استمع إلى الملخص
- التحديات الاقتصادية والسياسية: سياسة ترامب للحصول على نفط رخيص تتعارض مع الحقائق الاقتصادية، حيث تثبط انخفاض الأسعار الاستثمار في النفط الصخري، وتتناقض مع هدف تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة.
- التأثيرات الجيوسياسية والتجارية: سياسات ترامب التجارية زادت من عدم اليقين في أسواق النفط، مما أثر على تجارة النفط وناقلاته، وتعارضت محاولاته مع مصالح صادرات الغاز الأميركي.
لم يهدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أي وقت في التراجع عن المبادرات الخضراء التي تبناها سلفه جو بايدن. فقد انسحبت الولايات المتحدة بسرعة من اتفاقية باريس للمناخ للمرة الثانية، وألغت اللوائح البيئية، كما جمد تمويل الطاقة الخضراء. وكان أحد إجراءات ترامب في اليوم الأول هو إعلان "حالة طوارئ وطنية للطاقة"، مدعياً أن الولايات المتحدة تواجه "إنتاجاً غير كاف من الطاقة".
ويرى تحليل بنشرة "كونفرسيشن"، وهي دورية أكاديمية بريطانية، أن سياسة ترامب قد تؤدي إلى تقويض رؤيته لنهضة التصنيع الأميركية من خلال خفض الاستثمارات الحاسمة في الطاقة النظيفة، مما يضع الولايات المتحدة في خلاف مع الاقتصاد العالمي الذي يركز بشكل متزايد على التقنيات النظيفة. ويقول توماس ستيورات الأستاذ بجامعة فكتوريا في تحليل نشره في 5 نوفمبر الماضي، إنه على الرغم من كل وعوده بإحياء الصناعة الأميركية والحد من الاعتماد على الإنتاج الأجنبي، فإن معارضة ترامب للطاقة النظيفة تهدد استثمارات التكنولوجيا الخضراء وغيرها من الحوافز التي تدفع تنمية التصنيع في الولايات المتحدة.
ويرى أن رغبة ترامب في الحصول على نفط رخيص تتعارض مع الحقائق الاقتصادية المتمثلة في زيادة إنتاج النفط الصخري. إذ إن انخفاض أسعار النفط يثبط الاستثمار في مشاريع النفط الصخري. وتعني عتبة الربحية لمنتجي النفط الصخري، أنهم لن يزيدوا الإنتاج إذا انخفضت الأسعار إلى ما دون نقاط التعادل. وبالتالي، فيما يدافع ترامب عن النفط الرخيص وزيادة إنتاج الصخري منه، فإن أهدافه تتعارض مع الظروف الحالية للسوق.
وبالتالي فإن سعيه للحصول على نفط رخيص يتعارض مع رغبته في زيادة إنتاج الصخري. فالشركات لا تنتج النفط من أجل الحصول على مكاسب سياسية وإنما من أجل الحصول على مكاسب مالية. وبالتالي، فإن شركات النفط الصخري تحتاج إلى أسعار مرتفعة للنفط في السوق العالمية، خاصة وأنها تتنافس مع دول أوبك ذات الكلفة الرخيصة لبرميل النفط.
ووفق مسح لبنك الاحتياط الفيدرالي في دالاس، فإن السعر الذي تحتاجه الشركات لإنتاج الخامات الصخرية دون خسارة يتراوح بين 50 و56 دولاراً في المناطق الغنية بالصخور الزيتية، لكن في مناطق أخرى بالولايات الأميركية تصل كلفة البرميل إلى 70 دولاراً، وهو ما يعني أن الشركات البترولية تحتاج إلى سعر يفوق الرقم الأخير حتى تتمكن من تحقيق ربحية معقولة لعملياتها.
وتنبع رغبة ترامب في الحصول على نفط رخيص من عدة دوافع، أولها النمو الاقتصادي السريع، حيث يمكن لأسعار النفط المنخفضة أن تحفز النشاط الاقتصادي من خلال خفض تكاليف النقل والإنتاج عبر مختلف القطاعات، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار المواد المصنعة للمستهلك.
كما أنه يرى أن هيمنة أميركا على سوق الطاقة العالمية ستتيح لترامب خفض التضخم. لكن محللين يرون أن استخراج النفط الصخري يتطلب رأس مال كثيفاً ويتطلب أسعاراً أعلى بكثير من 70 دولاراً ليكون مربحاً، وإذا انخفضت الأسعار بشكل كبير بسبب العرض الزائد أو عوامل أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى ردع الاستثمار في مشاريع الحفر الجديدة. ويلاحظ أن ترامب يضغط على منظمة "أوبك +" لخفض الأسعار.
ثانياً، وعلى صعيد هدفه الثاني الذي يرمي لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة مقابل المنافسة في السوق العالمية، وهي سياسة "أميركا أولاً في مجال الطاقة" التي تبناها ترامب وتهدف إلى جعل الولايات المتحدة مستقلة في مجال الطاقة من خلال تعزيز الإنتاج المحلي من النفط والغاز، فإن الدفع نحو زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا وآسيا يشير إلى تحول نحو المنافسة في الأسواق العالمية، وهو ما قد يقوض الاستقلال الذي سعى إلى تحقيقه. إذ من خلال تعزيز الصادرات، تصبح الولايات المتحدة جزءًا من ديناميكيات السوق العالمية التي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية للمستهلك الأميركي. فلا يمكن أن تظل السوق الأميركية منعزلة في وقت تظل شركات الغاز المسال متفاعلة مع السوق العالمية على صعيد الصادرات.
وثالثاً، المكاسب الاقتصادية قصيرة الأجل مقابل الاستدامة طويلة الأجل. فقد ركزت سياسات ترامب بشكل كبير على الفوائد الاقتصادية الفورية من إنتاج الوقود الأحفوري، مثل خلق فرص العمل في قطاعات الطاقة التقليدية وانخفاض الأسعار للمستهلكين في الأمد القريب. ومع ذلك، غالبًا ما جاء هذا النهج على حساب أهداف الاستدامة طويلة الأجل المرتبطة بالانتقال إلى مصادر طاقة أنظف مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتي أظهرت إمكانات نمو كبيرة على الرغم من التحديات التنظيمية خلال فترة ولايته الأولى. ويتناقض التركيز على المكاسب قصيرة الأجل مع الاتجاهات الاقتصادية الأوسع التي تفضل الممارسات المستدامة التي يمكن أن توفر فوائد أكثر استقرارًا بمرور الوقت.
ويلاحظ أن ترامب يسعى لإلغاء العقوبات الاقتصادية على روسيا، بما في ذلك عودة صادرات غاز الأنابيب الروسي الرخيص إلى أوروبا، في الوقت ذاته يسعى إلى إلزام أوروبا بشراء الغاز المسال الأميركي باهظ الثمن. لذا هو يغلق الباب أمام صادرات الغاز الأميركي إلى أوروبا بسبب السعر، كما أن صادرات الغاز الأميركي إلى الصين تواجه عقوبات وتعرفة جمركية مرتفعة. وبالتالي فهو يضرب صادرات الغاز المسال الأميركي عبر فتح الباب لمنافسته خارجياً عبر تدفق غاز الأنابيب الروسي الرخيص وكذلك عبر الحرب التجارية مع الصين.
وبالنسبة للارتباك الحالي في تجارة النفط، فإنه وفق تقرير بنشرة "أويل برايس" في نهاية فبراير الماضي، يتردد أصحاب السفن وتجار النفط في الدخول في صفقات تأجير طويلة الأجل لناقلات النفط وسط حالة عدم اليقين الجيوسياسي المتزايدة منذ تولي ترامب منصبه.
ووفق التقرير، أدت الرسوم الجمركية الأميركية على الصين، وتهديد فرض الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، والوضع الأمني غير المؤكد حول طريق البحر الأحمر والعقوبات المفروضة على إيران وفنزويلا، والمحادثات بشأن السلام في أوكرانيا إلى زيادة حالة عدم اليقين في أسواق النفط وناقلات النفط.
وأبرز أصحاب ومشغلو ناقلات النفط ومجموعات تجارة السلع الأساسية حالة عدم اليقين الأكبر التي تواجهها تدفقات تجارة النفط والأسواق مع خيارات السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وإن أي تغيير في تدفقات التجارة والعقوبات والقيود الجديدة يؤدي إلى ارتفاع أسعار الشحن وزيادة التقلبات في سوق ناقلات النفط. كما أصبح من الصعب الآن إبرام صفقات طويلة الأجل بسبب عدم اليقين المتزايد، كما أصبح إبرام صفقات تأجير السفن على أساس زمني، والتي توفر قدراً أعظم من اليقين بسبب معدلات الإيجار الثابتة لفترة زمنية محددة، أكثر صعوبة، حسبما يقول أصحاب السفن وسماسرة السفن لصحيفة فاينانشال تايمز.
وقال ميكائيل سكوف، الرئيس التنفيذي لشركة هافنيا، إحدى أكبر شركات تشغيل ناقلات النفط في العالم، للصحيفة: "إن تجار النفط وأصحاب السفن الآخرين، كلهم لديهم نفس الرأي بأن إبرام صفقات طويلة الأجل ربما أصبح أكثر صعوبة الآن مع سياسات ترامب التجارية".