الفلل السكنية أكثر انسجاماً مع طبيعتهم واحتياجاتهم.
ويشدد الناشط الإعلامي سعيد النابلسي في حديثه لـ"العربي الجديد" على أن درعا تحتاج إلى خطط واضحة للترويج الاستثماري، وألا تترك الأمور لعامل الصدفة.

ويقترح تبني سياسة إعلامية متكاملة تُظهر الاستقرار والفرص المتاحة، وتسلط الضوء على قصص النجاح القائمة، مع تقديم بيانات موثوقة عن القوانين والحوافز. ويرى النابلسي أن أبناء درعا، الذين اكتسبوا خبرات عالمية وأثبتوا قدراتهم في دول عديدة وعلى رأسها الخليج، هم الركيزة الأساسية لأي نهوض اقتصادي محلي، إذا ما توفرت لهم البيئة المناسبة.

المساهمون